القدس المحتلة- فتحت معركة “طوفان الأقصى” الصراع الإسرائيلي الداخلي في كل ما يتعلق بتملك الكيبوتسات واستيطان الأراضي في فلسطين التاريخية، وإمكانية نقل الأراضي من “ملكية الدولة” إلى ملكية الكيبوتسات (البلدات الزراعية التعاونية) أو ملكية الحركة الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة.

وعاد إلى الواجهة مجددا النقاش في إسرائيل فيما يتعلق بحقوق الملكية والتملك للأراضي التي أقيمت فوقها الكيبوتسات الإسرائيلية، خاصة في مناطق “غلاف غزة” والنقب الغربي، وذلك بعد نزوح عشرات آلاف الإسرائيليين عنها، ورفضهم العودة إليها في ظل الحرب على غزة، واستمرار القتال دون حسم المعركة.

واستغلت الحركات الاستيطانية الناشطة التابعة لتحالف “الصهيونية الدينية” حالة الطوارئ بتوسيع المشروع الاستيطاني بالضفة الغربية والقدس المحتلتين، وشرعت بالترويج للعودة للاستيطان في منطقة “غوش قطيف” في غزة، ودعت الحكومة الإسرائيلية إلى توطين نشطاء اليمين المتطرف والمستوطنين في “غلاف غزة”، بدلا من السكان الذين تم إجلاؤهم ويرفضون العودة في ظل الحرب.

وفي المقابل، تطالب “حركة الكيبوتسات” بنقل ملكية المناطق السكنية في 23 كيبوتس في غلاف غزة من “ملكية الدولة”، إلى ملكية أعضاء وسكان البلدات الزراعية التعاونية، وذلك حتى يتمكنوا من السيطرة على عملية إعادة الإعمار والتخطيط المستقبلي.

عشرات الكيبوتسات توجد في منطقة النقب الغربي (الجزيرة)

صراع الملكية

وتطالب “الكيبوتسات” بالحصول على ملكية الأراضي المخصصة للسكن، كما جرى عندما تم تحويل أصحاب الشقق في المدن من وضع المستأجرين إلى أصحاب الأرض، ومنحتهم فرصة تملك الأرض مقابل رسوم رسملة تدفع مرة واحدة لـ”سلطة أراضي إسرائيل”، بحسب ما أفاد تقرير لصحيفة “دى ماركر” الاقتصادية.

ووفق الصحيفة، فمنذ عام 2011، يتعين على الكيبوتسات والبلدات التعاونية دفع رسوم رسملة بنسبة 33% من قيمة الأرض، عند نقل ملكية الأراضي السكنية المستأجرة من “سلطة أراضي إسرائيل” إلى أصحاب العقارات في الكيبوتسات، أو الجمعية التعاونية في الكيبوتس.

ويقول السكرتير العام لحركة الكيبوتسات نير مئير، إن “السؤال الحقيقي هو من يملك المنزل في الكيبوتسات؟ موقفنا هو أن أعضاء الكيبوتسات طلبوا تملك الأرض، وهم ليسوا بحاجة إلى سلطة أراضٍ إسرائيل لتتحكم بهم، من خلال سيطرتها على النمو والتطور والتوسع العمراني والمشاريع الزراعية والتنموية”.

ونقلت الصحيفة عن مئير قوله إن “نقل ملكية الأرض إلى الكيبوتسات سيسمح لهم بالاستفادة من الزيادة الكاملة في قيمة الأرض، وتسويقها للسكان ورجال الأعمال، ومن جهة أخرى، فإن استمرار الترتيبات القائمة سيسمح للدولة بالتدخل في التنمية المستقبلية والعرض والطلب، وجني الأرباح من الزيادة في قيمة الأرض على حساب السكان”.

وقبالة هذا السجال ما بين الحركات الاستيطانية المختلفة، ترفض “سلطة أراضي إسرائيل” التنازل عن الملكية أو خصخصة أراضي المزيد من الكيبوتسات والبلدات التعاونية، وزعمت أنها منحت “حركة الكيبوتسات” في “غلاف غزة” والنقب الغربي حزمة من المزايا خلال الحرب.

الكيبوتسات في غلاف غزة والنقب الغربي تستأجر الأراضي من سلطة أراضي إسرائيل بدون أي مقابل
الكيبوتسات في غلاف غزة والنقب الغربي تستأجر الأراضي من سلطة أراضي إسرائيل دون أي مقابل (الجزيرة)

عواقب اقتصادية

تعتقد الصحفية المتخصصة في الأراضي والعقارات كيم ليجازيل، أن “سلطة أراضي إسرائيل” تخشى من تسجيل سابقة قد تمتد إلى مناطق أخرى في حال التنازل عن ملكية الأرض لصالح الكيبوتسات، “وهو ما سيضر بتنمية الأرض، وقد يكون لهذا الإجراء عواقب اقتصادية كبيرة على مختلف المؤسسة الإسرائيلية بمختلف أذرعها”.

وأوضحت الصحفية أن 90% من الأراضي في إسرائيل بملكية الصندوق القومي اليهودي (الصندوق الدائم لإسرائيل – كاكال)، حيث تدار هذه الأراضي من قبل سلطة الأراضي، إذ تسمح اتفاقيات الإيجار مع الكيبوتسات للدولة بالتحكم في تخصيص الأراضي السكنية، وإملاء وتيرة التطوير كجزء من تسويق الأراضي للتوسع، واسترجاع حصتها في حالة تغيير المستأجرين”.

وأشارت ليجازيل للجزيرة نت إلى أنه “في السنوات الماضية تم التوصل إلى نوع من التسوية بين التوجهات بشأن ملكية الأراضي السكنية القائمة عليها الكيبوتسات، من خلال الموافقة على طريقة الانتساب إلى الجمعية البديلة في الكيبوتس، وذلك لضمان عدم بيع أي من الأراضي إلى من هم ليسوا أعضاء في البلدة التعاونية”.

وأوضحت المتحدثة ذاتها أن “الجمعية البديلة حصلت على السيطرة على تخصيص الأراضي السكنية في الكيبوتسات، من خلال نقل إدارة عقد الإيجار إلى الوافدين الجدد من الدولة إلى إدارة الكيبوتس، الذي يستأجر الأرض من الدولة، ويخصصها للأعضاء والوافدين الجدد الذي يتم استيعابهم بحسب توصيات لجنة القبول الخاصة”.

تقول ليجازيل “إن النقاش حول ملكية الأراضي في كيبوتسات النقب الغربي، يحيي صراعا طويل الأمد بين القطاع الريفي وسلطة أراضي إسرائيل، والذي تكون عواقبه أكثر أهمية في مجالات الطلب في البلاد، فالأراضي في المناطق غير الحدودية باهظة الثمن، ونقل ملكية الأرض إلى الكيبوتسات بالنقب سيرفع الأسعار”.

الكيبوتس الواحد يمتد على مساحة عشرات آلاف الدونمات للزراعة والمشاريع التنموية (الجزيرة)

المستوطن البديل

من وجهة نظر الباحث بالشأن الإسرائيلي الدكتور صالح لطفي، فإن حركة الكيبوتسات المحسوبة على اليسار الصهيوني، تعيش منذ معركة “طوفان الأقصى” وضعا غير مسبوق، بسبب الهجوم المفاجئ على “غلاف غزة” الذي يضم 23 كيبوتسا لهذه الحركة الاستيطانية.

وعزا لطفي في حديثه للجزيرة نت مطلب حركة الكيبوتسات بتملك أراضي السكن في البلدات التعاونية وفي مستوطنات “غلاف غزة”، بغية ضمان عودة السكان في المستقبل إلى المنطقة، ولتفويت أي فرصة لجذب المستوطن البديل، عبر استبدالهم بتوطين نشطاء اليمين المتطرف والمستوطنين من تحالف الصهيونية الدينية.

وأشار الباحث إلى أن “هذا المطلب يؤكد أن عودة عشرات آلاف السكان من مستوطني الغلاف والكيبوتسات ليست بالمنظور القريب، وقد تستغرق وقتا طويلا بسبب تباين المواقف الإسرائيلية بشأن إعادة إعمار الغلاف، حيث لا يمكن حتى الآن جرد وإحصاء حجم الضرر والخسائر في المستوطنات”.

ولفت لطفي إلى أن “حركة الكيبوتسات التي هي عراب الاستيطان اليهودي بعد النكبة، تخشى في حال عدم تملكها الأراضي في غلاف غزة، والنقب الغربي، والجليل الأعلى، أن يؤدي ذلك إلى إضعافها وإلى تفككها، بسبب تداعيات القتال والتوتر الأمني على البلدات التعاونية والكيبوتسات التي تقع تحت سيطرتها”.

وأوضح الباحث أن “إسرائيل دخلت أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة بسبب الحرب، وقد تكون عاجزة عن دفع التعويضات عن الخسائر والأضرار، وتحديدا لسكان البلدات الحدودية وغلاف غزة، وهو ما سينعكس على مختلف مناحي الحياة، وخاصة لدى أعضاء الكيبوتسات الذين يقدر عددهم بمئات الآلاف”.

شاركها.
Exit mobile version