باريس- بعد اغتيال الصحفي مصطفى ثريا وبينما يلقي مراسل الجزيرة وائل الدحدوح نظرته الأخيرة على جثمان نجله حمزة، لا يزال الصحفيون في قطاع غزة في مرمى نيران قوات الاحتلال الإسرائيلي.

وأعربت رئيسة الاتحاد الدولي للصحفيين دومينيك برادالي عن حزنها الشديد وقدمت تعازيها لأهالي الشهيدين ولكل العاملين في شبكة الجزيرة.

واستنكرت برادالي في مقابلة خاصة للجزيرة نت ما أسمته بـ”الاستهداف المتعمد” للصحفيين داخل القطاع المحاصر، مشيدة بشجاعتهم غير المسبوقة لنقل المعلومات الحقيقية التي توثق جرائم الاحتلال.

كما أدانت رئيسة الاتحاد الدولي، ومقره بروكسل، الدول المتواطئة مع الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، معتبرة أنها مشاركة في آلة القتل التي تودي بحياة الشعب الفلسطيني والصحفيين.

وإلى نص الحوار

  • استشهد الصحفيان حمزة الدحدوح ومصطفى ثريا اليوم بقصف إسرائيلي.. ما موقف الاتحاد الدولي للصحفيين؟

لقد شعرنا بصدمة شديدة عند وصلنا نبأ وفاة زميلينا هذا الصباح شمال رفح جنوبي قطاع غزة حيث تم استهدافهم، حالهم كحال جزء كبير من زملائنا الصحفيين الذي لقوا حتفهم في القطاع منذ أكثر من 3 أشهر.

ومن الواضح أن القوات الإسرائيلية لا تقصف لتقتل أكبر عدد ممكن من المدنيين فحسب، بل أنها تشن حربا معلنة ضد الصحفيين. وتعتبر وسائل الإعلام التي لها أكبر عدد من الصحفيين في الميدان الأكثر استهدافا.

وشبكة الجزيرة على وجه الخصوص مستهدفة بشكل كبير من قبل الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، ورأينا ذلك جليا من قبل عند اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة في جنين على سبيل المثال. وبالتالي فإن الصحفيين اليوم يمثلون أهداف حرب، وصحفيو الجزيرة مستهدفون بشكل خاص.

  • هل تصفون هذا الاستهداف بـ”المتعمد”؟

بكل تأكيد ولا يمكننا تجاهل ذلك. فمع كل التقارير والشهادات الموثقة التي نحصل عليها بفضل شجاعة العاملين معنا في نقابة الصحفيين الفلسطينيين، لا نستطيع القول إن هؤلاء الصحفيين قُتلوا بالصدفة لأنه لا يوجد شيء اسمه الصدفة، بل تم استهداف الأغلبية العظمى منهم بشكل متعمد.

وفي الموقع الإلكتروني للاتحاد الدولي للصحفيين، خصصنا ركنا منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي نضع فيه اسم كل صحفي وتاريخ ومكان وظروف وفاته. ونقوم بتحديث المعلومات بشكل يومي وللأسف عدة مرات في اليوم.

ونحن متيقنون أن الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل تريد قتل أكبر عدد ممكن من الصحفيين والمدنيين على حد سواء.

  • من الواضح أن إسرائيل لا تكترث بتصريحات الإدانة.. فهل ستتم تحركات وضغوط فعلية لوقف استهداف الصحفيين في قطاع غزة؟

نعم، لدينا 3 أنواع من التحركات، أولها يتمثل في الضغط السياسي والإعلامي، والثاني في الضغط على حلفاء حكومة نتنياهو المتطرفة الذين يزودونها بالقنابل والذخائر والمساعدات بكافة أنواعها.

وورقة الضغط الثالثة هي طلب العدالة أمام المحكمة الجنائية الدولية. فعلى سبيل المثال، كنا إلى جانب عائلة أبو عاقلة وصحفيين فلسطينيين آخرين منذ سبتمبر/أيلول 2022 في الاستئناف الذي قُدم أمام المحكمة.

ومن جانبنا، ندعو قناة الجزيرة إلى التوثيق المشترك لأكبر عدد ممكن من حالات اغتيال الصحفيين للسماح لنا بتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.

  • ناقشتم من قبل احتمالية تقديم شكوى للجنائية الدولية حول جرائم الاحتلال بحق الصحفيين، أين وصل هذا الملف؟

يؤسفني القول إنني لا أملك جوابا وافرا حول ذلك. لكننا سنقدم تقييما حول الملف مع محامينا كريستوف ماراشان عندما يكون ذلك متاحا في الأيام المقبلة.

في المقابل، أؤكد قبول الشكاوى الأولى التي تحدثت عنها سابقا لدى المحكمة ويتم التحقيق فيها حاليا.

دومينيك برادالي: استهداف فريق الجزيرة كان فضيحة وكارثة وصادما

  • هل تحمّلون المسؤولية للدول التي تستخدم حق النقض (الفيتو)؟

نعم، نحمّل المسؤولية لكل الحكومات وشركائها، سواء بشكل مباشر وفعلي أو بالامتناع والصمت، لأنهم متواطئون في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين.

هذه الجهات متواطئة في قتل العاملين في مجال الرعاية الصحية والمجال الإنساني وموظفي الأمم المتحدة، وبالطبع الصحفيين.

  • هل بإمكانكم اليوم تقديم أي مساعدة فعلية للصحفيين في غزة؟

على الرغم من أننا غير قادرين على الذهاب إلى قطاع غزة فإننا نقدم 3 أنواع من المساعدات بفضل أصدقائنا في الاتحاد الفلسطيني.

وقد وعدنا الفرع التابع لنا في العراق بتخصيص مبلغ 250 ألف دولار لنقل الصحفيين وعائلاتهم خارج القطاع دون تحديد إلى أين بالضبط، فضلا عن تحركات دبلوماسية أخرى لا يمكن الحديث عنها الآن لأنها معقدة بعض الشيء.

بالإضافة إلى ذلك، نستمر في الإدانة وتنظيم المسيرات لدعوة حكوماتنا في كل بقاع العالم لوضع حد لهذه الحرب الفظيعة.

  • إلى أي مدى انكشفت الحقيقة حول استهتار وعدم احترام إسرائيل لحرية التعبير وحقوق الإنسان والصحفي في القيام بعمله في الميدان؟

سأتحدث من فرنسا، كوني فرنسية، للإشارة إلى أننا لا يمكننا العودة إلى غزة. وكانت صحفية شبكة “بي بي سي” الوحيدة التي تمكنت من القيام بذلك وخرجت بسرعة كبيرة جدا آنذاك.

ولهذا، يجب على العالم أجمع أن يشكر الصحفيين الفلسطينيين على شجاعتهم في نقل المعلومات الموثوقة من أرض الميدان، سواء كتابة أو عبر الهاتف أو الفيديو، لمدة 4 أشهر والمخاطرة بحياتهم.

  • هل سيشجع عدد الصحفيين الذين قُتلوا منذ بداية العدوان على غزة الجرأة على ارتكاب هذه الجرائم ضد صوت الحقيقة في أنحاء أخرى من العالم؟

هذه ملاحظة ممتازة وستمنحني فرصة الرد والإشارة إلى أمر مهم جدا. فقد وضع الاتحاد الدولي للصحفيين اتفاقية لمكافحة الإفلات من العقاب على اغتيال الصحفيين، وصاغها خبراء دوليون في مجال العدالة، ومن المتوقع أن تعتمدها الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويركز النص على 3 نقاط أساسية، وهي إقامة لجنة يقظة دائمة، والتزام الدول لتحقيق نتائج فيما يتعلق بحماية حرية الصحافة، وإمكانية إجراء تحقيق دولي.

وكما يعلم الجميع، يجب دعم اتفاقيات كهذه من قبل عدد معين من الحكومات. وللأسف، فرنسا لم تتخذ قرارها بعد. وهذه الاتفاقية التي تم إطلاقها قبل أسابيع فقط من تفشي وباء كورونا، تم تجميدها لمدة عامين.

واليوم، نأمل أن تحيي المأساة التي يعيشها زملاؤنا في قطاع غزة هذه الاتفاقية وإعادتها إلى طاولة النقاش مجددا.

  • هل كانت المؤسسات العالمية التي تحمي حقوق الصحفيين لتصمت بهذا الشكل لو حدثت هذه الجرائم في دولة أخرى؟ هل هناك اعتبارات سياسية على حساب دماء الصحفيين؟

لا أعرف موقف كل المنظمات التي تدعي الدفاع عن الصحفيين، فكلها منظمات غير حكومية ويعيش بعضها على مساعدات دول أو وسائل إعلام كبرى. وهؤلاء عادة ما تكون لديهم “استياءات انتقائية”.

ففي الفترة الماضية، كان هناك جدل حول الأرقام الفعلية للصحفيين الذين قُتلوا. وذكر الاتحاد الدولي 120 صحفيا، بينما كانت أرقام منظمة “مراسلون بلا حدود” غير الحكومية قليلة جدا ووصف تقريرها أن عام 2023 “العام الأفضل” للصحفيين. وهو أمر خاطئ بالطبع.

شاركها.
Exit mobile version