باريس- في فضيحة جديدة تهزّ أركان المجتمع الفرنسي وتضاف إلى مواقف الحكومة المتقلبة حول العدوان المستمر على قطاع غزة، كشف النائب توماس بورتس عن حزب “فرنسا الأبية” وجود 4185 فرنسيا إسرائيليا في صفوف جيش الاحتلال.

ورغم أن التحاق الفرنسيين ومزدوجي الجنسية (الفرنسية والإسرائيلية) بالجيش الإسرائيلي حقيقة مثبتة منذ عدة سنوات، فإنهم يشكلون في الحرب الحالية الوحدة الثانية من الجنود الأجانب بعد الولايات المتحدة.

ودفع انضمام هذا العدد وفي هذا التوقيت بكثير من السياسيين والمؤسسات الحقوقية إلى المطالبة بتقديمهم للعدالة في فرنسا، بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني.

4 آلاف فرنسي يقاتلون مع الجيش الإسرائيلي في غزة

“عار” لا تحجبه الغيوم

وبناء على تحقيق أجرته قناة “أوروبا1” الفرنسية، نشر النائب بورتس بيانا صحفيا، السبت، يطلب فيه محاكمة المتورطين بالحرب على جبهة غزة. وقال الممثل المنتخب عن منطقة سين سان دوني “في مواجهة هذا الوضع، ولكوني برلمانيا فرنسيا، لا أستطيع أن أبقى صامتا، ولا يمكن لفرنسا أن تظل صامتة”.

وبالفعل، أرسل النائب رسالة إلى وزير العدل الفرنسي إيريك دوبون موريتي، الأربعاء، يطلب فيها استخدام سلطته لفتح تحقيق بشأن آلاف الفرنسيين الموجودين على جبهة القطاع المحاصر لصالح جيش الاحتلال.

وأضاف بورتس في نص الرسالة التي نشرها على صفحته عبر منصة “إكس” أنه “في حال غياب رد فعل سريع من حارس الأختام”، فإنه يحتفظ بالحق في تقديم تقرير إلى المدعي العام في باريس عبر المادة 40، وتحدي الحكومة علنا خلال جلسة مقبلة، نظرا لجرائم الحرب التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، سواء في غزة أو بالضفة الغربية.

وفي مقابلة مع الجزيرة نت، استنكر النائب عن حزب “فرنسا الأبية” جيروم لوغافر، نشر الفرنسيين المنخرطين في صفوف جيش الاحتلال صورا ومقاطع فيديو على منصات التواصل يلوّحون فيها بفخر بالقنابل والقذائف التي كتبوا عليها أسماءهم، ويرى أن هذا يندرج ضمن المعركة السياسية التي يقودها حزبه داخل فرنسا، لوقف فوري وكامل لإطلاق النار في غزة.

ومعلقة على ما وصفته بـ”العار المقزز”، انتقدت رئيسة جمعية التضامن الفرنسية الفلسطينية آن تيالون، التقارير الصحفية التي تقدم الفرنسيين الذين غادروا لخدمة جيش الاحتلال كـ”أبطال”، قائلة “لقد صدمنا بالفعل، وبلدنا لا يقلق بشأن ذلك على الإطلاق، إنها فضيحة”.

على مرأى ومسمع الحكومة

يقوم جيش الاحتلال باستقطاب مجندين متطوعين من جميع أنحاء العالم منذ سنوات، وتُنظَّم معسكرات صيفية ودورات تدريبية للفرنسيين داخل قواعد عسكرية في إسرائيل.

وتدعو الشباب جمعيات مثل جمعية “موريشيت” ومقرها باريس، ومن ضمنهم القُصّر الذين يبلغون من العمر 16 عاما، لتجربة هذا العمل لمدة لا تزيد على 3 أسابيع، تحت غطاء برنامج “سار-إي آي” (Sar-El)، وهو اختصار لاسم (Sherout Le Israel) أي “خدمة إسرائيل”.

واستقبل الجيش الإسرائيلي أكثر من 40 ألف متطوع فرنسي في قواعده العسكرية، منذ تأسيس البرنامج في فرنسا عام 1983، ويشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 عاما ثلثي المتطوعين الفرنسيين، البالغ عددهم ألف متطوع سنويا، بينما يشكل المتقاعدون بقية النسبة.

وذكر مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة “إفدي” لحقوق الإنسان، المحامي عبد المجيد مراري، أن “هذه الجمعيات تقوم بتجنيد الشباب في سن مبكرة جدا مقابل مبالغ مالية، ومعظمهم من أطفال الملاجئ الخيرية، وتنشط تحت غطاء مخيمات ترفيهية في بعض الدول العربية أيضا، خاصة في شمال أفريقيا، أما في فرنسا فتعمل هذه المؤسسات في مجال رحب وقانوني”.

وقال للجزيرة نت “في الوقت الذي تقوم فيه الحكومة الفرنسية بحلّ أو منع جمعيات ذات توجه ديني معين، فإنها تسمح بعمل هذه الجمعيات، رغم أنها قد تشكل تهديدا لأمن البلاد لأن هؤلاء سيكونون مقاتلين غدا، وربما يخطئون ويرتكبون أعمالا إجرامية تمس أمن وسيادة فرنسا”.

وعما إذا كانت وزارة الدفاع الفرنسية متورطة، قال مراري إن “الطريقة العلنية التي سافر بها المتطوعون من فرنسا بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تدل على أن الحكومة أعطتهم الضوء الأخضر، وإذا كانت الوزارة على علم بذلك، فهذا يثبت مسؤوليتها، وقد تُثار هذه النقطة خلال المرافعات أمام القضاء، وسنطالب آنذاك بحضور ممثل عن الوزارة لتقديم الأجوبة”.

مرتزقة بعرف القانون

وتوضح جمعية التضامن الفرنسية الفلسطينية في بيانها أن هناك طريقتين للخدمة في جيش الاحتلال:

  • لمزدوجي الجنسية: مَن هاجروا إلى إسرائيل كيهود وحصلوا على الجنسية الإسرائيلية مع احتفاظهم بجنسيتهم الفرنسية، وعليهم أداء الخدمة العسكرية الإجبارية لمدة 3 سنوات للفتيان وسنتين للفتيات.
  • لمن لا يحملون الجنسية الإسرائيلية: الفرنسيون المقيمون في فرنسا، سواء اعترفوا بأنهم يهود أم لا، يمكنهم الالتحاق بالجيش الإسرائيلي كمتطوعين، دون الإقامة في إسرائيل أو حمل جنسيتها.

ويشرح مراري أن “الذين ذهبوا للقتال مع الاحتلال الإسرائيلي يعتبرون مرتزقة في عرف القانون، وفق اتفاقية باريس المناهضة لعمل المرتزقة، لأنهم ليسوا إسرائيليين ولا ضمن جنود الاحتياط”.

وحدد مراري في حديثه للجزيرة نت أن “العقوبة تتمثل في دفع 100 ألف يورو، والسجن 7 سنوات أو أكثر، بحسب الحالات، وفق المادة 436، الفقرة الثانية من القانون الجنائي الفرنسي”.

وأكد المحامي أنه سيتم فتح تحقيق يضم لائحة بالأسماء والجنسيات، سواء بخصوص ملف المرتزقة أو مزدوجي الجنسية، فضلا عن ملف آخر حول أولئك الذين قتلوا مواطنين فرنسيين يحملون الجنسية الفلسطينية.

وقال إنه “من المفترض أن يتم ذلك قياسا على الذين شاركوا في القتال غير النظامي إلى جانب داعش في سوريا، حيث اعتقلتهم السلطات الفرنسية ورحّلت عائلاتهم ومنعت أطفالهم من حق العودة إلى بلدهم، رغم أنهم فرنسيون”، مشيرا إلى ضرورة التعامل مع ملف المرتزقة بيد من حديد من قبل القضاء الفرنسي.

وفي حال اكتملت ملامح الشكوى وتشكلت قناعة لدى المدعي العام حول أوصاف المرتزقة، فإن الإجراء القضائي يتمثل في اعتقالهم فور وصولهم إلى المطار، دون إصدار مذكرة توقيف دولية، لأن هذه الأخيرة تكون عند حالة الفرار، تليها إحالتهم إلى قاضي التحقيق، والاستماع إليهم، وجمع الأدلة الموثقة كالصور.

وقد سلط المحامي الضوء على صورة انتشرت لوزير الدفاع الإسرائيلي مع جنود، من ضمنهم عشرات الملثمين الذين لا يريدون الكشف عن هويتهم لأنهم مرتزقة ومن جنسيات متعددة.

انتقاد حقوقي وقانوني

وأكدت رئيسة جمعية التضامن الفرنسية الفلسطينية آن تيالون أن “الجميع يعلم أن الفرنسيين يخدمون في جيش الاحتلال منذ فترة طويلة، وإسرائيل فخورة بذلك ضمن ثقافة حرب معلنة، ويمكن لهؤلاء العودة إلى فرنسا وكأن شيئا لم يحدث”.

واستذكرت تيالون، في حديث للجزيرة نت، الجندي الفرنسي إيلور أزاريا، الذي أطلق النار على فلسطيني في رأسه في أحد شوارع الخليل، وكان يواجه عقوبة قد تصل 20 عاما في السجن، لكنه حُكم عليه بـ18 شهرا، قضى منها 8 أشهر فقط. وقالت “هكذا كان الحال في الجزء الذي نسميه مدينة أشباح الخليل، حيث تم طرد الفلسطينيين لاستبدالهم بحوالي 500 مستوطن”.

وأشارت رئيسة الجمعية إلى أن “المثير للقلق أيضا هم الفرنسيون الذين يخدمون في جيش الاحتلال، ومتهمون بارتكاب جرائم حرب، والمستوطنون الذي يحملون الجنسية الفرنسية، ويتسمون بالعنف بشكل خاص، وبما أن الاستعمار جريمة حرب فإن الاتهام يقع عليهم أيضا”.

وفي هذا الصدد، انتقد النائب جيروم لوغافر موقف الحكومة الفرنسية التي لا تزال تقدم دعما غير مشروط لإسرائيل “كما لو أن قتل المدنيين وقصف المستشفيات هو دفاع عن النفس” على حد قوله.

وأضاف أنها تقدم “إجابات ملتوية ومحرجة عند استجوابها كل يوم ثلاثاء في الجمعية الوطنية”، وأن “دور الدولة الفرنسية لا يشكل لغزا لأحد، فهي على سبيل المثال تعتبر أكبر مصدر للسلاح في العالم”.

شاركها.
Exit mobile version