بسمعة دولية مرموقة وخبرات متراكمة في حل النزاعات عبر دبلوماسية يصفها مراقبون بالمتزنة والموثوقة، تبرز قطر كدولة فاعلة عالميا في تهدئة الصراعات وإيجاد حلول لكثير من الأزمات الإقليمية والدولية عبر إدارة المفاوضات بحرفية كبيرة.

وتمتلك قطر رصيدا كبيرا من النجاحات المهمة في الوساطات ذات الملفات المعقدة، الأمر الذي أكسبها بعدا دبلوماسيا في القضايا والتحديات الأكثر أهمية في العالم، فمن دارفور وتشاد إلى لبنان، مرورا بواشنطن وإيران، وروسيا وأوكرانيا، وصولا لغزة عبر وساطات طويلة المدى وأخرى مرحلية.

وعلى الرغم من الحياد والموثوقية في أداء دبلوماسيتها، ودبلوماسييها في تنفيذ وساطاتها، لم تسلم قطر من هجوم بعض اليمينيين المتطرفين في حكومات بعض الدول وشن حملة تشويه ممنهجة ضدها، ولكن الدوحة وبحسب خبراء مارست الصبر الإستراتيجي ولم تنجر للدعاية، وحافظت على أهدافها الدبلوماسية المتمثلة في تحقيق الاستقرار وتعزيز مفهوم السلام الشامل.

دبلوماسية احترافية

يقول أستاذ الشؤون الدولية والأمن والدفاع في جامعة قطر علي باكير إن للدوحة باعا طويلا في الوساطة والمساعي الحميدة وفض النزاعات، وبسبب الوقائع الجغرافية والجيوسياسية المحيطة بقطر، تعتبر الدبلوماسية الاحترافية محور السياسة الخارجية القطرية وركيزة أساسية من ركائز الأمن الوطني للدولة.

وأكد باكر في حديث للجزيرة نت أنه خلال العقود الماضية تحولّت الوساطة إلى علامة فارقة في العمل الدبلوماسي القطري، وقد وضع ذلك قطر تحت دائرة الأضواء الدولية، وجعل اللجوء إليها حاجة ملحّة في ظل النزاعات الملتهبة إقليميا ودوليا، كما أمّن لها ذلك مكانة مميزة، وولّد للدوحة قوة ناعمة على المستوى العالمي.

ويرى الدكتور علي باكير أن هناك عدّة عوامل تقف خلف قدرة الدبلوماسية القطرية على ممارسة دور الوساطة بكفاءة عالية وهي:

  • نزاهة وموثوقية جهودها.
  • قدرتها على التواصل مع الأطراف المختلفة والمتخاصمة في الوقت نفسه.
  • قدرتها على تحقيق نتائج إيجابية تضمن تخفيف حدّة النزاعات واحتواءها وفضّها.
  • الحرص على تحقيق الأمن والاستقرار.
  • خبرتها الطويلة في مجال الوساطات وحل النزاعات.
  • قدرة دبلوماسييها على التعامل مع الحالات المختلفة.
  • ثقة اللاعبين الكبار بدورها وبقدرتها على تحقيق النتائج المرجوة.

وأوضح المتحدث ذاته أن مصلحة دولة قطر تقتضي ضرورة تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، واكتساب ثقة اللاعبين الكبار على المستوى الدولي، وإيمانهم بقدرتها على تحقيق النتائج الإيجابية التي تصب في مجال خفض التوتر وفض النزاعات، لاسيما في ظل حالة عدم الاستقرار والنزاعات المتفجرة في أكثر من مكان في العالم.

وفي هذا السياق، يشير أستاذ الشؤون الدولية والأمن والدفاع في جامعة قطر إلى أنه عندما اندلعت الحرب الإسرائيلية على غزّة، لم تجد الأطراف المنخرطة في هذا النزاع، فضلا عن تلك الداعمة لها، من بد إلا باللجوء إلى دولة قطر للقيام بدور الوساطة.

وقال “بالرغم من كم المصاعب والتحديات التي واجهت الدبلوماسية والدبلوماسيين القطريين، استطاعت الدوحة تحقيق عدّة نجاحات، ولم تثنها رغبة البعض في عرقلة دورها وزيادة الضغط السياسي عليها وتشويه سمعتها إعلاميا، عن بذل الجهود المضاعفة في سبيل محاولة تحقيق وقف دائم لإطلاق النار وتبادل الأسرى والسجناء والتوصل إلى صفقة شاملة”.

وساطة بدون أجندة

من جهته، قال أستاذ القانون الدولي بجامعة لوسيل علي الكبيسي إن المجتمع الدولي بات يدرك جليا أهمية دولة قطر كلاعب أساسي كوسيط في حل النزاعات الدولية أو الإقليمية من خلال الدبلوماسية.

وبين الكبيسي في حديثه للجزيرة نت أن إستراتيجية قطر في تسوية النزاعات الدولية تستند لعدة ركائز أساسية، ولعل أهمها اتخاذ قطر سياسية الحياد بين الأطراف المتنازعة أيا كانت، من أجل تحقيق الأهداف النهائية للدبلوماسية وهي الوصول إلى أنجع الحلول، ودون أن يكون لدولة قطر أي أجندات، ودون التدخل في أي شأن داخلي.

وأشار الكبيسي إلى سعي قطر الدائم إلى تعزيز مفهوم السلام الشامل والدائم من أجل تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وهذا واضح من خلال الوساطات التي قامت بها خلال الفترات السابقة التي ناهزت ما يقارب 10 ملفات من القضايا المعقدة سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، وخير شاهد على ذلك الاتفاق الأميركي-الأفغاني في فبراير/شباط 2020.

ولفت أستاذ القانون الدولي بجامعة لوسيل أنه لا يخفى على أحد الدور الدبلوماسي القطري والوساطة الحثيثة في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة، فمنذ بداية النزاع المسلح دعت دولة قطر جميع الأطراف إلى ضبط النفس وتحكيم العقل لتجنب النتائج الكارثية ليس فقط على قطاع غزة، بل على كافة المنطقة والأسرة الدولية.

ويضيف أن قطر سعت من خلال جهود دبلوماسية على أعلى المستويات لوقف الاعتداء الإسرائيلي على غزة، وكانت أولى النجاحات التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” بالإفراج عن بعض الرهائن والأسرى، إضافة إلى دورها الفعال في إدخال أدوية ومساعدات إنسانية إلى المدنيين.

سمعة دولية

ومن جهته، يقول الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أحمد قاسم حسين إن دولة قطر تعد إحدى أهم الدول الفاعلة في النظام الدولي في توظيف الدبلوماسية الوقائية والوساطة والمساعي الحميدة كأداة في تسوية المنازعات الإقليمية والدولية، وقد راكمت الدوحة خبرة كبيرة في المجال.

وبذلت الدوحة بحسب حديث أحمد قاسم للجزيرة نت جهودا كبيرة في التخفيف من الآثار السياسية والاقتصادية والإنسانية لكثير من الأزمات المتفاقمة دوليا وإقليما، والأمثلة على ذلك كثيرة (فلسطين، أفغانستان، السودان، لبنان..) وأخيرا تكللت الجهود القطرية في نجاح الوساطة في صفقة تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران، إضافة إلى دور الوساطة بين أوكرانيا وروسيا التي أسفرت عن إعادة مجموعة من الأطفال إلى ذويهم.

وأضاف قاسم لقد حققت الدوحة سمعة دولية مرموقة في مجال الوساطة وتسوية المنازعات، وهو ما يعكس التطور الكبير في مؤسسات الدولة القطرية للتعامل مع جهود الوساطة، ويعكس في الوقت ذاته الخبرة الكبيرة التي تملكها كوادر الدبلوماسية في إدارة هذه المفاوضات والوساطة باحترافية وفاعلية.

وأكد الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنه ورغم تعرض دولة قطر لحملة تشويه ممنهجة بشأن دورها في الوساطة بين قوى المقاومة وإسرائيل، فإن الدوحة مارست نوعا من الصبر الإستراتيجي، ولم تنجر لتلك الدعاية التي مارسها سياسيون إسرائيليون في الحكومة الحالية، وقد وضعت هدفا رئيسيا ممثلا بضرورة العمل على وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى، والتخفيف عن معاناة الفلسطينيين في غزة.

وأوضح قاسم أن الخبرة التي راكمها الطاقم الدبلوماسي في مؤسسات الدولة القطرية المختلفة، وعلى رأسها وزارة الخارجية، أسهمت في مواصلة العمل من أجل التوصل لاتفاق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وإلى جانب ذلك تدرك الإدارة الأميركية ومعها مجموعة من القوى الدولية والإقليمية أهمية الوساطة القطرية لاعتبارات تتعلق بالموثوقية والمصداقية التي يتمتع بها الجانب القطري من ناحية، وقدرته على إدارة المفاوضات بكفاءة وفاعلية.

شاركها.
Exit mobile version