مراسلو الجزيرة نت
القاهرةـ في إطار الحراك المتسارع الذي تشهده العلاقات بين مصر وتركيا، وصل وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى العاصمة المصرية القاهرة في زيارة رسمية، التقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي وعددا من المسؤولين المصريين، في خطوة تعكس استمرار مسار التقارب السياسي والاقتصادي بين البلدين.
والتقي السيسي الوزير التركي بحضور وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين في الخارج بدر عبد العاطي، مؤكدا التزامه بمواصلة دفع العلاقات الثنائية نحو مستويات أوسع من التعاون والتكامل.
وأوضح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية السفير محمد الشناوي أن اللقاء شهد تأكيدا متبادلا على تعزيز التعاون الاقتصادي والعمل على رفع حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار، وذلك وفق ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة السيسي إلى أنقرة في سبتمبر/أيلول 2024.
كما تناولت المباحثات عددا من الملفات الإقليمية، في مقدمتها تطورات الأوضاع في قطاع غزة، بالإضافة إلى الوضع في ليبيا وسوريا والسودان، مع التشديد على أهمية التوصل إلى وقف إطلاق النار وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة.
علاقات دبلوماسية
وعلى هامش الزيارة، عقد وزير الخارجية المصري جلسة مباحثات ثنائية مع نظيره التركي بمدينة العلمين، أعقبتها جلسة موسعة ضمت وفدي البلدين لبحث آفاق التعاون المشترك.
وأكد الجانبان على رمزية العام الجاري الذي يصادف مرور 100 عام على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وتركيا، مشددين على عمق الروابط التاريخية والحضارية بين الشعبين.
كما عبر الوزير المصري عن تطلع القاهرة لزيادة الاستثمارات التركية المباشرة، وتحقيق الهدف المعلن برفع حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار، مقدرا دعم أنقرة لترشيح الدكتور خالد العناني لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو.
توقيت الزيارة
وفي قراءة لهذه الزيارة، اعتبر الدكتور كرم سعيد، الباحث المتخصص في الشأن التركي، أن توقيتها يحمل دلالات بارزة، إذ تتزامن مع مرور قرن على العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وأنقرة، إلى جانب ما تشهده المنطقة من تطورات حساسة.
وأوضح سعيد في تصريح خاص لـ”الجزيرة نت” أن الزيارة تأتي على خلفية قرار الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- بالمضي في مشروع احتلال كامل لقطاع غزة، بدعم أميركي وغربي غير مسبوق.
وأشار سعيد إلى أن أحد أبرز محاور الزيارة تمثل في تنسيق الموقفين المصري والتركي حيال عمليات الإبادة التي يتعرض لها القطاع، والسعي لتشكيل ضغط مشترك على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الدعم المطلق لإسرائيل، وحثها على التدخل لوقف المجازر.
كما لفت الباحث إلى أن الملف الليبي كان حاضرا بقوة، حيث بحث الجانبان سبل تعزيز التفاهمات بشأن تسوية الأزمة السياسية، مع التشديد على الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية وإشراك الأطراف المحلية الشرعية في بناء نظام سياسي يضمن استقرار البلاد.
علاقات اقتصادية
وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية، أشار سعيد إلى أن التبادل التجاري بين البلدين يقترب حاليا من 8.8 مليارات دولار، مع وجود إرادة سياسية لرفعه إلى 15 مليار دولار خلال الفترة المقبلة، لافتا إلى أن الاستثمارات التركية في مصر بلغت نحو 3.5 مليارات دولار.
وبين أن تركيا تدرك أهمية القاهرة كنقطة انطلاق إستراتيجية للوصول إلى الأسواق الأفريقية، في حين ترى مصر في أنقرة شريكا إقليميا مؤثرا يمكن التنسيق معه لتحقيق مصالح مشتركة على المستويين الثنائي والإقليمي.
وأكد الباحث أن المباحثات شملت أيضا ملفات أمنية، حيث شدد الجانب التركي على أهمية استمرار التعاون الأمني، بما في ذلك بحث تسليم المطلوبين قضائيا إلى القاهرة، مما يعكس رغبة متبادلة في تجاوز القضايا العالقة.
رؤية مشتركة
من جانبه، أكد الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن اللقاء بين السيسي ووزير الخارجية التركي يعكس ثقلا سياسيا وإقليميا كبيرا للبلدين، خاصة في ظل التطورات المتسارعة في المنطقة، وعلى رأسها موافقة الكنيست الإسرائيلي على خطة احتلال غزة، وما قد يترتب عليها من تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية واستقرار الإقليم.
وأوضح بدر الدين في تصريح للجزيرة نت أن المباحثات جرت على مستويين رئيسيين: الأول يتعلق بتعزيز العلاقات الثنائية في إطار مجلس التعاون الإستراتيجي المصري التركي، مع التركيز على دعم الشراكة الاقتصادية وزيادة الاستثمارات المشتركة.
أما المستوى الثاني فشمل الملفات الإقليمية، وعلى رأسها الوضع في غزة، حيث أكد الجانبان رفضهما القاطع لاحتلال القطاع، والدعوى إلى وقف فوري لإطلاق النار، وضمان دخول المساعدات الإنسانية بلا عوائق، والإفراج عن الأسرى، ورفض أي خطط للتهجير القسري للفلسطينيين باعتبارها جريمة حرب وانتهاكا للقانون الدولي.
ولفت إلى أن المباحثات تطرقت أيضا إلى الأوضاع في ليبيا وسوريا والسودان، حيث أعاد الرئيس المصري التأكيد على موقف بلاده الداعي إلى الحفاظ على وحدة أراضي الدول واستقلال مؤسساتها الوطنية، وهو الموقف الذي لقي دعما وتفهما من الجانب التركي.