واشنطن- يعتقد خبراء أميركيون أن تبعات الأحداث التي شهدتها روسيا أمس السبت ستكون شديدة الخطورة والأهمية على حاضر ومستقبل منظومة الحكم فيها.

ويرى هؤلاء أنه على مدى ربع قرن حافظ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على سلطته من خلال تأليب الجماعات المتنافسة على بعضها البعض، والقضاء على أية منافسين محتملين. وكشفت أحداث السبت عن أن تلك الإستراتيجية أتت بنتائج عكسية.

يفغيني بريغوجين (يسار) اشتهر بلقب “طباخ بوتين”؛ في إشارة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قربه إليه (رويترز)

ضربة قاسية لبوتين

ورأى خبير الشؤون الروسية بمؤسسة “أوراشيا جروب” أليكس كليمنت أن “القيصر بوتين تلقى ضربة قاسية، إذ قاد أحد رجاله وشخصية معروفة بشكل كبير داخل الأوساط الروسية تمردا مسلحا، وسار بقواته فعليا باتجاه العاصمة موسكو”.

وأضاف كليمنت “كان من الواضح أن بوتين عازف عن استخدام القوة لقمع التهديد على الفور، وربما تم تحذيره من تحويل شخص قومي شعبوي متطرف مثل  يفغيني بريغوجين إلى “شهيد”، وكان لزاما عليه أن يلجأ إلى حليفه ألكسندر لوكاشينكو لتسوية الأمر. ومن الصعب أن نرى كيف أن أيا من ذلك يجعل بوتين يبدو أقوى أو أكثر كفاءة أو أكثر أمانا مما كان عليه مساء الخميس”.

وفي وقت مبكر من صباح السبت، استولت مجموعة فاغنر العسكرية على مقر قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية في مقاطعة روستوف على نهر الدون.

ووصف بوتين تصرفات المتمردين بأنها “مغامرة إجرامية وطعنة في ظهر روسيا وخيانة”. كما بدأ جهاز الأمن الفدرالي الروسي رفع قضية ضد مؤسس “فاغنر” يفغيني بريغوجين، بموجب تهمة تنظيم “عصيان مسلح”.

وبعد عدة ساعات، نجح رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو -المعروف بقربه من الرئيس بوتين ومن بريغوجين- في التوصل لصفقة بمقتضاها يُسقط الكرملين جميع تهم “التمرد” ضد بريغوجين ومقاتليه، على أن ينتقل للعيش في المنفى في بيلاروسيا.

وتضمّنت الصفقة العفو عن مقاتلي قوات “فاغنر” الذين شاركوا في التمرد، وسيسمح للبقية بأن يصبحوا مقاتلين متعاقدين مع الجيش الروسي.

ويجمع خبراء الشأن الروسي داخل واشنطن على أنه من الصعب على أي مواطن روسي ألا يعتبر أن أحداث 24 ساعة الماضية تُظهر أن قبضة الرئيس الروسي بوتين على السلطة قد لا تكون محكمة كما كان يُعتقد سابقا.

وقبل أحداث الأمس، كان من السخف الاعتقاد داخل الدوائر النافذة في واشنطن أن الرئيس الروسي يواجه أي تهديد خطير داخليا.

وتُقدر بعض التقارير أعداد قوات “فاغنر” بـ50 ألف مقاتل، بعضهم من قدامى المحاربين المتشددين، والباقون من المتطوعين من السجناء في المعتقلات الروسية. وسيدفع تحركها الأخير الكرملين لمراجعة واسعة لا يعرف أحد إلى ماذا ستنتهي.

نظام “فقد سحره”

واعتبر ستيفن كوتكين المؤرخ البارز للتاريخ الروسي في حوار مع موقع “فورين أفيرز” أنه لطالما وصف نظام بوتين بأنه “أجوف لكنه لا يزال قويا، لقد بقي وسيبقى قابلا للاستمرار ما دام لم يكن هناك بديل سياسي له. والآن، قد نرى مدى خلو النظام وضعفه من الداخل؛ لقد أطلق بوتين عن غير قصد اختبار إجهاد لنظامه، كما فقد بوتين بالفعل هيبته وسحره بسبب الهجوم الفاشل على أوكرانيا”.

وفي حديث للجزيرة نت، يقول البروفيسور روبرت بيرسون أستاذ العلاقات الدولية في “ويست بوينت” (أشهر أكاديمية عسكرية أميركية) إن “24 ساعة الأخيرة كانت حقا ساعات غير عادية”.

وفي رأي الخبير بيرسون -المتخصص في الشأن الروسي- فإن الصورة ما تزال غير مؤكدة، لكنه يعتقد “أن نظام الابتزاز والمكافآت الذي استخدمه الرئيس بوتين للاحتفاظ بولاء النخب، وبالتالي السيطرة على روسيا على مدى 23 عاما الماضية قد فشل. ورغم أنه قد ينجو من هذا التحدي، فإنه سيخرج ضعيفا إلى حد كبير لأنه تعرض للإذلال علنا”.

ورأى بيرسون أن الأمر سيئ بما فيه الكفاية لبوتين بعد أن تحداه بريغوجين، وهو (أي بوتين) الزعيم الذي كان لا يمكن المساس به ذات يوم. ولكن الأسوأ من ذلك بكثير -في رأي البروفيسور- يبدو كأن بريغوجين قد انتزع تنازلات من بوتين تحت التهديد بالقوة، “وهذا ليس جيدا لصورة شخصية حاكم دكتاتور مثل بوتين”.

تأثير الأحداث على أوكرانيا

وعن تأثير أحداث أمس السبت على مسار القتال في أوكرانيا، قال بيرسون “علينا تذكّر أن الجيش الروسي ليس مصمما لصنع القرار اللامركزي الذي يمكن أن يتكيف مع الظروف الغامضة والمتغيرة؛ فبدلا من ذلك تعتمد المستويات الدنيا على أوامر واضحة من التسلسل الهرمي العسكري الأعلى.

ويبدو أن قوات بريغوجين تواصل احتلال المقر العسكري في روستوف، الذي يعمل مركز قيادة لحرب روسيا في أوكرانيا، وكذلك مقر المنطقة العسكرية الجنوبية لروسيا.

ويظن بيرسون أن تمرد بريغوجين يحتل معظم اهتمام القيادة العسكرية الروسية في روستوف، مما قد يؤدي إلى شلل بين القوات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا بينما تكافح لمواجهة ديناميكيات التحول للهجوم المضاد الأوكراني من دون أوامر واضحة أو حتى خطوط مع القيادة.

لذا، يقول بيرسون “على الأقل في المدى القصير يُعد هذا تطورا عسكريا جيدا لأوكرانيا التي قد تجد فرصا لم تكن لتتحقق من دون مناورة بريغوجين المثيرة”.

وعن الخيارات التي تمتلكها واشنطن وحلفاؤها في الناتو، قال المؤرخ كوتكين “إذا كان يُنظر إلى واشنطن وحلف شمال الأطلسي وأوكرانيا على أنها تدعم بريغوجين أو تتواطأ معه، فقد يكون ذلك بمثابة تقويض لفرص إنهاء “العدوان” على أوكرانيا.

وأوضح كوتكين أن رد الفعل الأميركي والغربي حتى الآن جاء بشكل صحيح؛ وهو عدم التعليق. و”بالطبع، هناك مراقبة ومتابعة عن كثب على مدار الساعة لكل شيء وأي شيء، والاستشارة المتبادلة المكثفة، ولكن بعد كل هذه الأحداث يمكن أن نعود إلى حيث بدأنا: بوتين في السلطة بموسكو وأوكرانيا تواجه عدوانا من الصعب إيقافه”.

شاركها.
Exit mobile version