تناولت كبريات الصحف الفرنسية نتائج الانتخابات الأوروبية التي هزت رقعة الشطرنج السياسية في البلاد بقدر كبير من الاهتمام، وركزت خاصة على قرار الرئيس إيمانويل ماكرون حل الجمعية الوطنية والذهاب إلى انتخابات جديدة نهاية الشهر، ورأت فيه تعجيلا للفوضى ورهانا خطيرا ومغامرة قد تؤدي إلى التعايش مع حزب التجمع الوطني.

ورأت لوفيغارو أن ماكرون يخاطر بتسليم مقاليد السلطة غدا إلى الحزب الذي وعد بوقف تقدمه، واعتبرت ميديا بارت أن إستراتيجيته أصبحت الآن مهترئة، وأنه يعرض البلاد بأكملها لخطر كبير، في حين قالت ليبيراسيون إن خطوته قد تؤدي إلى التعايش مع حزب التجمع الوطني الذي يخشاه.

وأوضحت لوفيغارو أن الزلزال متوقع، ولكن الهزة الارتدادية لم يكن يتصورها أحد، إذ قرر ماكرون، ردا على هزيمة مؤلمة بدت له وكأنها إذلال، أن يغامر بكل شيء، قبل أسبوع من بطولة أوروبا لكرة القدم، وقبل شهر ونصف من دورة الألعاب الأولمبية في باريس، ليضيف إلى الأزمة السياسية التي فتحها الانتصار التاريخي للتجمع الوطني، أزمة مؤسسية بإعلانه ضد كل التوقعات حل الجمعية الوطنية (البرلمان).

سابقة أوروبية غير مطمئنة

وبهذا القرار رأى ميديا بارت أن رئيس الجمهورية يأمل أن يثبت نفسه مرة أخرى باعتباره الحصن الوحيد ضد اليمين المتطرف، وهو لا يزال يتخيل نفسه سيد اللعبة، ويواصل تحركاته في البوكر، مجازفا بجر الجميع نحو الهاوية، وخاصة بمهاجمة اليسار مرة أخرى.

وركز الموقع على أن رئيس الجمهورية يخاطر بتقديم الأغلبية المطلقة لليمين المتطرف ومعه مفاتيح السلطة، بإضعافه لأحزاب اليسار وحملته ضدها، منتقدة بشدة إستراتيجيته “أنا أو الفوضى” التي ينتهجها.

ويأمل ماكرون -حسب لفيغارو- أن الناخبين الذين يشعرون بالخوف بسبب جرأتهم وموجة الصدمة التي أحدثها خيارهم الجماعي الحالي، سوف يصححون صوتهم، كما يرى أنه من خلال تهويل القضية وتنظيم الحملات الانتخابية بنفسه، سيستعيد الوضع، وربما من خلال تحالفات جديدة، سيستعيد الأغلبية.

ولكن لا شيء يقول إن الأمور ستكون كما يأمل الرئيس، لأن السابقة الأوروبية ليست مطمئنة، ولأن تقدم التجمع الوطني ليس من قبيل الصدفة، بل يعكس الغضب الذي يأتي من بعيد، والذي يجتاح الآن جميع أنحاء أوروبا، يغذيه “قلق مزدوج من المخاطر التي تشكلها الهجرة غير المنضبطة والتهديد الذي يشكله الإسلام السياسي على مستقبل حضارتنا وعلى توازن مجتمعاتنا”، كما ترى لوفيغارو.

وتساءلت الصحيفة في خاتمة افتتاحيتها ماذا سيفعل إيمانويل ماكرون إذا اضطر إلى تسليم مفاتيح ماتينيون (رئاسة الوزراء) إلى جوردان بارديلا، النائب عن التجمع الوطني؟ وختمت بالقول “لن نلوم ماكرون لأنه أعطى صوتا للشعب، ولكن من الواضح أنه يراهن على مستقبله، ومستقبل فرنسا على رمية نرد”.

واستعرضت لوبوان نقاطا من كلمة الرئيس والأسباب التي دفعته إلى مفاجأة العالم السياسي بحل الجمعية الوطنية، وهي “صعود القوميين” وكذلك “الحمى والفوضى” التي سادت النقاش العام في البرلمان منذ عام 2022 -حسب قوله- والرغبة في “إعادة الصوت إلى الشعب صاحب السيادة” لأن “فرنسا تحتاج إلى أغلبية واضحة للعمل بهدوء ووئام”، راغبا في “كتابة التاريخ بدلا من المعاناة منه”.

وقد رأى محيط الرئيس -حسب المجلة- في هذه المبادرة غير المسبوقة عودة إلى “الحركة” وإلى الماكرونية الأصيلة، محيين “الجرأة والمجازفة والتفوق على الذات. نحن ذاهبون إلى هناك للفوز. إن رغبتنا، من خلال تنفيذ الحل، هي الحصول على أغلبية للعمل في خدمة الفرنسيين”.

الناس يتجمعون في ساحة الجمهورية في باريس عقب نتائج الانتخابات الأوروبية (رويترز)

صفعة كبيرة

من خلال استعجال العودة إلى صناديق الاقتراع، واتخاذ قرار بعدم تقديم مرشحين “ماكرونيين” ضد النواب المنتهية ولايتهم، كما أعلن وزير الخارجية وزعيم حزب النهضة ستيفان سيجورني، يسعى ماكرون إلى اتخاذ قرار يفاجئ خصومه ليشكلوا حشدا واسعا خلفه يتجاوز الجهاز السياسي، للهروب من وصول مارين لوبان وفريقها إلى السلطة في عام 2027.

وعلقت المجلة في خاتمتها بأنه من المستحيل استئناف فترة الـ5 سنوات وكأن شيئا لم يحدث، مشيرة إلى أن المعسكر الرئاسي مهترئ بعد 7 سنوات في السلطة، وأن رئيسة قائمته فاليري هاير انطلقت متأخرة في السباق وتعاني من قلة السمعة وغياب الرؤية والتوجيه.

ومن ناحيتها، سجلت ليبيراسيون أن فوز التجمع الوطني كان صفعة كبيرة على وجه المعسكر الرئاسي ومفاجأة للجميع، مشيرة إلى أن اختيار ماكرون الذي يبدو وكأنه “طفل غاضب على نحو مفاجئ”، أحدث صدمة غير مسؤولة هو الآخر.

وأوضحت الصحيفة أن اختراق حزب التجمع الوطني، والنتيجة المتواضعة لماكرون، وصعود الحزب الاشتراكي، أدت إلى زعزعة استقرار المشهد السياسي، خاصة أن الهوة بين الحزب اليميني المتطرف الذي حصل على 31.5% من الأصوات، ومعسكر الرئيس الذي حصل على 14.5% من الأصوات فقط، كانت غير مسبوقة.

وخلصت ليبيراسيون إلى أن مصطلح “الهزيمة” لا يزال دقيقا بعض الشيء لوصف النتيجة التي مني بها “الماكرونيون” يوم الأحد، ويبدو أن إعلان رئيس الدولة عن حل الجمعية الوطنية فتح الباب أمام حالة من الفوضى بعد أن أطلق الناخبون المتلهفون لمعاقبة من هم في السلطة غضبهم في صناديق الاقتراع، في وقت يرى فيه الرئيس أن قاعدته الانتخابية تتآكل وفريقه من المنتخبين يتضاءل، ونفوذه في بروكسل وسلطته في باريس تتلاشى.

المصدر : لوبوان + لوفيغارو + ليبراسيون + ميديابارت

شاركها.
Exit mobile version