|

دير الزور- بعد تدمير جميع الجسور التي تربط ضفتي نهر الفرات في محافظة دير الزور خلال سنوات الثورة السورية، أصبحت العبارات النهرية الوسيلة الوحيدة لنقل المدنيين والبضائع بين الضفتين، إلا أن هذه العبارات تُصنع محليا وبطرق بدائية تفتقر إلى أدنى معايير السلامة، مما يجعلها تشكّل خطرا على حياة المدنيين، إضافة إلى أنها تمثل عبئا اقتصاديا على كاهل السكان.

وتعرّضت جسور دير الزور إلى قصف ممنهج من قبل النظام السوري، والتحالف الدولي، والقوات الروسية منذ بدء الثورة السورية، بهدف قطع طرق الإمدادات وفصل المدن عن بعضها. وتضم المحافظة 6 جسور رئيسية على نهر الفرات دمرت بشكل كامل وكان أبرزها الجسر المعلق، الذي يُعتبر رمزا للمدينة، بالإضافة إلى جسور أخرى على نهر الخابور وأخرى داخل محافظة دير الزور.

وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح الصحفي عبد المعين الدندل أن استهداف الجسور أدى إلى شلل شبه كامل في حركة التنقل بين ضفتي النهر، مما أجبر السكان على اللجوء إلى العبارات النهرية، وأضاف أن القوات الروسية ارتكبت مجازر على هذه المعابر أواخر عام 2017 خلال هجومها على تنظيم الدولة.

أجور نقل السيارات التجارية تصل إلى 300 ألف وأحيانا إلى نصف مليون ليرة سورية (الجزيرة)

خيار اضطراري

تُستخدم العبارات النهرية اليوم كوسيلة أساسية لنقل المدنيين بعد تدمير الجسور، من خلال انتشار 11 معبرا نهريا من مدينة البوكمال وصولا إلى أطراف مدينة الرقة، لكنها تمثل تحديات يومية لسكان المنطقة.

وفي هذا السياق، يقول عبد الرزاق الهزاع، أحد مواطني دير الزور، للجزيرة نت إنه اضطر لعبور النهر من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” إلى مناطق الحكومة الانتقالية السورية لتسجيل ابنته في المرحلة الإعدادية، لكنه واجه صعوبات عدة، أبرزها ارتفاع أجور العبارات، فضلا عن المخاطر التي تلاحق العابرين.

كما تقول تسنيم الجاسم، وهي طالبة في المرحلة الثانوية، للجزيرة نت إنها تضطر إلى الانتظار لفترات طويلة لاستخدام العبارات المخصصة للطلاب، لأنها مجانية، في حين أن الأجور المرتفعة تجعل من الصعب عليها استخدام العبارات الخاصة.

أما مروان عشاوي، وهو أحد أبناء دير الزور، فيؤكد للجزيرة نت أن العبارات النهرية تشكل عبئا إضافيا على الموظفين والطلاب والمرضى الذين لا يستطيعون دفع تكاليف العبور يوميا، ويضيف أن الأهالي بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل الجسور لربط الأرياف بالمدينة وتخفيف الأعباء عنهم.

في حين يواجه كبار السن صعوبات إضافية عند استخدام العبارات حسب ما أفاد تركي النعيمي، أحد سكان دير الزور، للجزيرة نت، حيث يضطر لعبور النهر يوميا بين منزله المدمر في حي الشيخ ياسين ومناطق سيطرة “قسد” في قرية الجنينة، رغم معاناته مع التنقل. ويضيف أنه نجا من الغرق عدة مرات بفضل مساعدة المدنيين مطالبا بتشييد الجسور لسهولة العبور والتنقل بين المناطق.

أما التجار، فيواجهون صعوبات أخرى تتعلق بتكاليف النقل وتأخير وصول بضائعهم، ويقول تاجر الخضار أحمد الحمود للجزيرة نت إن عبور النهر بشحنات الخضار قد يستغرق يومًا كاملا، إضافة إلى الانتظار لساعات طويلة ودفع رسوم تصل إلى 300 ألف ليرة سورية، مما يؤدي إلى رفع أسعار السلع في الأسواق.

بعض المعابر تم إغلاقها بشكل تعسفي حتى يتم دفع مبالغ مالية لإعادة تشغيلها (الجزيرة)

مشغلو العبارات

أنشأت العبارات النهرية على معابر النهر الـ11 التي تربط ضفتي النهر، لاسيما معبري مدينة دير الزور وجسر السياسية، وبالطرف الآخر بلدة حطلة ومعبر مدينة المياذين الذي تقابله بلدة الحوايج، ومعبر مدينة العشارة الذي تقابله بلدة درنج، وأخرى متوزعة على كامل المحافظة بشرقها وغربها.

يوضح حسن الجيجان، وهو صاحب إحدى العبارات بين حطلة ومدينة دير الزور، للجزيرة نت أن “هناك نوعين من العبارات: بعضها تديره الحكومة الانتقالية بأجور رمزية، وأخرى خاصة بأسعار مخفضة”.

ويضيف أن الحمولات الزائدة والعبارات الصغيرة تعرقل العمل، إضافة إلى ارتفاع تكاليف التشغيل بسبب المشتقات النفطية وقطع الغيار، كما يشير إلى أن ارتفاع أو انخفاض منسوب النهر يؤدي أحيانًا إلى غرق بعض السيارات أثناء العبور.

كما يضيف عامر السلمان (اسم مستعار)، وهو مشغل آخر للعبارات، للجزيرة نت أن الأسعار تتفاوت بين المعابر، حيث تتراوح أجور نقل الدراجات النارية بين ألفين و5 آلاف ليرة سورية، في حين تصل أجور نقل السيارات الصغيرة إلى 75 ألف ليرة، والسيارات التجارية إلى 300 ألف ليرة، وأحيانًا تصل إلى نصف مليون ليرة.

كما أشار إلى إغلاق بعض المعابر بشكل تعسفي من قبل عناصر “قسد” حتى يتم دفع مبالغ مالية لإعادة تشغيلها.

جميع الجسور التي تربط طرفي دير الزور مدمرة (الجزيرة)

الحلول الممكنة

في ظل استمرار تعطل الجسور وغياب الحلول المستدامة تحاول محافظة دير الزور إيجاد الحلول الإسعافية حيث يقول مدير الخدمات الفنية في محافظة دير الزور المهندس عبد العزيز عبد العزيز، للجزيرة نت إن العبارات النهرية لا توفر وسيلة نقل آمنة، خصوصا في فصل الشتاء بسبب العوامل الجوية.

ويضيف أن دراسة أُجريت لإعادة تأهيل بعض الجسور، لكن العقوبات المفروضة على سوريا وقلة الإمكانيات حالت دون تنفيذها.

وكحل مؤقت، تعمل الخدمات الفنية على صيانة الجسر الحربي، الذي بنته القوات الإيرانية سابقا لربط مناطق نفوذها بريف دير الزور الشرقي، لكن أجزاء منه تعرضت للتخريب من جهة قوات سوريا الديمقراطية. ومن المتوقع أن يعود إلى العمل خلال الأيام القادمة.

شاركها.
Exit mobile version