نابلس- منذ اللحظة الأولى التي خرج فيها من سجون الاحتلال الإسرائيلي مبعدا قسرا نحو قطاع غزة، لم يسقط طارق عز الدين من أجندته العودة إلى بلدة عرابة شمال الضفة الغربية، كما كان أمله بالحرية عقب الحكم بالسجن المؤبد، حين صدح قائلا للقاضي الإسرائيلي “سأنال حريتي وأخرج رغما عنك، وبصفقة مشرفة”.

لكن القدر لم يمهل عز الدين لتحقيق حلم العودة، حيث استشهد أمس وطفلاه؛ علي وميار، وأصيبت زوجته ونجله محمد في غارة إسرائيلية على منزله بحي الرمال بغزة.

والشهيد طارق إبراهيم عز الدين (50 عاما) كان قياديا عسكريا في حركة الجهاد الإسلامي، وهو أحد الأسرى المحررين الذين أبعدتهم إسرائيل إلى القطاع ضمن صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011، وهو المبعد الثاني الذي يغتاله الاحتلال في غزة بعد مازن فقهاء القيادي بحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

طارق عز الدين ولد عام 1974 بين 12 من إخوته في بلدة عرَّابة بالضفة الغربية التي شهدت مجلس عزائه (الجزيرة)

الإبعاد والحرمان

على الدوام ظل حلم طارق بالعودة لعرَّابة قائما، فكان المسؤول عن التواصل مع الضفة الغربية ونقل الأموال لدعم المقاومة، لكن باغتياله أضحت “العودة مستحيلة”، كما يقول شقيقه جعفر عز الدين بينما كان يستقبل المعزين باستشهاده في بلدة عرَّابة.

يقول جعفر عز الدين للجزيرة نت: “كان شقيقي يرى عودته قريبة بإزالة الاحتلال وإنهاء وجوده على أيدي المقاومة، وعبر قبلة يطبعها على جبين والدته التي توفيت قبل عامين، وأشقائه الذين لم يروه منذ 21 عاما”.

لمرة واحدة وحيث أبعد إلى غزة، حظيت والدة طارق و3 من أشقائه وشقيقاته برؤيته هناك بعد الإفراج عنه، ليعاقبهم الاحتلال بعد ذلك ويمنعهم جميعا من السفر للقائه، وهو عقاب آخر أضافه لأشقائه فوق اعتقالهم.

يضيف جعفر الذي اعتقل 9 مرات لدى الاحتلال “كنت أقرب الناس إلى طارق في حياته ومسيرته الجهادية، ولكني منذ 21 عاما لم أره ولم أحتضنه أسيرا أو مبعدا أو شهيدا”.

وولد طارق عز الدين عام 1974 بين 12 من إخوته (7 ذكور و5 إناث) في بلدة عرَّابة وبها نشأ وترعرع، ولم يكمل تعليمه الجامعي رغم نجاحه بالثانوية العامة، حيث انخرط بالمقاومة قبل اعتقاله عام 2002، وداخل السجن وهناك تعلم اللغة العبرية ودرس العلوم السياسية في الجامعة العبرية، ثم أكمل تعليمه الجامعي ونال شهادة البكالوريوس بعد نقله إلى غزة.

وقبل اعتقاله كان طارق قد تزوج وأنجب ابنيه محمد وجميلة، ثم لحقت به زوجته إلى غزة وهناك أنجب 3 أطفال آخرين، استشهد اثنان منهم معه أمس.

وتوفي والد طارق عام 1998، بينما توفيت والدته قبل عامين عن 80 عاما، ومارس الاحتلال على عائلته عقابا جماعيا فحرمهم من السفر، واعتقل جميع أشقائه الذكور ولفترات متفاوتة، فضلا عن اقتحامات ومداهمات للمنزل لا تنتهي.

الوداع الأخير

من شدة حبه لبلدته عرابة وشوقه لها، حرص طارق -وفق شقيقه جعفر- على الاتصال باستمرار عبر الصوت والصورة لمعرفة آخر أخبارها، وقد زوَّج ابنته الكبرى جميلة فيها، “وكان يخطط لإعادة زوجته وأبنائه إليها، وتزويجهم فيها”.

وبالاتصال ومعرفة الأخبار كان يُصِّبر نفسه على البعد، إضافة للقائه برفاقه من الأسرى المبعدين إلى غزة.

ولم ينس رفاق دربه في المقاومة والأسر، لاسيما عند استشهاد ابن بلدته الشيخ خضر عدنان بعد 86 يوما من الإضراب عن الطعام داخل سجون الاحتلال، وقال طارق وقتها “كلما ارتقى قائد أو شهيد سيخرج 100، المسيرة مستمرة ولن تتوقف”.

وعن آخر اتصال بعائلته، يقول جعفر إنهم تلقوا اتصالا في ساعات مساء أول أمس الاثنين، وأخبرهم فيه بعد أن اطمأن عليهم وعلى أحوالهم بنيته للسفر، ثم ودعهم وكأنه لن يعود.

ومن أمام منزل عائلة الشهيد عز الدين في عرابة خرجت مسيرات حاشدة عقب اغتياله، وجابت شوارع البلدة، ورفعت صوره وألصقت فوق الجدران، وأمَّ المواطنون بيت العزاء الذي أقامه ذووه.

صورة الشهيد مازن فقهاء مع زوجته وطفلته سما - الجزيرة نت7
زوجة الشهيد مازن فقهاء: كانت الصورة هي حلقة الوصل والشوق بين مازن وبلدته طوباس (الجزيرة)

التواصل عبر الصور

عن الحلم بالعودة لبلده ولحظات اللقاء الأخير والوداع، عاشتها أيضا ناهدة عصيدة (أم محمد) زوجة الشهيد والأسير المبعد إلى غزة مازن فقهاء، والذي اغتاله عملاء الاحتلال في غزة عام 2017.

وعرف مازن بحبه وتعلقه الكبير لمدينته طوباس، وكان يجري اتصاله بأهله الذي حرم زيارتهم كل يوم جمعة، ليطمئن عليهم ويعرف آخر أخبارهم وأخبارها، وفي يوم الجمعة الأخيرة والذي شهد يوم اغتياله كان كعادته قد طلب من عائلته صورا جديدة للمدينة، ولكنهم تأخروا بإرسالها، فاستشهد ولم يرها.

وكانت الصورة -كما تقول زوجته أم محمد للجزيرة نت- هي حلقة الوصل والشوق بين مازن وطوباس، فيطلب باستمرار تصوير المناطق التي يحبها وكان يرتادها، وتذكره بطفولته، وكان ديدنه الحديث عنها لأطفاله.

وتضيف أن مازن كان يعد نفسه ضيفا على غزة رغم بعض الاستقرار، “فلم يملك بيتا بها، وحرص على تغذية طفليه محمد وسما بحب طوباس، وأنا أفعل مثله وأحثهم على العودة، ولدينا شجرة عائلة مازن التي أحرص على تعريفهم بها، وأحرص على التواصل بعائلته في كل المناسبات”.

وفي طوباس ولد مازن عام 1979 وحفظ القرآن الكريم في مساجدها وهو ابن 11 عاما، وتعلم بمدارسها الابتدائية والثانوية، وأنهى دراسته في إدارة الأعمال من جامعة النجاح بمدينة نابلس، واعتقل 2002 بعد سنة ونصف السنة من المطاردة وقضى 10 سنوات بسجون الاحتلال.

العودة حتمية

بدوره، يصف الأسير المبعد إلى غزة سعيد بشارات شعور الاغتيال للمبعدين يصفه بـ”الصعب”، مضيفا أنه عايشه من جديد باستشهاد طارق عز الدين الذي كان معه بسجن جلبوع الإسرائيلي، ومن قبله مازن فقهاء.

ويقول بشارات للجزيرة نت إنهم ينظمون لقاءات دورية عبر “منتديات خاصة” للمبعدين في غزة، إضافة للتزاور بالأفراح والأتراح وبكل المناسبات ووفق تقاليدهم المعتادة.

ووردا على سؤال ما إذا كان الاغتيال يحقق أهداف الاحتلال بالتخلص من رجال المقاومة وإنهاء حلم عودة المبعدين، يقول بشارات إن الاحتلال لم يحقق أي هدف، فالمبعد يُرسِّخ حقه بالعودة عبر أطفاله وأهله.

شاركها.
Exit mobile version