قالت مجلة لوبوان إن أحداث هذا الأسبوع تنذر بمستقبل قاتم بعد أن حوّل الرئيس التونسي البلاد التي انتخبته ديمقراطيا إلى سجن مفتوح، فعاد الخوف من جديد وأغلق التابوت على حريات الفكر والكلام والكتابة.

وأشارت المجلة -في تقرير بقلم بينوا دلما- إلى أن الأمل الذي منحه التونسيون لأجيال بأكملها مع ثورة 2011، قد تلاشى، وأصبحت العشوائية التي فرضها من هم في السلطة وطبقتها شرطتهم الآن هي القاعدة، ليعيش الناس على إيقاع نوبات غضب قيس سعيد، وحسب رغباته، بحيث يمكن القبض على أي شخص واحتجازه لدى الشرطة التي تعمل بحماسة مذهلة، بدون أن يحتوي ملف المتهم على أدنى دليل.

عودة الدكتاتورية

اكتمل الفصل الأول من العودة السرية إلى الدكتاتورية في 25 يوليو/تموز 2021، عندما قام سعيد بناء على “مخاطر” وشيكة، بتفعيل المادة 80 من دستور 2014 التي تمنحه “3 أشهر كحد أقصى” لتعليق عمل الجمعية الوطنية، ليتم تحويل البرلمان إلى حديقة حيوانات يتكادم فيها النواب ويتشاتمون ويعتصمون أمام الكاميرات، وهو ما أثار اشمئزاز التونسيين الذين لفظوا نوابهم في البرلمان، معتبرين سلوكهم “عارا” عليهم.

ولكن ما لم يكن في حسبان التونسيين هو أن الرئيس قيس سعيد لا ينوي إعادة السلطات، بل احتفظ بها جميعا، ووضع حدا لوجود حزب المؤتمر الشعبي وسحق الدستور وقضى على الهيئات المستقلة التي ولدت من رحم الثورة.

وجاء الفصل الثاني بإصدار دستور جديد، كتبه سعيد واثنين من أصدقائه الجامعيين، وجاء المرسوم رقم 54 الصادر في 13 سبتمبر/أيلول 2022، ليسد مسد السلاح القمعي الذي تحتاجه الحكومة، وهو يقضي “بالسجن 5 سنوات” لأي شخص ينشر “أخبارا كاذبة”، وأصبح بمثابة ترخيص في يد قيس سعيد لحبس أي معارض لتصرفاته.

وهكذا تبدأ الأجهزة الأمنية الفصل الثاني باعتقال الزعماء السياسيين الرئيسيين في البلاد، فاعتقل رئيس الجمعية التأسيسية خيام تركي ثم الوزير السابق غازي الشواشي، فراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، ولا يزال حوالي 50 معارضا مسجونين بدون محاكمة، رغم تجاوزهم الحد الأقصى لمدة الحبس الاحتياطي.

جانب من المسيرة الاحتجاجية لجبهة الخلاص المعارضة للمطالبة بتحديد موعد الانتخابات وتنقية المناخ السياسي (الجزيرة)

المرحلة الثالثة

وبعد تصفية أدوات السلطة وقوى المعارضة، وتشكيل أدوات جديدة توافق ما يرغب فيه، تمت الموافقة على الانتخابات الأخيرة بنسبة امتناع عن التصويت بلغت حوالي 90%، لينتقل النظام الاستبدادي إلى المرحلة الثالثة من الحكم -حسب المجلة- وهو قمع المجتمع المدني والمحامين وممثلي الجمعيات والمنظمات غير الحكومية أمام الكاميرا.

وفي غضون 8 أيام، تم اعتقال 4 محامين وصحفيين وناشطين بطريقة عنيفة، كما وضع ممثلون من الجمعيات المناهضة للعنصرية ومساعدة المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى تحت مذكرات الاعتقال، ليتهكم البعض قائلا إن المستوى الفكري ارتفع بشكل كبير في السجن بفضل الأساتذة والمحامين والأطباء المقيمين فيه.

وخلصت المجلة إلى أن الخوف عاد للظهور بين النخب بعد أن أفهم رئيس الجمهورية والأجهزة الأمنية أن حرية التعبير لا يسمح بها إلا إذا كانت دعما لهم، وبالتالي يمكن أن يذهب الشخص إلى السجن بسبب سخرية على التلفاز أو منشور على فيسبوك، وربما يتحول هذا الاحتجاز السابق للمحاكمة إلى السجن مدى الحياة.

وها هو قيس سعيد يفرض دكتاتورية جديدة باسم مكافحة الفساد و”الحرب” على “أولئك الذين يتآمرون في الحانات والمطاعم مع الأجانب”، وباسم القومية العربية المطلقة التي تمجد الفقر وترى المؤامرات في كل مكان، حول البلاد التي انتخبته ديمقراطيا إلى سجن مفتوح.

شاركها.
Exit mobile version