مراسلو الجزيرة نت
Published On 2/9/2025
|
آخر تحديث: 13:56 (توقيت مكة)
كييف- بعد مرور أسبوعين تقريبا على قمة ألاسكا واجتماعات واشنطن، يبدو أن شمعة الأمل بوقف الحرب الروسية الأوكرانية بدأت تنطفأ شيئا فشيئا، وأن نار الحرب عادت لتستعر مجددا، وستكون لها الكلمة الفصل حتى إشعار آخر.
واقع تدل عليه عمليات القصف المتبادلة التي تركز على منشآت ومرافق النفط والغاز والطاقة الكهربائية والمياه ومحطات وخطوط السكك الحديد، كما كان عليه الحال قبل أكثر من عام، كما تشير إليه سخونة الجبهات التي اشتعلت كما لم تكن على عدة محاور، حيث يسعى كل جانب إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب لنفسه، والخسائر للآخر.
أسباب التصعيد
وعندما يخوض السياسيون والمحللون الأوكرانيون في أسباب هذا التصعيد وتوقيته، فإنهم يجمعون على عدة أمور، من أبرزها:
وتنضوي تحت هذا السبب أيضا منافع سياسية وعسكرية، يشرحها للجزيرة نت الخبير العسكري إيفان ستوباك بالقول: “حاول الروس تحقيق مكاسب ميدانية من عمليات الصيف التي خططوا لها، وكان من السذاجة توقع عدولهم عن هذه الخطط بسرعة، استجابة لرغبات ترامب، ولأنهم فشلوا في الميدان وفي حماية أراضيهم من هجمات مسيّراتنا، عادوا لقصف المدن الأوكرانية بوحشية كما نرى”.
- تحدي الغرب الداعم لكييف: بحسب فولوديمير فيسينكو رئيس مركز الدراسات السياسية التطبيقية “بنتا”، فإن بوتين انتصر على ترامب في ألاسكا، في الوقت الذي كان من المتوقع فيه أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات قاسية على موسكو، وفي ألاسكا أيضا، أذل بوتين بنجاح دول الغرب وسخر بصمت من قرار محكمة الجنايات الدولية الصادر بحقه، ثم عاد ليصعد متحديا تلك الدول، ومدعيا أن الدول الأوروبية تعمل مع كييف على إفشال جهود ترامب “الصادقة” لتحقيق السلام.
- انعدام ثقة الجانبين بالدبلوماسية: وهذا أقل سبب يخوض فيه الأوكرانيون، لكن بعضهم يرى أنه لم توجد بعد أرضية لأي حل دبلوماسي قريب، حتى وإن تحدث الجانبان دائما عن ذلك، أو جرت محادثات السلام على أعلى مستوى.
ويرى داعمو هذا الرأي، على قلتهم في المواقع وشبكات التواصل، أنه لا معنى لخفض التصعيد ما دامت المواقف متصلبة، والضمانات الغربية مجرد وعود، والعقوبات الأميركية مجرد وعيد.
إحباط أوكراني
كل ذلك انعكس إحباطا على الشارع الأوكراني، لأن الجهود الأميركية لم تحدث اختراقا، حتى وإن صرح بعكس ذلك الرئيس ترامب، وفق ما يرى مراقبون.
في هذا السياق، يعتقد الكاتب والصحفي ميلان ليليتش أن الرئيس الأميركي ممتعض لعدم إحراز أي تقدم، ويحاول إخفاء فشله بإلقاء اللوم على بوتين أو زيلينسكي.
وأضاف للجزيرة نت: “الناس في أوكرانيا محبطون ويشعرون أنهم خُذلوا مجددا، حتى وإن جرت مكالمات واجتماعات حول ضمانات أمنية قوية وموثوقة لكييف، واستمرار الحرب يشغلهم، والأمل بحل قريب يتلاشى تماما كما كانوا يعتقدون قبل نحو 6 أشهر”.
هذا المزاج العام انعكس حسب نتائج استطلاع حديث للرأي نشرته مجموعة “ريتينغ” نهاية أغسطس/آب الجاري، حيث كشف أن 82% من الأوكرانيين يؤيدون التفاوض، منهم 59% يؤيدون الوصول إلى حلول وسط، وهي أعلى نسبة تؤيد هذا التوجه منذ بداية الحرب، في حين أن نسبة الراغبين باستمرار الحرب حتى النصر انحسرت إلى 11% فقط.
القمة المعقدة
وهكذا يرسم خبراء سيناريوهين اثنين لمسار الحرب، أولهما يتعلق بإمكانية عقد لقاء قمة يجمع بوتين وزيلينسكي وجها لوجه، يؤسس -بطريقة ما- لحل يرسم أولى خطوات السلام، ولكن يبدو أن عقدها لا يقل تعقيدا عن الخلافات الأوكرانية الروسية في رابع سنوات الحرب، ولهذا يتوقع كثيرون ألا يتم قريبا أو أن تكون نتائجه محدودة.
ويقول فولوديمير فيسينكو، رئيس مركز الدراسات السياسية التطبيقية (بنتا)، للجزيرة نت: “اللقاء، إن تم، سيؤدي إلى شيء ما حتما، لكن هذا الشيء لن يكون جذريا ولن يعني اتفاق سلام شامل، باعتقادي أقصى وأسهل وأسرع ما يمكن التوصل إليه هو وقف لإطلاق النار”.
ويضيف “حتى الآن لم يتحدث الكرملين عن أن اللقاء سيتم أو لا، ربما لأن رفضه خط أحمر يغضب ترامب، كما يمكن للرئيس الأميركي إقناع بوتين بعقد اللقاء وخيار هدنة مفتوحة، وأن يسوق هذا الفوز السريع لجمهوره كبداية النهاية للحرب، لكن الوصول إلى تلك النهاية سيستغرق وقتا طويلا بعد ذلك”.
أما ثاني سيناريو متوقع للمشهد، فهو حرب ممتدة حتى 2026، عنوانها الاستنزاف حتى الرمق الأخير، ولكن على أساس معطيات جديدة لم تكن موجودة.
من جانبه، يرى الخبير العسكري إيفان ستوباك أن “بوتين حرك التماثيل الأوروبية النائمة اللطيفة”، وبات الدعم الأوروبي لكييف قويا ونشطا، يشمل السلاح والعقوبات ودراسة إرساله قوات وغير ذلك، “بينما التقدم عبر المفاوضات موجود فقط في خيال ترامب”.
ويضيف: “نرى الآن بداية مرحلة جديدة من حرب استنزاف ستستمر عدة أشهر، الفائز فيها من سيصمد حتى النهاية، والنتيجة ستحدد من سيكون أقوى على طاولة المفاوضات بعد ذلك”.