|

يقول موقع “أفريكا ريبورت” في تقرير إن واشنطن لم تعد تنظر إلى أفريقيا من زاوية المساعدات أو الخطاب الديمقراطي أو التعاون المتعدد الأطراف. فالمعادلة تغيرت جذريا: لم يعد السؤال “ماذا يمكن أن تقدم الولايات المتحدة لأفريقيا؟”، بل “ماذا يمكن لأفريقيا أن تقدم لأميركا؟”.

هذا التحول في العقيدة السياسية الأميركية، حسب ما يرى الموقع، يفرض على الدول الأفريقية إعادة تعريف أدواتها الدبلوماسية، والانتقال من موقع المتلقي إلى موقع الشريك القادر على تقديم قيمة إستراتيجية ملموسة.

وفي هذا السياق، برزت شركات الضغط والعلاقات العامة كوسيط حيوي بين القادة الأفارقة ومراكز القرار في واشنطن، وعلى رأسها شركة “غنستر ستراتيجيز وورلد وايد” التي تتخذ من العاصمة الأميركية مقرا لها.

تغيرت نظرة واشنطن للعلاقة مع أفريقيا منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض (رويترز)

منطق جديد.. المصالح أولا

ويقول الموقع إن السياسة الأميركية تجاه أفريقيا باتت تتمحور حول المصالح الاقتصادية والأمنية المباشرة. فالاتفاقيات التجارية التي كانت تمنح امتيازات للدول الأفريقية، مثل قانون النمو والفرص الأفريقي، تراجعت لصالح رسوم جمركية شاملة بموجب قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية. ونتيجة لذلك، أصبحت صادرات مثل المنسوجات والكاكاو والسلع المصنعة تواجه عراقيل جمركية متزايدة.

في المقابل، يُطلب من الدول الأفريقية تقديم قيمة قابلة للقياس: خلق وظائف أميركية، توفير معادن إستراتيجية، والانسجام مع أهداف الصناعة الأميركية. كما تراجعت أهمية الأطر المتعددة الأطراف، مثل الاتحاد الأفريقي أو الإيكواس، لصالح اتفاقيات ثنائية مباشرة، وفق ما يقول أفريكا ريبورت.

حتى سياسات الهجرة لم تسلم من هذا التغيير، إذ باتت برامج مثل “البطاقة الذهبية” التي تمنح الإقامة مقابل استثمار بقيمة 5 ملايين دولار، متاحة بشروط صارمة، في وقت تواجه فيه دول أفريقية عديدة قيودًا على التأشيرات بحجة الأمن أو عدم الامتثال أو عدم الاستقرار السياسي.

المنافسة على المعادن الحيوية

ويرى الموقع أن القطاعات الإستراتيجية مثل الطاقة والاتصالات واستخراج المعادن أصبحت محور الحوار الأميركي الأفريقي. فأفريقيا تُعد اليوم ساحة تنافس حاسمة في معركة السيطرة على سلاسل التوريد العالمية، خصوصا فيما يتعلق بالمعادن الحيوية لصناعات الدفاع والطيران والسيارات الكهربائية. ولم تعد التنمية هي الدافع الأساسي، بل مواجهة النفوذ الصيني المتزايد.

سعى ترامب لإبرام اتفاقية سلام بين الكونغو الديمقراطية ورواندا للاستفادة من صفقات المعادن شرق الكونغو (الفرنسية)

شركة ضغط بمواصفات المرحلة

ويقول الموقع “في هذا المشهد المعقد، تقدم غنستر ستراتيجيز نفسها كجهة قادرة على صياغة حملات تغيّر القوانين، وتؤثر في السياسات الخارجية، وتعيد تشكيل الصورة الذهنية للدول الأفريقية في واشنطن”.

يقود الشركة جيري غنستر، المعروف بدوره في حملة “بريكست” والذي يتمتع بخبرة في الإقناع السياسي والانضباط الرسائلي، بعيدا عن بيروقراطية الشركات الكبرى للعلاقات العامة. إلى جانبه، يبرز السفير عمر أرونا، رئيس قسم الشؤون العامة العالمية، الذي سبق أن مثّل بنين في واشنطن والبنك الدولي، ويعمل على ضمان أن تُفهم الرسائل الأفريقية ضمن السياق السياسي الأميركي.

ويقول الموقع إن فريق “غنستر ستراتيجيز” يضم نخبة من الخبراء الدوليين الذين يجمعون بين الخبرة السياسية والاقتصادية والأمنية، مما يمنح الشركة قدرة استثنائية على التأثير في السياسات العالمية، من بينهم آندي ويغمور المتخصص في الرمزية السياسية وهندسة الإعلام الشعبي، والذي لعب دورا بارزًا في حملات ذات طابع شعبوي.

كما يشارك في الفريق وزير المالية البريطاني السابق كواسي كوارتيغ، الذي يرفد الشركة برؤى عميقة في الاقتصاد الكلي والدبلوماسية الاستثمارية. ويُعد شون ليفي من ركائز الفريق في مجال الدفاع والأمن الدولي، حيث يسهم في مواءمة مصالح الدول الهشة مع أولويات الأمن الأميركي.

أما مستشارة السياسات العامة لوسي وايت فتتمتع بخبرة واسعة في ملفات التجارة والتنمية الأفريقية، وقد عملت مع مؤسسات دولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، مما يعزز قدرة الشركة على صياغة إستراتيجيات متكاملة تخدم مصالح الدول الأفريقية في المحافل الدولية.

جيري غنستر مؤسس “غنستر ستراتيجيس” (الموقع الرسمي للشركة)

صناعة النفوذ الأفريقي

تعمل الشركة على ترتيب لقاءات رفيعة المستوى للقادة الأفارقة في البيت الأبيض والكونغرس، وتنسق مع شخصيات أميركية نافذة لدعم مصالح أفريقية تتماشى مع أولويات واشنطن. وقد تعاملت مع دول مثل توغو وجنوب السودان وأرض الصومال ونيجيريا وأوغندا، وساهمت في إدارة أزمات سياسية وتقديم سرديات دبلوماسية مضادة للهجمات الإعلامية.

كما تقدم الشركة استشارات بشأن الإعفاءات التنظيمية، وإستراتيجيات التأشيرات، وسرديات الاستثمار الموجهة لبرامج مثل “البطاقة الذهبية” ومسرّع الاستثمار الأميركي.

وفي ظل التحضير لقمة القادة الأميركيين والأفارقة المرتقبة في نيويورك عام 2026، يقول أفريكا ريبورت إن غنستر ستراتيجيز تعمل بالفعل مع وفود أفريقية لصياغة رسائل إعلامية، وتأمين حضور إستراتيجي يتجاوز مجرد المشاركة الشكلية.

خريطة جديدة لدبلوماسية أفريقية

في عصر السياسة المعاملاتية، لم تعد أدوات الدولة التقليدية كافية. فالمطلوب اليوم هو خطاب اقتصادي محكم بفهم عميق للثقافة السياسية الأميركية. وفي هذا السياق، تبدو شركات مثل “غنستر ستراتيجيز” جزءا من معادلة النفوذ الجديدة التي ترسم ملامح العلاقة بين أفريقيا وواشنطن، حسب ما يقول أفريكا ريبورت.

شاركها.
Exit mobile version