طهران- بعد مرور أقل من أسبوع على زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى العراق وعقده مباحثات وصفت بأنها ناجحة مع كبار المسؤولين والسياسيين، وجدت الأوساط الإيرانية في إعلان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن قرب موعد جدولة انسحاب القوات الأميركية من بلاده “انتصارا لسياسة طهران”.

ورغم مضي 3 أعوام و9 أشهر على مصادقة البرلمان العراقي على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود القوات الأجنبية، فإن تصريح السوداني الأخير جاء متناسبا مع سياسة طهران التي تسعى إلى إخراج القوات الأميركية من المنطقة انتقاما لاغتيال القائد السابق لفيلق القدس بالحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي في غارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي مطلع 2020.

وقال السوداني، في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ، أمس الثلاثاء، إنه لم تعد هناك حاجة لوجود القوات الأميركية في بلاده لأنها نجحت إلى حد كبير في هزيمة تنظيم الدولة، وإنه يعتزم الإعلان عن جدول زمني لانسحابها في وقت قريب.

الإعلان العراقي عن قرب الانسحاب الأميركي تزامن مع زيارة بزشكيان (يسار) للبلاد (الفرنسية)

ثمرة المباحثات

من ناحيته، يشير الباحث السياسي مهدي عزيزي، إلى توصل بغداد وواشنطن الشهر الجاري إلى اتفاق حول انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق، وفق خطة يجري تنفيذها على مراحل خلال العامين المقبلين، لكنه يربط بين توقيت الإعلان وزيارة بزشكيان إلى العراق، مضیفا أن مباحثات الوفد الإيراني في العراق أسهمت في تقريب وجهات نظر المكونات السياسية العراقية حول الانسحاب الأميركي.

وفي حديث للجزيرة نت، يعتقد الباحث الإيراني أن انسحاب القوات الأميركية من العراق سوف يزيد من استقراره السياسي لأنه لم تعد هناك حاجة لتحرك فصائل المقاومة العراقية عسكريا ضد القواعد التي تؤوي عناصر أميركية.

ورأى أن مباحثات بزشكيان في العراق وتقديمه لوحة تضمّنت رسالة من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي إلى رئيس الوزراء العراقي تُرجِمَت في خفض ضغوط المكونات الشيعية على حكومة بغداد، والتقريب بين وجهات نظر الأوساط الكردية مع الحكومة المركزية، مما سرع الإعلان عن جدولة الانسحاب الأميركي من العراق.

ثقل إقليمي

وتابع عزيزي أن العراق انتصر على الجماعات الإرهابية بسواعد متطوعي الحشد الشعبي على الأرض وبسلاح وقيادة مستشاري الجمهورية الإسلامية، وليس القوات الأميركية التي كانت عبئا على العراق حتى خلال فترة محاربة ما تسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وبذلك فإنه لا حاجة للعراق لحضور القوات الأجنبية التي تنتهك سيادته، كما قال.

وخلص إلى أن الإعلان العراقي الرسمي عن قرب الانسحاب الأميركي مع حرص بغداد على موازنة علاقاتها مع العدوين اللدودين، طهران وواشنطن، وقيامها بأدوار سياسية ووساطات إقليمية، سوف يرفع من ثقل بغداد الإقليمي، وهذا ما ترحب به الجمهورية الإسلامية.

من جهته، يعتقد الباحث العسكري محمد مهدي يزدي، أنه كلما تعززت العلاقات بين دول المنطقة سوف تضيّق على الحضور الأميركي فيها، معتبرا القرار العراقي بجدولة الانسحاب الأميركي نتيجة طبيعية لزيارة بزشكيان الأخيرة إلى بغداد وتعزيز الشراكة بين البلدين الجارين.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى الباحث العسكري أن حضور قوات أجنبية على أراضي الدول المستقلة يضع علامة استفهام كبيرة أمام مفهوم سيادة تلك الدول، ويقلل من هيبة قواتها المسلحة، مضيفا أن العراق اتخذ خطوة جبارة في سبيل تعزيز أمنه القومي من خلال الاتفاق علی انسحاب القوات الأميركية ووضعه حدا لهدر أمواله الوطنية التي كانت تبذل من أجل استمرار بقاء تلك القوات العسكرية.

وتابع أن الأسباب التي ترغم سلطات الدول المستقلة على القبول باستقدام قوات عسكرية أجنبية إلى أراضيها لن تكون في صالح أمنها القومي، وبالتالي فإن انسحاب القوات الأميركية من العراق يؤكد أن هذا البلد استعاد عافيته، وأن قواته العسكرية قويت شوكتها، ولم تعد تقبل بالحضور الأجنبي على أراضيها واستمرار نقض استقلال البلاد.

أطراف مستفيدة

ويوازي يزدي بين حضور القوات الأميركية في المنطقة وزعزعة استقرار الدول المضيفة، مستشهدا بالحشد الأميركي من أجل الإطاحة بالنظام العراقي السابق عام 2003 وقبله غزو أفغانستان عام 2001، ناهيك عن أن التحشيد الأميركي في الشرق الأوسط منذ نحو عام رفع منسوب التوتر في الإقليم.

ومن وجهة نظر الباحث العسكري، فإن العراق وشعبه أول المستفيدين من الانسحاب الأميركي من بلاد الرافدين، في حين تحل الجمهورية الإسلامية بالمركز الثاني في سلم الأطراف المستفيدة من هذه الخطوة كدولة بذلت جهودا كبيرة من أجل طرد القوات الأميركية من المنطقة.

وتابع أن رحيل القوات الأميركية التي جاءت للعراق وفق معاهدات مع بغداد سوف يشجع أطرافا أخری للضغط على الأوساط الأممية والدولية لوضع حد للوجود الأميركي غير الشرعي على أراضيها، محذرا من إمكانية تقديم بعض الأطراف الإقليمية والغربية المتضررة جراء الانسحاب الأميركي الدعم إلى بقايا الجماعات الإرهابية لتوفير ذريعة تفرض بقاء القوات الأميركية في المنطقة.

وختم يزدي بالقول إن “رحيل كل عسكري أميركي من المنطقة سوف يرعب الكيان الإسرائيلي الذي يستأسد على المدنيين الفلسطينيين بمساعدة مباشرة من القوات الأميركية”، مؤكدا أن محور المقاومة لا سيما الفصائل العراقية سوف يستفيدون من الفراغ الذي يتركه الانسحاب الأميركي من العراق.

شاركها.
Exit mobile version