شكّل الأمن هاجسا لزعماء الحركة الصهيونية حتى قبل قيام دولة إسرائيل، فقد سارعوا إلى إنشاء شركة هاشميرا (Hashmira) عام 1937 لتكون أول شركة أمنية خاصة في العالم.

ولم تفطن دول العالم إلى مثل هذا الأمر إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، لينتشر بعدها هذا النوع من الخدمات على مستوى العالم ويبلغ أوجه في تسعينيات القرن الماضي، ثم توسع بشكل كبير مع بروز صراعات وحروب كثيرة على مستوى العالم.

وتحقق سياسة الاعتماد على الشركات الأمنية الخاصة مكاسب كبيرة للدول -وفق دراسة نشرها مركز الزيتونة للدراسات ومقره بيروت- من بينها تخفيض النفقات عن كاهل وزارات الدفاع، وتخفيض الخسائر البشرية في القوات المسلحة من خلال الاعتماد على تجنيد المرتزقة من مختلف مناطق العالم.

يضاف لذلك تجنب الإحراج الدبلوماسي ومناقشات القانون الدولي الناجمة عن التدخلات العسكرية من خلال التستر وراء شركات الأمن الخاصة، إضافة إلى جذب التأييد الداخلي بالظهور بمظهر النزعة السلمية وعدم الانخراط المباشر، بقدر ما، في النزاعات الدولية المسلحة.

ترويج النموذج الأمني الإسرائيلي

شكّلت الحاجة الماسة للأمن في دولة الاحتلال رافعة قوية لانتشار الشركات الأمنية الخاصة، التي تعددت مسؤولياتها للدرجة التي أصبحت فيها تقوم بتنفيذ مهام أمنية عوضا عن الجيش والشرطة الإسرائيلية.

فعلى سبيل المثال، قدمت شركة “مير سكيورتي” الإسرائيلية الخاصة في عام 1999 مشروعها الأكبر للحكومة، تحت عنوان “إنشاء نموذج المدينة الآمنة”، ونصبت نحو ألف كاميرا للرصد والمراقبة في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، ليصبح النموذج أيقونة دولية.

وفي كل مناسبة تسعى إسرائيل للترويج لنموذجها الأمني عبر المؤتمرات التي تعقدها بصورة دورية، ولا تشكل هذه الشركات رافدا عسكريا ومعلوماتيا واستخباراتيا فحسب لإسرائيل، بل إنها تشكل أحد روافد الاقتصاد الإسرائيلي؛ فهي تصدر برامج أمنية بأكثر من 5 مليارات دولار سنويا.

ووفق تقرير تحت عنوان “شركات الأمن الخاصة والاحتلال الإسرائيلي”، نشره “مركز أبحاث من يربح” فإن عدد شركات الأمن الخاصة التي تديرها جهات رسمية وشبه رسمية إسرائيلية تجاوز 300 شركة داخل إسرائيل وخارجها موزعة على نحو 70 دولة.

وفي تقرير سابق لها، قدرت وزارة الخارجية الفرنسية قيمة عائدات شركات الأمن الخاصة على مستوى العالم بحوالي 400 مليار دولار، علما أن معدل دخل هذه الشركات الأمنية الدولية، التي تسهم إسرائيل في معظمها، ارتفع من حوالي 55 مليار دولار سنة 1990 إلى 202 مليار سنة 2010.

الشركات الأمنية تساعد الجيش في تأمين حواجزه العسكرية (أسوشيتد برس)

مهمات وأدوار

يمكن تلخيص الدور الذي تقوم به شركات الأمن الخاصة بالمهام التالية:

  • تنفيذ العمليات القتالية.
  • حماية القواعد العسكرية وإدارة السجون.
  • تقديم اللوجستيات العسكرية.
  • إدارة القواعد والعقود العسكرية.
  • التدريب العسكري وإصلاح الهياكل الأمنية.
  • جمع المعلومات العسكرية وتحليلها وإدارة الأزمات وتقديم الاستشارات.
  • تقديم خدمات الحماية المسلحة وغير المسلحة، وعمليات الاستطلاع.
  • السيطرة على المظاهرات وأعمال الشغب.
  • جمع المعلومات الأمنية وتحليلها.
  • تنفيذ عمليات مقاومة “الإرهاب”.
  • تنفيذ عمليات مقاومة القرصنة.
  • تنفيذ عمليات مقاومة الخطف والرهائن.
  • القيام بالتحقيقات مع المشبوهين.
  • إدارة الحروب الإلكترونية.

الحرب على غزة

وفي ظل الخلافات والأزمات التي عصفت بجيش الاحتلال خلال عدوانه المتواصل على قطاع غزة، برزت دور هذه الشركات الأمنية في هذه الحرب، وباتت تشكل مخزن إسناد للجيش على شتى الأصعدة، وأهم هذه المهام:

مع تواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عملت الشركات الأمنية الإسرائيلية على تجنيد المرتزقة من حول العالم للقتال إلى جانب الجيش الإسرائيلي.

وكشفت صحيفة إلموندو الفرنسية، في تقرير لها، أن إسرائيل قامت بتجنيد مرتزقة من دول مختلفة حول العالم من خلال عقود مع شركات عسكرية خاصة للمشاركة في القتال في غزة.

وتتضمن هذه الإستراتيجية استخدام هؤلاء المرتزقة المتخصصين في عمليات الكر والفر وحرب العصابات على الأرض، بينما يلجأ جنود الاحتلال الإسرائيلي إلى دباباتهم، والهدف هو تقليل الخسائر البشرية خلال المعركة.

ووفق تقرير للإذاعة الإسرائيلية الرسمية “كان” فقد تم تجنيد عشرات الآلاف من المهاجرين الروس للمشاركة في الحرب على غزة.

كما تحدثت صحيفة “غلوبس” الإسرائيلية بأن المرتزقة الذين قاتلوا في أوكرانيا ضد الجيش الروسي “حزموا أمتعتهم وتحركوا للقتال إلى جانب الجيش الإسرائيلي في غزة”.

  • تنفيذ العمليات الخاصة

ووفق تقرير نشره “مركز أبحاث من يربح” فإن هذه الشركات تقوم بمهام تتعلق بالتدريب، ونقل الأسلحة، وجمع المعلومات، والاختطاف، والتعذيب.

وسبق أن تحدثت صحف إسرائيلية عن أن جزءا كبيرا من النجاحات التي تنسب لجهاز الاستخبارات الخارجي الإسرائيلي (الموساد) في العقدين الأخيرين من اغتيالات وعمليات تفجير وغيرها كانت بالتعاون مع هذه الشركات.

  • تأمين المنشآت

وتابع تقرير صحيفة إلموندو بأن وزارة الدفاع الإسرائيلية تقوم بتكليف الشركات العسكرية الخاصة بمهام تأمين محطات الطاقة والمطارات والمعابر الحدودية مثل تلك الموجودة بين إيلات والعقبة.

وقالت إن جميع هذه الشركات يرأسها أو يملكها جنرالات عسكريون مرتبطون بشكل كبير بالجيش الإسرائيلي -وفقا للصحيفة- التي قالت إن “الأمور لا تسير كالمعتاد بالنسبة لهذه الشركات بعد أن أصبحت إسرائيل في خضم حرب لم يسبق لها مثيل”.

  • خدمات استشارية ولوجستية

تقوم هذه الشركات بالتدخل وتقديم المشورة في عمليات إعادة التنظيم والهيكلة لقوات الجيش العاملة على الأرض.

كما تقوم بتنفيذ مهام لوجستية تتعلق بتقديم الخدمات اللازمة في أرض المعركة، فعلى هامش البدء في إنشاء الولايات المتحدة رصيفا بحريا قبالة سواحل غزة، ذكرت شبكة “إن بي سي” الأميركية أن إسرائيل تدرس التعاقد مع شركات أمنية دولية يبدأ دورها لحظة وصول المساعدات إلى يابسة غزة، فتعمل على تأمينها من مرحلة النقل إلى نقاط التوزيع، وحتى عملية التوزيع نفسها.

  • مهمات في الضفة

بحسب تقرير صادر عن هيئة الخصوصية الدولية -وهي مجموعة رقابية تهتم بالمراقبة الحكومية- فإن عشرات الشركات الأمنية تقدم خدماتها للحكومة الإسرائيلية، وتشكل أعلى نسبة شركات مراقبة إلى عدد السكان في العالم.

وتقوم الشركات الأمنية الخاصة خلال الحرب على غزة بمهام تأمين وحماية الشخصيات، والإشراف على أمن المعابر والمستوطنات والمنشآت الحساسة، وتوفير المعلومات الاستخبارية، وضبط ومراقبة السجون، وغيرها.

كما تقوم بالإشراف على نقاط التفتيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى أجهزة الرقابة الإلكترونية المزود بها جدار الفصل العنصري، وقد بدأت الحكومة الإسرائيلية بخصخصة نقاط التفتيش الأمنية منذ سنة 2005.

كومبو الشركات الاسرائيلية
تقوم الشركات الأمنية الخاصة بالإشراف على نقاط التفتيش في الأراضي الفلسطينية المحتلة

أبرز هذه الشركات

وهي شركة قوى بشرية يمتلكها إلياهو وحاجيت أورغاد من شركة أي أورغاد هولدينغز، وتوفر خدمات أمن، ووقعت الشركة عقودا مع وزارة الدفاع الإسرائيلية لتشغيل المعابر الحدودية.

وتوفر الشركة حاليا حراسا ومفتشين لعدد من الحواجز في الضفة الغربية، من بينها حاجزا ترقوميا وميتار في محافظة الخليل، ومعبر إلياهو جنوب قلقيلية.

  • موديعين إزراحي:

وهي شركة أمن وقوى بشرية خاصة يمتلكها يخيل داهان من خلال شركة مارغالين هولدينغز، وموردخاي داهان من خلال شركة رافيد إيه آر هولدينغز.

توظف الشركة الجنود المقاتلين السابقين المؤهلين لحمل سلاح في مهمات الحراس الأمنيين. وتوجد لها فروع في مستوطنة أرييل ومستوطنات القدس الشرقية وتقدم خدمات أمنية لمختلف الوزارات والهيئات والشخصيات الإسرائيلية.

وهذه الشركة مسؤولة عن حراسة يائير نتنياهو، نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتخضع من ناحية مهنية لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، وتخضع لوحدة “مغين” المسؤولة عن الحراسة في ديوان رئيس الحكومة.

  • شركة جي فور إس فرع إسرائيل:

توفر الشركة خدمات أمنية على الحواجز الإسرائيلية، كما زوّدت الحكومة بأنظمة رادارات تلفزيونية مغلقة لمشروع “المدينة الآمنة” الإسرائيلية، والذي تم تنفيذه في العشرات من مستوطنات الضفة الغربية، وقامت بتوفير معدات لمقرات الشرطة الإسرائيلية الموجودة بالقرب من تلك المستوطنات.

وتشرف هذه الشركة على تأمين عدد من السجون الإسرائيلية بأنظمة دفاع على الجدران وأنظمة التحكم والمراقبة في غرف الأسرى، وتزود الشركة مراكز اعتقال وتحقيق بمدينة القدس بأنظمة أمنية.

توظف الشركة أكثر من 8 آلاف من رجال الأمن، وتعتبر من كبرى شركات الأمن في إسرائيل، وسوف تكون المتعاقد المشغل لمركز التدريب الجديد للشرطة الإسرائيلية.

ودار حديث في الإعلام عن إمكانية بيع الشركة الأم لفرعها الإسرائيلي بسبب ضغوط من حركة المقاطعة لإسرائيل.

  • شركة تي أند إم للأمن والحماية:

تتكون من عدة شركات: شركة “ساعر سيكيوريتي”، و”كفير سيكيوريتي”، و”غوشين سيكيوريتي” و”بي بروتيكت”، وهي شركة متخصصة في أنظمة تكنولوجية متقدمة وتنتج كاميرات مراقبة.

وقعت الشركة عقدا مع وزارة الأمن الداخلي لتوفير خدمات أمنية في مجمع البلدة القديمة بالقدس الشرقية، وكذلك لمشروع قطار القدس الخفيف.

وتشترط في المرشحين المتقدمين للعمل لديها أن يكون جنديا سابقا من وحدات قتالية في الجيش الإسرائيلي.

  • شركة موكيد ماتارا:

وهي شركة أمن لديها ترخيص توظيف للعمل في الضفة الغربية بصفتها موردا لوزارة الدفاع الإسرائيلية، وهي مسؤولة عن تأمين مواقع حساسة في مناطق الضفة وتسيير مواكب مرافقة أمنية بعربات مدرعة.

وتقدم خدمات أمنية وحماية روتينية لمستوطنة أورانيت، كما تقدم خدمات أمنية لمؤسسات تعليمية عديدة في أرجاء إسرائيل والضفة الغربية.

  • شركة أفيدار سيكيورتي

وهي شركة أمن خاصة تورد وتركب وتقدم صيانة لمختلف أجهزة المراقبة والأجهزة الأمنية. ويمتلك الشركة “إلياهو أفيدار”.

وتقدم أفيدار خدمات أمنية لموظفين في وزارة الخدمات الاجتماعية الإسرائيلية أثناء تأدية عملهم على طول الخط الأخضر وفي مستوطنات الضفة الغربية.

وتوفر خدمات أمنية بشكل خاص لمستوطنات في منطقة غوش عتصيون، التي تضم 19 مستوطنة، كما تقدم خدمات أمن لمستوطنتي معاليه أدوميم وأرييل.

  • شركة بين سيكيورتي:

وهي شركة أمن خاصة تورد وتركب وتقدم صيانة لمختلف أجهزة المراقبة والأجهزة الأمنية. ويمتلكها “رونيت فينكلستين”.

وتقدم الشركة خدمات حراسة وأمن للمجلس المحلي في مستوطنة ألفيه مناشيه، وخدمات حراسة مسلحة للمؤسسات التعليمية في مستوطنتي جيلو وهار حوما في ضواحي القدس الشرقية. كما تقدم خدمات أمنية في منشآت مختلفة للمجلس الإقليمي لمستوطنات وادي الأردن.

  • شركة ريشف سيكيورتي:

وهي شركة أمن خاصة تشغل 8 فروع في إسرائيل أحدها في الجولان، وتمتلك الشركة وتدير 6 مخازن أسلحة.

وتقدم الشركة أنظمة حماية إلكترونية لقواعد عسكرية تابعة للجيش الإسرائيلي، لم يتم تحديدها، في مشروع قيد التعاون بين إسرائيل ووزارة الدفاع الأميركية.

ويقول الدكتور وليد عبد الحي في دراسته عن الشركات الأمنية الخاصة التي نشرها مركز الزيتونة للدراسات إن شركات الأمن الخاصة وخصوصا المرتبطة عضويا بـ”إسرائيل”، وجدت فرصة في هذه المنطقة لاستثمار هذه الأوضاع لصالحها، لا سيما أنها منطقة تتوفر فيها دول على قدر كافٍ من القدرة المالية للدفع لهذه الشركات، مستغلة الخلافات الداخلية لتبدأ بالتجنيد والنقل للعناصر والسلاح ومن ثم تعميق الاضطراب العام.

شاركها.
Exit mobile version