طهران- في تحد للبرد القارص والظروف الاقتصادية الصعبة، أحيت حشود إيرانية صباح اليوم الأحد الذكرى الـ45 لانتصار الثورة، ولكل منهم حكايته معها، بين من شارك في أحداثها وندم، وآخر عارضها في البداية، ثم وجد فيها عامل قوة في عالم لا يحترم إلا الأقوياء.

وأمام جامعة طهران وسط العاصمة، قالت المواطنة الإيرانية “ثرياء” (66 عاما) إنها شاركت في أحداث الثورة من خلال تنظيم مظاهرات مناوئة للنظام البهلوي أيام الدراسة في الجامعة، وأوضحت للجزيرة نت أنها “ما زالت على عهدها مع الثورة التي ضحت من أجلها بابنها البكر في الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)”.

وبينما كانت الحشود الجماهيرية تواصل سيرها باتجاه ساحة “الثورة الإسلامية”، يقترب “العم ساسان” (58 عاما) من مراسل الجزيرة نت، راغبا بنشر تجربته مع الثورة الإيرانية، ويقول إنه وأسرته لم يشاركوا سابقا في فعاليات ذكرى الثورة.

إيران تستعرض عددا من إنجازاتها العسكرية في الذكرى الـ45 لانتصار ثورتها (الجزيرة)

هموم متباينة

وأوضح العم ساسان أنه لأول مرة يشارك في “مسيرات بهمن” للتنديد بالغطرسة الغربية في دعمها للعدوان الإسرائيلي على غزة، مشددا على أنه أضحى يرى في “الثورة الإيرانية والجمهورية الإسلامية عامل قوة في عالم لا يحترم سوى الأقوياء”، على حد تعبيره.

وليس بعيدا عن ساحة الثورة الإسلامية حيث يواصل المحتفلون مسيراتهم نحو ساحة الحرية الواقعة غربي طهران، يبدو الرجل الستيني “كامران” (اسم مستعار) ممتعضا من هتافات “الموت لأميركا والموت لإسرائيل” بالرغم من أنه كان تجرع مرارة السجن في زنازين النظام البهلوي، بسبب مشاركته في توزيع بيانات قائد الثورة آية الله الخميني التي كان يرسلها من منفاه في باريس.

وفي حديثه للجزيرة نت، حرص كامران على القول إنه لم يأت إلى “شارع آزادي” المؤدي إلی ساحة الحرية للمشاركة في مسيرات بهمن، وإنما كان مضطرا للعبور منه للوصول إلى ساحة “التوحيد” لزيارة أقاربه، مؤكدا أنه ندم أشد الندم على مشاركته في ثورة 1979 “لأنها انحرفت عن أهدافها”، متهما بعض رموزها بخداع الشارع الإيراني عبر رسمهم صورة مثالية لمرحلة ما بعد الإطاحة بالنظام الملكي، حسب قوله.

عودة الإمام الخميني من باريس إلى طهران شكلت لحظة انتصار الثورة الإسلامية في إيران (الصحافة الإيرانية)

ميثاق الثورة

وجاءت مقولة كامران عن “انحراف الثورة الإيرانية عن أهدافها” تأكيدا لتصريحات معصومة ابتكار نائبة الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني التي اعترفت فيها -عشية الذكرى الـ45 للثورة الإيرانية- بانحراف الثورة عن أهدافها، مؤكدة في مقابلة مع صحيفة “آرمان ملي” أن الشعب الإيراني كان قد رحب بالثورة عن وعي تام بعد أن اطلع بشكل واضح على أهدافها.

وللاطلاع على الصورة التي رسمها زعماء الثورة الإيرانية عن ملامح مرحلة ما بعد الإطاحة بالنظام البهلوي، وعما إذا تراجعت الأوساط الإيرانية بالفعل عن مبادئ الثورة خلال العقود الماضية، توجهت الجزيرة نت بالسؤال إلى الناشط السياسي الإصلاحي عمدة طهران الأسبق مرتضى ألويري الذي رد بالإيجاب دون تردد.

وعزى ألويري سبب ترحيب الشرائح الإيرانية بالثورة إلى الصورة المثالية التي رسمها مؤسس الجمهورية الإسلامية الخميني من منفاه -في قرية نوفل لوشاتو جنوب غربي باريس- عن المرحلة التالية، مؤكدا أن بعض الجهات عملت خلال السنوات الماضية على تفريغ “ميثاق نوفل لوشاتو” من مضمونه.

فتيات إيرانيات يعبرن عن دعم غزة من خلال توشحهن الكوفية الفلسطينية (الجزيرة)

وأوضح ألويري أن الرأي العام الإيراني ثار على النظام الملكي السابق من أجل إقامة نظام سياسي مثالي عادل وديمقراطي يتطلع إلی التعامل البناء مع العالم، ويجتث الفساد، مؤكدا أن ميثاق الثورة الذي تم تدوينه في فرنسا خلال الأشهر التي سبقت هروب الشاه من إيران كان قادرا على تحويل بلاد فارس إلى “يابان الشرق الأوسط”، لكن وضعت الدولة على سكة لتكون نموذجا نظيرا “لكوريا الشمالية في الشرق الأوسط”، علی حد قوله.

ولخص الناشط السياسي الإيراني أبرز نقاط ما أسماه “ميثاق نوفل لوشاتو” للثورة الإيرانية بأنه إحقاق العدالة بين المواطنين من جميع التيارات الفكرية والسياسية، وعدم وجود لآليات فلترة الانتخابات بما فيها “الرقابة الاستصوابية”، وضمان حرية وسائل الإعلام، وتبني سياسة خارجية تخدم المصالح الوطنية، بينما يشكل الاقتصاد وتحسين الوضع المعيشي الهاجس الرئيس للسلطات.

ورأى ألويري أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أمست تعاني تحديات اقتصادية وبيئية وإدارية وتنظيمية جمة، بسبب مصادرة بعض التيارات السياسية ميثاق الثورة وأهدافها لمصالحها الفئوية، واصفا المصالحة الوطنية بأنها الخطوة الأولى لتحييد الأخطار المحدقة بالبلاد والعمل على إقامة الدولة التي رسم الخميني ملامحها من منفاه لمرحلة ما بعد الإطاحة بالشاه.

يشكل البرنامج النووي الإيراني واحدا من نجاحات الثورة الإسلامية لكنه أحد ملفات الأزمات السياسية مع الخارج (الأوروبية)

“إنجازات جبارة”

أما الدبلوماسي المحافظ، السفير الإيراني السابق في أستراليا والمكسيك، محمد حسن قديري أبيانه، فينفي تراجع بلاده عن مبادئ وأهداف الثورة، ويصف “الاتهامات الموجهة للجمهورية الإسلامية في ربيعها الـ45 بأنها مسيسة”، مضيفا أنها “حققت إنجازات جبارة في استعادة استقلال البلاد والحرية إلى جانب التطورات العظيمة التي تحققت على شتى الصعد العلمية والاقتصادية والعسكرية”.

وفي حديث للجزيرة نت، شدد أبيانه على أن طهران الثورة أبهرت العالم في صناعاتها العسكرية والعلمية، إذ احتلت المرتبة الأولى في التسارع العلمي، والسابعة في الصناعات الصاروخية والدفاعية، والخامسة في إنتاج أشعة الليزر عالية الطاقة، كما تربعت على المركز الرابع في علاج العقم والإخصاب المساعد، والثامنة في الصناعات الفضائية، ناهيك عن أنها أضحت أكبر مصدر للبنزين في الشرق الأوسط.

ولدى إشارته إلى أن أكثر من 98% من الشعب الإيراني صوت لصالح قيام الجمهورية الإسلامية وقيمها الدينية خلال الاستفتاء الذي أجري نهاية مارس/آذار 1979، اعتبر الاتهامات الموجهة لبلاده بشأن الحجاب والحرية أنها باطلة، وأن الحرية المطلقة التي يزعمها الغرب تتناقض وكرامة الإنسان، علی حد وصفه.

امرأة إيرانية تحرص على حضور المسيرة على كرسي متحرك (الجزيرة)

واستدرك أنه كان بالإمكان أن تكون الجمهورية الإسلامية أفضل مما هي عليه، لا سيما في الاقتصاد، عازيا السبب إلى “خطط الأعداء والعقوبات الغربية التي تستهدف الشعب الإيراني”، مؤكدا أن طهران لن تستسلم أمام الضغوط الخارجية، وستبذل ما بوسعها لإبطال مفعولها.

وعلى إثر الجدل الدائر حول وفاء الثورة الإيرانية بوعودها وعما إذا انحرفت عن مبادئها، يقول حسن الخميني، حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية، إن زعماء الثورة كانوا قد وعدوا الشعب الإيراني بتحقيق “الاستقلال والحرية والحكم الديني والتطور”، محذرا -لدى استقباله أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام- من أن “إضعاف أي من تلك المبادئ سيؤدي إلى تقويض جذور الثورة والنظام الإسلامي”.

شاركها.
Exit mobile version