تشهد القارة الأوروبية بأكملها تقريبًا هجومًا قوميًّا شعبويًّا لم يسبق له مثيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهذه الحركات المتطرفة، التي تجعل الديمقراطيات تتآكل، في طريقها إلى فرض أجندتها على البرلمان والمجلس الأوروبيين.

بهذه التوطئة بدأت مجلة لوبس الفرنسية تحقيقا قالت فيه إن الشعبوية الوطنية وصلت في كل أنحاء أوروبا مستويات غير مسبوقة، ولم تفلت من موجة المد والجزر هذه سوى أيرلندا.

وأوضحت أن الانتخابات التي تبدأ اليوم (السادس) من يونيو/حزيران وتستمر 3 أيام ستؤدي، إذا تأكدت نيات التصويت، إلى استحواذ اليمين المتطرف على حوالي 25% من المقاعد.

ورجحت المجلة أن تؤدي زيادة بنحو 40 مسؤولا منتخبا إلى تغيير التوازن في حين قد يشهد حزبا التجديد والخضر انخفاضا في أعداد ممثليهما.

مارين لوبان رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في فرنسا وتوميو أوكامورا زعيم حزب الحرية والديمقراطية المباشرة اليميني المتطرف في التشيك والسياسي الهولندي اليميني المتطرف خيرت فيلدرز  (رويترز)

أما بالنسبة للمجلس الأوروبي، الذي يجمع رؤساء أو حكومات الدول الـ27، فإن 6 مقاعد منه تشغلها بالفعل جماعات شعبوية أو تدعمها: إيطاليا، والمجر، والسويد، وفنلندا، وسلوفاكيا، ومؤخراً هولندا، ومن الممكن أن تتوسع القائمة لتشمل بلجيكا والنمسا، حيث يشق القوميون المتطرفون طريقهم إلى الفوز في الانتخابات العامة، حسب لوبس.

وحتى ألمانيا، التي تُذكِّر كتبها المدرسية -بلا كلل- بالسنوات الـ12 من دكتاتورية الرايخ الثالث، تعاني من هذه الموجة بعد أن طالت بلدانا كانت قد جربت أسوأ ما في الأنظمة الشمولية كإيطاليا، وإسبانيا، والبرتغال، بل وصلت دولا كانت تعتبَر في السابق نماذج للديمقراطية كالسويد وفنلندا.

وتساءلت المجلة مع صحيفة دير شبيغل الألمانية “هل التاريخ يعيد نفسه؟”، قائلة “علينا أن نعود إلى فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية لنجد مثل هذه الظاهرة”.

اختلاف جذري

وتعليقا على ذلك، تنقل المجلة عن مارك لازار، الأستاذ الفخري في معهد العلوم السياسية في باريس والمؤلف المشارك لدراسة حول “نطاق وحدود الشعبويين القوميين الأوروبيين”، التي نشرها معهد مونتين قوله “هناك نقاط مشتركة لا يمكن إنكارها مع فترة الثلاثينيات”، ومثلما كانت الحال في تلك الحقبة، تمارس حركات اليمين حاليا الغوغائية ومعاداة النخب والعنصرية وكراهية الأجانب، وفقا للأستاذ.

لكن لازار لاحظ اختلافا جذريا بين نموذجي التطرف القديم والحديث، “فهناك تحول كامل في النموذج” إذ إن الحركات اليمينية الحالية لا تدعو إلى استخدام العنف -حتى لو تركت الغموض يلف ذلك الأمر- كما حدث في تظاهرات السادس من فبراير/شباط 1934، كما أنها لا تدعو إلى الديكتاتورية ولا إلى كراهية الديمقراطية، كما كان الفاشيون والنازيون يفعلون.

وعلاوة على ذلك، لا تريد هذه الحركات خلق زعيم جديد مثل موسوليني أو هتلر، لكنها تدعو لاستعادة ما تعتبره ” فرنسا السابقة، أو إيطاليا التقليدية، أي بدون المهاجرين”.

ولذلك فإن هذه الحركات لا تشن هجوما مباشرا على الديمقراطية، بل هجمات مبطنة، فالشعبويون الوطنيون يمارسون الآن لعبة المؤسسات الديمقراطية للحصول على السلطة ومن ثم تقويضها من الداخل، وفقا للمجلة.

وحذرت لوبس من أن الاتحاد الأوروبي لم يصل قط لهذا الحد من الهشاشة منذ بدايات بنائه في عام 1950، عندما قال أحد آبائه المؤسسين “نحن فقط في بداية الجهد المبذول لتحقيق الوحدة والرخاء والسلام في نهاية المطاف”.

وبعد مرور 75 عامًا، تتضاعف المخاطر التي تواجه هذا الاتحاد متمثلة في الحرب في أوكرانيا، وزيادة الهجمات الإلكترونية وعمليات إفساد النخبة التي يقف وراءها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ناهيك عن الشكوك حول المظلة الأميركية، وفقا للمجلة.

ومن ناحية أخرى، لفتت المجلة إلى أنها لا تتوقع أن يشكل الأعضاء اليمينيون في البرلمان الأوروبي كتلة واحدة لاختلافهم بشأن حرب أوكرانيا ما بين قريب من روسيا ومدافع عن أوكرانيا.

لكنها شددت على أن ما هو محل إجماع بين هذه الحركات، هو أولا وقبل كل شيء، معاداة الإسلام والهجرة والتعددية الثقافية، فتلك هي الأمور التي تثير استياءهم، وهي التي تجعل هذه الجماعات تتكتل وترسخ أقدامها.

فمنهم من يعد بحظر القرآن ومنهم من يرى أن الإسلام لا يتماشى مع المجتمع الأوروبي، وكلهم يدعون إلى وقف الهجرة غير النظامية وطرد المهاجرين غير النظاميين إلى بلد خارج الاتحاد.

شاركها.
Exit mobile version