نابلس- في مشهد بات يعيشه مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية بشكل متكرر منذ عدة أشهر، اقتحمت قوات خاصة إسرائيلية أعقبها توغل لجيش الاحتلال الإسرائيلي المخيم قرابة الثامنة من صباح اليوم السبت، مما أسفر عن استشهاد شابين ووقوع عدد من الإصابات، بينما أكدت مصادر من داخل المخيم فشل جيش الاحتلال باعتقال المطلوبين.

وبدت عملية الاقتحام، التي هدفت لاعتقال مطلوبين للاحتلال من داخل المخيم، محكمة ومعدا لها جيدا، وفق رواية شهود العيان الذين تحدثوا للجزيرة نت، لكنها فشلت، وأدى هذا الفشل عند جنود الاحتلال لإلحاق أكبر ضرر بالمخيم وبساكنيه، فقتلوا شابين وأصابوا عددا من المواطنين بينهم سيدة، بعد أن أطلقوا عليهم الرصاص المباشر.

ويقول جمال ريان -وهو شاهد عيان وناشط بتوثيق أحداث المخيم- إن جيش الاحتلال اقتحم المخيم بعد حوالي 10 دقائق من تسلسل القوات الخاصة، وذلك بعد أن اكتشف المقاومون أمر القوات الخاصة واشتبكوا معها، ومن ثم طوَّق الجنود المنزل المستهدف الذي يعود لعائلة أبو رزق بحارة الجماسين وسط المخيم.

 

 

إصابات لدى جيش الاحتلال

وفي الأثناء يضيف ريان للجزيرة نت، أن الاشتباكات العنيفة تصاعدت بعد أن اقتحم الجنود المدججون بالسلاح المخيم، مما أدى لتمكن المقاومين من الانسحاب، وردا على ذلك أطلق جيش الاحتلال النار تجاه المواطنين وبعض الشبان الذين تجمهروا في محيط المكان، مما أدى لاستشهاد الشابين سائد جهاد مشة (32 عاما) ووسيم الأعرج (19 عاما) وإصابة 6 مواطنين بالرصاص الحي، ببينهم سيدة خمسينية إصابة خطرة.

وكشف ريان ونقلا عن شهود عيان، أن اكتشاف المقاومين للقوات الخاصة ومن ثم اشتباكاهم مع جنود “أوقع إصابات مباشرة بين الجنود، وشوهد جيش الاحتلال وهو ينقل مصابيه”.

ولم يشكل المواطنون أو حتى الشهداء أي خطر على جنود الاحتلال وفق ريان، وقال “تم إعدامهم بدم بارد، ووثقت لحظة استشهادهم، فلم يكونوا مسلحين ولم يشكلوا أي خطر على الاحتلال”.

وعقب استشهاد الشابين، دهم جنود الاحتلال المنزل المستهدف وأمطروه بالقذائف الصاروخية (الأنيرجا) مما أسفر عن احتراقه بشكل كامل، ومنع جيش الاحتلال الأطقم الطبية والمسعفين من الوصول للمصابين وإنقاذهم، وأطلق عليهم قنابل الصوت.

شهيدا مخيم بلاطة سائد مشة (يمين) ووسيم الأعرج (مواقع التواصل)

فشل ذريع ومكرر

ويرجع مظفر ذوقان المسؤول في العمل الجماهيري بمخيم بلاطة، هذا الصلف الإسرائيلي والإيغال باستهداف المدنيين لما تكبده الاحتلال من “فشل ذريع” في العملية التي شنها جيش الاحتلال والتي استمرت أكثر من ساعة.

وشكل مخيم بلاطة في الآونة الأخيرة حدثا مهما في الضفة الغربية، لا سيما مع إعلان مجموعة من المقاومين فيه تشكيلهم لكتيبة المخيم أسوة بمخيمات ومواقع أخرى بالضفة الغربية، ومباشرة تلك الكتيبة بشن عمليات مختلفة ضد الاحتلال ومستوطنيه والاشتباك معهم.

ويقول ذوقان للجزيرة نت، إن هذه الكتيبة المكونة من كل فصائل المقاومة بالمخيم أوجعت الاحتلال الذي سعى “لبتر يدها” باقتحاماته المتكررة للمخيم، والذي فشل أكثر من مرة فيها بالوصول للمطلوبين، ويضيف “لا يريد الاحتلال إبقاء هؤلاء المطلوبين طليقي الأيدي، وأن نشاطه اليوم بالمخيم وبظل تزامن عدوانه على غزة يؤكد أن الضفة ليست بمعزل”.

جيش الاحتلال الإسرائيلي كثف عمليات الاقتحام وحملات الاعتقال في الضفة الغربية (الأناضول)

وفي أكثر من مرة أصيب مقاومون بمخيم بلاطة خلال اقتحامات لجيش الاحتلال وتصديهم له والاشتباك معه، وبالمقابل سُجِّل أكثر من مرة فشله باعتقالهم.

وهؤلاء المطلوبون أصبحوا يشكلون خطرا فعليا على الاحتلال الذي كثرت توغلاته للمخيم واعتقالاته فيه في الفترة الأخيرة، ولذا يقول ذوقان إن الاحتلال يريد إنهاء كل “ظاهرة مقاومة تعكر صفو أمنه”، خاصة أن المقاومين في مخيم بلاطة باتوا يهاجمون مواقع للجيش والمستوطنين ولا ينتظرون للتصدي له داخل المخيم فقط.

وفي 11 أبريل/نيسان ارتقى اثنان من أبرز المطلوبين في المخيم وهما سعود الطيطي ومحمد أبو ذراع اللذان احتجز الاحتلال جثمانيهما، وأصيب ثالث لكنه تمكن من الفرار في كمين نصبه جيش الاحتلال لهم قرب مستوطنة إيتمار الجاثمة على أراضي الفلسطينيين شرق نابلس، حيث اشتبك المقاومون مع جنود الاحتلال رغم محاصرتهم.

 

 

مخيم الشهداء ومفجر الثورة

ويوصف مخيم بلاطة الذي فقد أكثر من 400 شهيد منذ الانتفاضة الأولى عام 1987 وحتى اليوم (بينهم 10 شهداء منذ العام الماضي) بأنه بوصلة المقاومة الفلسطينية بالضفة الغربية ومفجر ثوراتها، وينسب له تفجير انتفاضة الحجارة عام 1987 بالضفة.

وإليه تنسب انتفاضة النفق عام 1996 في مدينة القدس، بعدما استهدف مقاوموه جنودا إسرائيليين ومستوطنين متحصنين في “قبر يوسف” بمنطقة بلاطة البلد قرب المخيم، وأشعل المخيم كذلك شرارة انتفاضة الأقصى عام 2000 بالضفة الغربية تزامنا مع انطلاقها بالمسجد الأقصى بالقدس، وكل ذلك جعله هدفا مباشرا لجيش الاحتلال الذي استهدفه بعملية السور الواقي واجتياحه عام 2002.

وحاول الاحتلال، وفق ذوقان، لفت أنظار المخيم ومناضليه عن العمل المقاوم عبر إثارته للنعرات والفتن والمشاكل وانتشار ظاهرة التسلح فيه بطرق مختلفة، فلم يكن يروق للاحتلال ظهور الصحوة المقاومة فيه، ورغم ذلك فقد فشل مع أول حدث مقاوم الذي تجلى “بالكتائب المقاومة” وهو ما دفع الاحتلال وأجهزته الأمنية إلى العمل على إنهاء الظاهرة.

ويراهن ذوقان على فشل الاحتلال الإسرائيلي بوقف حالة النضال داخل مخيم بلاطة والمخيمات بشكل عام، كون أن البيئة الموجود بالمخيم تعزز الشعور بالتحريض ضد هذا الاحتلال وأنه السبب في حالة النكبة التي يعيشها الفلسطينيون التي تتزامن ذكراها الـ75 هذه الأيام.

وكانت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أكدت “فشل” قوات الاحتلال باعتقال المطلوبين المستهدفين في عملية اليوم بمخيم بلاطة.

ومن المتوقع تشييع جثامين الشهداء عصر اليوم انطلاق من مشفى رفيديا الحكومي وصولا إلى مقبرة الشهداء بمخيم بلاطة شرق نابلس، في حين جابت شوارع المخيم مسيرات حاشدة نحو منازل الشهداء وموقع العملية وهتفت “من بلاطة سمعنا الصوت.. انتفاضة حتى الموت”.

شاركها.
Exit mobile version