اهتمت صحيفتا “واشنطن بوست” الأميركية و”غارديان” البريطانية بالوضع في مدينة الفاشر السودانية، عاصمة إقليم شمال دارفور التي تحاصرها قوات الدعم السريع، وهاجمتها خلال الأيام القليلة السابقة من 3 جهات، وقطعت الطريق البري الرئيسي الوحيد الذي يربطها ببقية مناطق السودان.

وقالت “واشنطن بوست” نقلا عن إحدى منظمات المجتمع المدني أمس الأحد إن عشرات الأشخاص قُتلوا في الاشتباكات بمدينة الفاشر، بداية هذا الأسبوع.

وأضافت أن هذه الحصيلة من القتلى أثارت مخاوف أكثر من 2.5 مليون مدني محاصرين هناك تطوقهم قوات الدعم السريع، وهي آخر مدينة خارج سيطرتها في دارفور.

أصعب الأيام

وفي رسالة إلى الصحيفة، كتب أحد أعضاء غرفة الاستجابة للطوارئ في الفاشر قائلا “كان هذا أصعب الأيام التي شهدناها على الإطلاق.. كان الهجوم من 3 اتجاهات، حيث اندلع القتال في المناطق المأهولة بالسكان، واستُخدمت فيه كل أنواع الأسلحة”.

وكشف أن ما لا يقل عن 38 مدنيا قُتلوا، وأُصيب 189 آخرون، ودُمرت العديد من المنازل، وناشدت المستشفى المواطنين للتبرع بالدم، مشيرة إلى أن أعداد الجرحى تفوق طاقتها الاستيعابية.

وتحدث عضو غرفة الاستجابة للطوارئ -للصحيفة شريطة عدم الكشف عن هويته- لأن قوات الدعم السريع شبه العسكرية استهدفت في السابق النشطاء المدنيين عندما استولت على الأراضي.

ووفقا لتقرير “واشنطن بوست”، فإنه لم يتضح بعد ما إذا كان القتال -الذي شهد غارات جوية، وصواريخ ومدافع رشاشة في داخل الأحياء السكنية- يُعد هجوما شاملا أم مقدمة لهجوم أكبر على المدينة.

نازحون بأحد مراكز الإيواء في مدينة الفاشر (الجزيرة)

حمام دم

ورجَّح التقرير أن تؤدي أي محاولة من قوات الدعم السريع للاستيلاء على الفاشر إلى حمام دم، مضيفا أن العديد من السكان يخشون أن تستهدفهم قوات الدعم السريع، بسبب انتمائهم العرقي إذا استولت على المدينة، لكنهم يقولون إنه لم يعد هناك مكان يهربون إليه وهم مصممون على الصمود.

ونقلت الصحيفة عن المدير الطبي لمستشفى الفاشر، عبده موسى حسن، أنه مشغول جدا بحيث لا يستطيع إعطاء حصيلة عن القتلى، لكنه قال إن المستشفى مكتظة بالفعل، وإن المرضى يتلقون العلاج وهم يفترشون الأرض، أو في خيمة، أو على الشرفات.

وذكرت أن الإمدادات الطبية انقطعت منذ أسبوعين بعد استيلاء قوات الدعم السريع على مدينة مليط الإستراتيجية الواقعة على بعد 60 كيلومترا شرق الفاشر. ويُعتبر هذا الطريق هو الوحيد تقريبا الذي يربط الفاشر ببقية مناطق السودان. ولم يصل إلى المدينة سوى القليل من المواد الغذائية منذ استيلاء قوات الدعم السريع على هذا الطريق، وارتفعت أسعار الوقود والمياه، بحسب السكان.

تفشي الموت واليأس

وقالت “غارديان” في تقرير لمراسلتها زينب محمد صالح من الفاشر إن الموت والمرض واليأس تتفشى مع اقتراب القتال في المدينة، وإن دارفور على شفا كارثة أخرى مع اشتداد القتال حول الفاشر، آخر مدينة في المنطقة لا تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

وأضافت أن مخيم أبو شوك للنازحين على الحافة الشمالية للفاشر يستقبل حوالي 7 أشخاص يوميا مصابين بجروح من الاشتباكات القريبة بين مقاتلين من قوات الدعم السريع شبه العسكرية والجماعات المتحالفة مع الجيش السوداني.

وقال ضابط في قوات الدعم السريع المتمركزة في مدينة أم درمان بالقرب من الخرطوم العاصمة لواشنطن بوست إن العديد من مقاتليه تم استدعاؤهم إلى الفاشر، كما استُدعيت مليشيات قبلية متحالفة مع الدعم السريع للمشاركة في القتال.

هل تنوي قوات الدعم السريع السيطرة على الفاشر؟

كانت في سلام هش

وأوردت “غارديان” أن الفاشر، التي ظلت تخضع للحصار طوال الأشهر السبعة الماضية، كانت محمية بسلام هش، ولكن منذ أبريل/نيسان الماضي، ارتفعت أعمال العنف في ضواحيها بعد أن تعهدت أقوى جماعتين مسلحتين ساعدتا في الحفاظ على السلام بالقتال إلى جانب الجيش.

ونقلت المراسلة عن هارون آدم هارون، الطبيب الوحيد الذي يعمل في مخيم أبو شوك قوله “أنا حزين جدا، لأن الناس يموتون لأسباب يمكن الوقاية منها ولا يمكننا فعل أي شيء من أجلهم، هناك نقص شديد في الأدوية والتمويل. الناس هنا فقدوا كل وسائل الدخل والعالم لا يساعد”.

كما نقلت عن خبراء قولهم إن البلاد معرضة لخطر الانهيار. ووفقا للأمم المتحدة، فإن السودان “يعاني من أزمة إنسانية ذات أبعاد أسطورية”، وفق وصفها، مع تهديد المجاعة وتشريد أكثر من 8.7 ملايين شخص، أكثر من أي مكان آخر في العالم.

مخاوف من حدوث فظائع

وذكر تقرير “غارديان” أن الفاشر تُعتبر مركزا إنسانيا لدارفور، وتستضيف عددا كبيرا من النازحين داخليا، منهم مئات الآلاف من النازحين، بسبب العنف العرقي في دارفور على مدى السنوات الـ20 الماضية. وهناك مخاوف خطيرة بشأن التأثير على المدنيين إذا قررت قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها شن غزو واسع النطاق، ليس فقط بشأن القتال نفسه ولكن أيضا بشأن احتمال وقوع فظائع إذا سيطرت قوات الدعم السريع.

وكانت قوات الدعم السريع والمليشيات العربية المتحالفة معها قد استهدفت جماعة المساليت العرقية في جميع أنحاء دارفور، بما في ذلك في مدينة الجنينة، حيث تعتقد الأمم المتحدة أن ما يصل إلى 15 ألف شخص قتلوا العام الماضي في مجزرتين.

وناشدت منظمات إغاثة دولية وحكومات غربية قوات الدعم السريع عدم مهاجمة الفاشر، وفي الوقت الحالي على الأقل يبدو أن هذه الدعوات قد تمت الاستجابة لها، على الرغم من أن قوات الدعم السريع لم تقل أي شيء علنا بشأن هذه المسألة. ومع ذلك، من الممكن أن يأتي هجوم من قبيلة محمد المتحالفة مع قوات الدعم السريع، والتي تسيطر على جزء كبير من شمال دارفور، في حالة انفلات سيطرة قيادة قوات الدعم السريع على القبيلة.

وقال توبي هاروارد نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان بما أن المدينة هي موطن لمجتمعات عربية وأفريقية، فإن معركة شاملة من أجل السيطرة من شأنها أن تسبب إراقة دماء مدنية واسعة النطاق، وتؤدي إلى هجمات انتقامية في جميع أنحاء دارفور وخارجها، مضيفا “يجب عمل كل شيء لمنع تكرار التاريخ في دارفور”.

شاركها.
Exit mobile version