كابُل- يزدهر عمل الأفغاني عزيز الله خان، وهو صاحب محل لبيع العمائم، بعد سنين من الكساد. ويقول “خلال عقدين ماضيين تراجع سوق العمامة بصورة ملموسة، وكنت عندما أعرضها تبقى في المحل لمدة تصل إلى عام ولا يتم بيعها، حتى اضطررت إلى التوقف عن التجارة بها”.

بمجرد أن وصلت طالبان إلى السلطة انتعش سوق العمامة من جديد، حيث زادت نسبة بيع هذه القلنسوة أو غطاء الرأس الخاص بالرجال في أفغانستان بنسبة 50% مقارنة بالماضي وفقا لتجار الأقمشة والملابس، إضافة إلى زيادة بيع الحجاب الأفغاني أو ما يعرف محليا بـ”الشادور”، بعد عودة طالبان إلى السلطة صيف 2021.

يقول أصحاب المحال في العاصمة كابُل إن هناك إقبالا كبيرا على نوعين من العمامة، تحمل إحداهما اسم وزير الداخلية الأفغاني بالوكالة سراج الدين حقاني، والأخرى اسم وزير الدفاع الملا محمد يعقوب نجل مؤسس حركة طالبان الملا محمد عمر، ويتم تسويقهما تحت اسم عمامة “حقاني” وعمامة “مجاهد”.

ويتحدث التجار عن إقبال كبير على هذين النوعين بين عناصر طالبان وعامة الشعب، حيث أصبحت العمائم السوداء أكثر شيوعا مقارنة بالألوان الرمادية والبيضاء، حسب أصحاب المحال.

عمائم معروضة للبيع وعليها صور وزيري الدفاع والداخلية (الصحافة الأفغانية)

عودة العمامة

تعد العمامة جزءا أساسيا من زي زعماء القبائل والشيوخ، ويرتديها الشباب في المناسبات الخاصة من الأعياد وحفلات الزفاف والخطبة في جميع أنحاء أفغانستان، وتتميز كل ولاية أو منطقة بشكل العمامة ولونها.

والعمامة الأفغانية عبارة عن قطعة قماش عرضها متر واحد، ويصل طولها من 3 إلى 6 أمتار حسب طريقة ربطها أو لبسها، ويتم لفها بطريقة خاصة تختلف من منطقة إلى أخرى. وكل عرقية في البلاد لها عمامة خاصة تتميز بها عن غيرها من العرقيات.

يقول المؤرخ الأفغاني حبيب الله رفيع للجزيرة نت “إضافة إلى الصبغة الدينية للعمامة، يرجع تاريخها في الثقافة الأفغانية إلى أكثر من 5 قرون، وقد أشار إليها الشعراء الكلاسيكيون مثل خوشال ختك في قصائدهم، وكان يعتبر العمامة ضربا من الوجاهة، حيث يلبسها الزعماء والشيوخ”.

وتغيرت حياة سكان المدن الأفغانية في العديد من الجوانب، وأصبحت العمامة مرة أخرى من أكثر السلع مبيعا في السوق رغم تراجعها خلال العقدين الماضيين. ويحافظ الأفغان حتى الآن على عادة تقديم العمامة هدية للضيوف ووجهاء القبائل في مناسبات مختلفة.

وبعد انتشار البنطال والبدلة على حساب الملابس الأفغانية التقليدية، أثّر وصول طالبان إلى السلطة في شكل الملابس، وتمكنت العمامة من فرض نفسها من جديد.

انتعاش سوق العمامة و القلنسوة الأفغانية (الصحافة الأفغانية)

صنعت في الصين

يقول عبد البصير معصوم، وهو صاحب محل لبيع العمائم وسط العاصمة كابل، للجزيرة نت “بعض الشباب في كابل مهتمون أكثر بالعمامة، لكنهم لا يعرفون كيفية ربطها، وهؤلاء لم يفكروا بارتدائها قبل وصول طالبان للسلطة”.

ما يلفت النظر، أنه مع استخدام العمامة في أفغانستان منذ قرون، فإنها تستورد من باكستان والصين، ولا توجد مصانع إنتاج للعمائم في أفغانستان، وهناك شركات إنتاج صينية وباكستانية تنتج العمامة للسوق الأفغاني فقط لأن العمامة الأفغانية لا تستخدم خارج أفغانستان.

ويضيف معصوم الذي يعمل منذ 13 عاما في بيع العمامة “أستوردها من السند والبنجاب في باكستان، وهناك نوع خاص يصنع في الصين، نستورده فقط لعرضه في قندهار جنوبي أفغانستان، وأسعار العمامة تتراوح حسب النوعية والجودة”.

ويقول تاجر العمائم محمد جان للجزيرة نت “أقوم كل سنة مرتين على الأقل باستيراد العمامة من باكستان ولدي نحو 8 الآلاف عميل على مدار السنة، وعندي 15 نوعا من العمائم، وتتراوح أسعارها من 20 إلى 100 دولار”.

ووفقا لمحمد جان، فإن نوعا واحدا من العمائم التي ترتديها قبيلة “كتواز” في ولاية “بكتيكا” جنوب شرقي أفغانستان، يكلف نحو 200 دولار، وتتميز بلونها الأصفر وتُصنع من الحرير الخالص، ويلبسها زعماء القبيلة فقط.

العمامة في السياسة

تتميز كل عرقية في أفغانستان بملابسها الخاصة وتُعرف بها. وفي العقود الأخيرة وأثناء الحروب الأهلية دخلت القبعة الأفغانية أيضا أو ما تسمى محليا بـ “بَكُول” إلى ميدان السياسة، وأصبحت مع العمامة رمزا للساسة الأفغان، حيث اقترنت العمامة بقادة طالبان والقلنسوة التي تصنع من جلد الخروف بالرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي و”بكول” بالقائد الأفغاني السابق أحمد شاه.

يقول الكاتب الأفغاني عبدالجليل باركزاي للجزيرة نت “تمارس العمامة والقلنسوة القندهارية السياسة، وسوقها رائج لأن الناس على دين ملوكهم، وانتهى زمن “بكول” التي نافست العمامة لمدة عقدين ماضيين، وتغلبت العمامة عليها”.

شاركها.
Exit mobile version