الخرطوم- حسم الظهور العلني لقائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو “حميدتي” في أوغندا، الأربعاء الماضي، الجدل المتواصل حول وضعه الصحي بعد أن خلّف اختفاؤه عن الأنظار أشهرا طويلة تساؤلات صحبتها تحليلات تتحدث عن وفاته متأثرا بإصابة بالغة.

وبينما كانت التوقعات تتجه صوب اجتماع دعت له الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد”، الأربعاء، في جيبوتي بين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان و”حميدتي”، أعلنت وزارة الخارجية الجيبوتية عدم تمكّن الأخير من الوصول لمكان الاجتماع لأسباب فنية لم تشرحها، وقالت إن الترتيبات ستمضي لجمع الرجلين خلال يناير/كانون الثاني المقبل.

ولم يمضِ وقت طويل على تبريرات جيبوتي حتى ظهر قائد الدعم السريع برفقة الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، في أوغندا، وهي المحطة الخارجية الأولى التي يظهر فيها “حميدتي” علنا منذ بدء الحرب في منتصف أبريل/نيسان الماضي.

ويرجّح خبير في الشؤون الأمنية -تحدث للجزيرة نت مشترطا عدم ذكر اسمه- مغادرة “حميدتي” السودان برا عبر الطريق الغربي وصولا إلى دارفور ومنها للتشاد، حيث أُرسلت إليه طائرة إماراتية أقلته إلى أبو ظبي ومنها نقلته إلى أوغندا ثم أديس أبابا. ويؤكد أن الطائرة “إيه-6 آر جيه إف” (A6-RJF) “رويال جيت بوينغ 737-700” مسجّلة في دولة الإمارات.

 

 

اتهامات

يشار إلى أن الجنرال ياسر العطا نائب رئيس مجلس السيادة، اتهم بشكل مباشر كلا من الإمارات وأوغندا وتشاد بتقديم تسهيلات لوجستية وعسكرية لقوات الدعم السريع، وأوضح أن الدعم الإماراتي وصل عبر مطاري “أم جرس” في تشاد و”عنتيبي” في أوغندا.

ويقول مسؤولون في الخرطوم إن صور أقمار صناعية أثبتت بالدليل القاطع وصول المساعدات من الإمارات وتمريرها عبر هذه الدول للدعم السريع، وإنه جرى تسليم الوثائق لدولة تشاد التي نفت رسميا هذه الاتهامات وأكدت أنها غير صحيحة.

وعلى إثر ذلك توترت العلاقات الدبلوماسية بين الخرطوم وأبو ظبي ونجامينا، وتبادلوا طرد عدد كبير من الدبلوماسيين.

وتُعزز رحلات “حميدتي” للدول الثلاث -تشاد والإمارات وأوغندا- اتهامات الخرطوم لها بمساندة الدعم السريع التي تقول الحكومة السودانية إنها “تمردت على الدولة وشنت حربا ضارية في مواجهة الجيش الوطني”.

ويحاول “حميدتي” وفق مراقبين تقوية موقفه التفاوضي قبل لقاء البرهان باستمالة عدد من قادة “إيغاد” إلى جانبه وتقوية موقفه الميداني بالسيطرة على مزيد من المواقع، حيث يعمل على شرح أسباب الحرب بتأكيد أن “الجيش هو من بادر بالهجوم مسنودا بدعم عناصر النظام السابق، وأن الدعم السريع اضطرت للدفاع عن موقفها”.

وخلال تقلده منصب نائب رئيس مجلس السيادة قبل اندلاع الحرب، نجح “حميدتي” في نسج علاقات واسعة مع دول أفريقية عديدة بينها إثيوبيا وكينيا؛ إذ يتمتع بعلاقات متقدمة مع قادة هذين البلدين ولديه مع أشقائه مجموعة استثمارات بأديس أبابا، وهو ما يفسر لحد كبير استقباله على مستوى رسمي رفيع من القيادة الإثيوبية في محطته الثانية بعد أوغندا.

مباحثات

وقال إعلام الدعم السريع إن “حميدتي” -فور وصوله أديس أبابا- أجرى مباحثات رسمية مع نائب رئيس الوزراء الإثيوبي تناولت تطورات الأوضاع في السودان والجهود المبذولة لوقف الحرب واستعادة الأمن والاستقرار في البلاد.

وعبّر عن شكره وامتنانه للحكومة والشعب الإثيوبيين على تعاطفهم مع الشعب السوداني واستضافة الفارين من الحرب، وأكد أن أديس أبابا “ظلت دائما تقف إلى جانب الشعب السوداني بحكم الروابط التاريخية التي تجمعهما”، وفق قوله.

كما رحب نائب رئيس الوزراء الإثيوبي بقائد قوات الدعم السريع “في بلده الثاني إثيوبيا” وفق وصفه، مشيرا إلى تطلعهم إنهاء الحرب في السودان وعودة الاستقرار له.

وكان “حميدتي” أجرى -الأربعاء- محادثات مع الرئيس الأوغندي، وقال إنها ناقشت الوضع في السودان جراء الحرب المستمرة منذ أكثر من 8 أشهر، وقدم، في تصريح على منصة “إكس”، شرحا حول أسباب اندلاعها. وقال “إن مشعليها هم أنصار النظام السابق بمعاونة قياداتهم في القوات المسلحة والجهات التي تعرقل الحل وتدعم استمرار القتال”.

وأكد تمسكهم بمخرجات قمة رؤساء “إيغاد” التي انعقدت بجيبوتي في التاسع من ديسمبر/كانون الأول الجاري متعهدا بالمضي في تنفيذ الالتزام بالعمل على إنهاء الحرب.

وكانت القمة دعت إلى اجتماع عاجل بين البرهان و”حميدتي” لبحث وقف إطلاق نار شامل وتسهيل وصول المساعدات للمتضررين.

ويقول مستشار قائد الدعم السريع -في حديث للجزيرة نت- إن “حميدتي” كان في طريقه للمشاركة في اجتماع جيبوتي قبل أن تقرر الأخيرة تأجيله، نافيا بشدة تعمده الغياب عن اللقاء، مستدركا “نحن طلبنا أن يكون الاجتماع بحضور جميع رؤساء إيغاد والفاعلين الدوليين والمنظمات الدولية والإقليمية وليس مع رئيس جيبوتي فقط”.

“خطط جديدة”

وبدا أن قيادة الدعم السريع تتخذ خططا جديدة حول التفاوض مرتبطة بوقائع على الأرض، لذلك تغيرت ملامح تعاملها مع المبادرات واللقاء المزمع مع قائد الجيش؛ حيث تؤطر إستراتيجية التمدد على الأرض التي صارت تعتمدها قيادة الدعم لتأخر “حميدتي” في الوصول أو الالتزام باجتماع جيبوتي مع البرهان.

وتُبين القراءات وفق محللين، أن قيادة الدعم السريع لديها إحساس بتحقيق النصر بعد دخول ولاية الجزيرة وسط السودان حسب تقديراتها، وهو ما جعلها تفكر في التأني قليلا في عقد الاجتماع ومناقشة مسألة وقف إطلاق النار.

ويرى المحلل السياسي أحمد موسى، أن أهداف الظهور المفاجئ لحميدتي وزياراته لأوغندا وأديس أبابا إعلامية أكثر منها سياسية، “والسؤال المطروح هو هل ظهر مع قرب تحديد موعد لقائه بالبرهان أم تم تحديد المواعيد مع قرب ظهوره؟ وهو الأرجح”.

ويتهم موسى -في حديثه للجزيرة نت- منظمة “إيغاد” بأنها “ظهير سياسي لقوات الدعم السريع، وترتب برنامجها فيما يتعلق بالسودان على وضعية قيادات قوات الدعم وليس العكس”، حسب تعبيره. وتُعزز هذه الفرضية العلاقات المتينة التي تجمع “حميدتي” وقادة غالب الدول التي تمثل منظمة “إيغاد”.

كما يشير المتحدث إلى أن تغيير موعد اللقاء المرتقب مع البرهان يبقى مرتبطا بظروف “حميدتي” وفق بيان “إيغاد”، حيث لا تتضح ماهية الدواعي الفنية التي تحدث عنها البيان الصادر عن خارجية جيبوتي التي تستضيف هذه المنظمة.

وأضاف “لعدم الإفصاح، تبقى التكهنات والتحليلات هي سيدة الموقف وأبرزها قضايا إجرائية تتعلق بقدرة قوات الدعم السريع على الإيفاء بمطالب محددة متفق عليها كمدخل لتوقيع اتفاق بينها والقوات المسلحة، وهي قضايا تتصل بالدعم لا بالجيش لأنها هي التي طلبت الإمهال للترتيب”.

ووجهت وزارة الخارجية السودانية انتقادات صريحة لسكرتارية “إيغاد” في أعقاب قمة التاسع من ديسمبر/كانون الأول واتهمتها بتجاهل تحفظات جوهرية أبداها وفد الخرطوم، وعدم الإشارة في البيان الختامي لاشتراطات قائد الجيش بشأن لقاء “حميدتي” بضرورة خروج عناصر الدعم من الأعيان المدنية وتجميعها خارج العاصمة.

وقالت الخارجية إنها لن تعترف ببيان المنظمة وإنها “لا تعتبره قانونيا”.

وفي مؤشر لتوتر العلاقات بين الخرطوم ومنظمة “إيغاد”، انتقد نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار -في خطاب للشعب السوداني هذا الأسبوع- المنظمة، قائلا “إنها أُصيبت بمرض التصحر الذي يفترض أن تحاربه”.

شاركها.
Exit mobile version