عندما تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هاتفيا هذا الشهر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهي أول محادثة بينهما منذ أسابيع، وجد الزعيمان نفسيهما في ديناميكية غير عادية، حيث لم يتعاملا كشريكين بل على خلفية توترات بلديهما التاريخية.

هكذا استهلت صحيفة غارديان البريطانية تقريرا لها عن تدهور العلاقات بين إسرائيل وروسيا إلى أدنى مستوياتها منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.

وقالت الصحيفة إن من أدلة العلاقات الودية السابقة بين بوتين ونتنياهو هو أن الأخير استخدم اللوحات الإعلانية التي تظهره بجانب بوتين خلال الحملة الانتخابية في إسرائيل، لكن أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي وموقف روسيا المؤيد للفلسطينيين أديا إلى حدوث تباعد حاسم بينهما.

ونقل تقرير غارديان عن نيكولاي كوزانوف، الدبلوماسي الروسي السابق في طهران والأستاذ المشارك الآن في جامعة قطر، القول إن العلاقات بين البلدين في أدنى مستوياتها على الإطلاق منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.

روايات متباينة

وقالت الدكتورة فيرا ميشلين شابير، من جامعة كينغز كوليدج في لندن والمسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي المتخصصة في الشؤون الخارجية الروسية، إن الروايات المتباينة التي نشرتها إسرائيل وروسيا بعد المكالمة في العاشر من ديسمبر/كانون الأول أعطت نظرة على العلاقة المتوترة.

وقال نتنياهو في بيان إنه تحدث مع بوتين وأعرب عن استيائه من “المواقف المناهضة لإسرائيل” التي اتخذها مبعوثو موسكو في الأمم المتحدة، في حين أعرب عن “الرفض الشديد” لتعاون روسيا “الخطير” مع حليفتها إيران.

في الوقت نفسه، سلّط الكرملين الضوء على “الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة”، حيث قال بوتين إن الرد العسكري الإسرائيلي على هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يجب ألا يؤدي إلى “مثل هذه العواقب الوخيمة على السكان المدنيين”.

وقبل يوم واحد من محادثتهما، أيدت موسكو قرار الأمم المتحدة الذي يدعو لوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وقالت إن الولايات المتحدة “متواطئة في المذبحة الوحشية التي ارتكبتها إسرائيل”، في إشارة إلى استشهاد أكثر من 21 ألف شخص منذ بدء الحرب.

تحول أكبر

وعلقت غارديان بأن إنهاء الوفاق المعقد بين روسيا وإسرائيل سلط الضوء على التحول العالمي الأكبر الذي حدث، وقال كوزانوف إن موقف الكرملين من الشرق الأوسط هو نفسه منذ أن شن بوتين حربه في أوكرانيا، موضحا أن روسيا أدركت “بسرعة أن العلاقات مع الغرب تضررت منذ فترة طويلة”.

وأضاف كوزانوف أن موسكو، بعد بداية الحرب، بدأت تبحث عن طرق لتعزيز علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع الدول العربية بينما تقترب أيضا من إيران، التي كانت تقدم قذائف مدفعية وطائرات بدون طيار وصواريخ لروسيا.

وذكر التقرير أنه في رحلة نادرة استغرقت يوما واحدا وسلطت الضوء على علاقته الدافئة مع اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط، زار بوتين في وقت سابق من الشهر الجاري الإمارات والسعودية، حيث تلقى ترحيبا كبيرا رغم وضعه في الغرب كمطلوب للعدالة من قبل الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

ضجيج فارغ

وكتبت صحيفة “إزفستيا” المؤيدة للكرملين بعد الرحلة: “إن زيارة بوتين إلى الشرق الأوسط أكدت أن عزلة روسيا التي يتحدث عنها الغرب هي مجرد ضجيج فارغ”.

وقال كوزانوف إن الحرب بين إسرائيل وحماس وفرت لموسكو فرصة نادرة لمغازلة الجنوب العالمي الأوسع، الذي اتهم النظام الغربي القائم على القواعد بالنفاق فيما يتعلق بالشهداء الفلسطينيين.

وفي هذه العملية، كان الكرملين حريصا على المطالبة بالأرضية الأخلاقية العالية، رغم سجله المدمر من انتهاكات حقوق الإنسان خلال الحروب في الشيشان وسوريا، ومؤخرا في أوكرانيا.

وقال كوزانوف “إن روسيا بوتين براغماتية للغاية”، مضيفا أن موسكو شعرت أن الأحداث في غزة تجر الجنوب العالمي بعيدا عن الغرب ويمكن أن يجعل مواقفه أكثر تعاطفا مع موسكو.

توازن دقيق

وقالت غارديان إن روسيا وإسرائيل، سعتا على مدى عقدين من الزمن في عهد بوتين، إلى تحقيق توازن دقيق. وبينما وجد البلدان نفسيهما في كثير من الأحيان على طرفي نقيض من الطيف الجيوسياسي، سعت إسرائيل إلى التواصل مع روسيا في سوريا وكانت حريصة على عدم استعداء موسكو، نظرا لعلاقاتها مع إيران.

كما تودد بوتين إلى عدد كبير من السكان اليهود في موسكو ورأى في إسرائيل حليفا في الحفاظ على ذكرى الحرب العالمية الثانية حية، وهو الحدث التاريخي الضخم الذي سعى الزعيم الروسي إلى بناء رئاسته حوله.

وقالت ميشلين شابير إن كلا البلدين يحتاجان إلى بعضهما البعض، لكن الحرب الروسية على أوكرانيا التي جعلت بوتين منبوذا في معظم أنحاء الغرب، وضعت إسرائيل في مأزق.

اشتعال الخلاف

وفي ربيع عام 2022، امتدت هذه التوترات لأول مرة إلى الجمهور عندما اتهم المسؤولون الروس إسرائيل بدعم “نظام النازيين الجدد” في كييف، واشتعل الخلاف بعد أن أعاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، طرح نظرية مؤامرة معادية للسامية زعم فيها أن أدولف هتلر “لديه دماء يهودية”، وهي التعليقات التي وصفتها إسرائيل بأنها “مشينة وغير قابلة للتسامح”.

ومع وقوع هجوم حماس، سارع المسؤولون الروس ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة إلى اتخاذ موقف مؤيد للفلسطينيين، وهللوا للأخطاء العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية الفادحة، والتي تم تقديمها كدليل على الضعف الغربي.

وتختم الصحيفة بأن الحرب بين إسرائيل وحماس أثبتت بالفعل أنها انتصار لبوتين من خلال المساعدة في صرف انتباه الغرب عن الحرب في أوكرانيا، حيث تكافح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للمضي قدما في حزمتي مساعدات حاسمتين تعتبران حيويتين لبقاء كييف على المدى الطويل.

شاركها.
Exit mobile version