منبج- شهدت مدينة منبج خروج عدد من المظاهرات الحاشدة بمشاركة طلاب المدارس وأبناء المنطقة، إضافة لتنفيذهم إضرابا عاما، وذلك رفضا لمناهج التعليم المدرسية التي فرضتها “الإدارة الذاتية” التابعة لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” تزامنا مع انطلاق العام الدراسي الجديد.

وفي حديث خاص للجزيرة نت، قال الناشط يونس العيسى، وهو من أبناء مدينة منبج، إن حركة المقاطعة لهذه المناهج التعليمية بدأت مع بداية العام الدراسي الحالي فور توزيعها على الطلاب في المدينة والريف، وجاءت ردة الفعل نتيجة احتواء الكتب على أيديولوجية قوات “قسد” وصور قادتهم وأفكار زعيمهم عبد الله أوجلان.

كما أظهر مقطع فيديو متداول اعتراض الطلاب في إحدى المدارس في منبج على منهاج الإدارة الذاتية فور تسلمهم الكتب، ومزقوها في باحة المدرسة، ورددوا شعارات “الشعب يريد المنهاج القديم”، في إشارة لمنهاج النظام السوري.

لماذا منبج؟

مثلت منبج حاضنة لكل هذه الاحتجاجات، كما يقول العيسى، وقد كانت من قبل سابقة في المظاهرات والاحتجاجات ضد سلطات الأمر الواقع منذ أيام سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، ومن بعده على سلطة الإدارة الذاتية “قسد” أكثر من مرة، رفضا للسياسات التي تفرضها على المدينة من الضرائب والاعتقالات التعسفية، مع وجود بقايا للجيش الحر والنفوذ العشائري في المدينة وريفها.

وعن سبب اشتعال المظاهرات والإضرابات في منبج دون سواها من باقي المناطق العربية التي تسيطر عليها “قسد”، أشار العيسى إلى أن تطبيق المناهج سابقا كان فقط في منطقة شرق نهر الفرات، ثم جرى توزيعه في مناطق غرب الفرات بدءا من مدينة منبج وريفها، لذلك جاء الرفض سريعا من أهل المدينة.

من جهة أخرى، أشار العيسى إلى أن القبضة الأمنية في مناطق دير الزور والحسكة منعتهما من المشاركة، وخاصة بعد الحراك العشائري الذي شهدته المنطقة سابقا، وواجهته “قسد” بالقوة.

ونوه العيسى إلى أن “قسد” حاولت في البداية احتواء تلك المظاهرات والاعتصامات من خلال بعض الوجهاء والعشائر، ولكن مساعيها باءت بالفشل، فانتقلت إلى حملة اعتقالات طالت ما يقارب 50 شخصا من الطلاب في المرحلة الإعدادية والثانوية، بالإضافة لعدد من الشبان المشاركين في هذه المظاهرات.

كما عمدت الإدارة الذاتية التابعة للقوات للضغط على الأهالي لإرسال أطفالهم إلى المدارس، بعد تهديدهم بقطع مخصصاتهم من الخبز والمحروقات من خلال مراكز التوزيع المسماة “الكومين”، لكن الأهالي أصروا على الاستمرار بالإضراب وعدم إرسال أبنائهم رغم هذه الضغوط، وفق ما أوضح العيسى.

وأضاف الناشط أن مقاطعة المدارس شملت أيضا المعلمين، حيث تم إرسال رسائل لهم من قبل مديري المدارس تحثهم على الحضور والالتحاق بالدوام، ولكن الاستجابة كانت ضعيفة من قبل بعض المدرسين.

أهالي منبج يرفضون المناهج الجديدة باعتبار أنها تتعلق بثقافة القوات الديمقراطية (مواقع التواصل)

منهاج جديد

تحدث الباحث المتخصص بقضايا السكان والمجتمع في مركز جسور بسام السليمان أنه منذ العام الدراسي 2017-2018 يخضع قطاع التعليم في منبج لإدارة مشتركة بين النظام السوري و”الإدارة الذاتية” التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، ويوجد في كل مدرسة مديران:

  • الأول: يتبع لمديرية التربية التابعة للنظام السوري، ويشرف على تدريس المناهج الخاصة بالنظام السوري، والذي يتكفل بدوره بصرف رواتب هؤلاء المديرين، والتي تتراوح ما بين 400 إلى 500 ألف ليرة سورية.
  • الثاني: يتبع للإدارة الذاتية، والتي أنشأت ما يعرف باسم “هيئة التربية والتعليم” لإدارة الملف التعليمي الخاص بها، والتي تتكفل بصرف رواتب المديرين التي تتراوح ما بين مليون إلى 1.5 مليون ليرة سورية.

وفي 18 سبتمبر/أيلول الماضي، بدأت الإدارة الذاتية بتوزيع الكتب المدرسية الجديدة الخاصة بها في منبج، في خطوة منها لفرض منهاجها التعليمية في المدينة بعد أن فرضتها في باقي مناطق سيطرتها، في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة، حيث لاحظ المدرسون والأهالي وجود تغييرات في فقرات عديدة ضمن المواد الاجتماعية، بشكل يساهم بنشر أفكار “قسد” بين الطلاب، وهو ما يرونه لا يتناسب مع ثقافتهم وهويتهم ودينهم.

مظاهرات وإضراب في منبج رفضا لمنهاج التعليم التي فرضها الإدارة الذاتية التابعة لـ "قسد" فيسبوك - شبكة منبج الاخبارية
التغيرات في المنهاج تم تطبيقها مطلع العام الدراسي الحالي في منبج (مواقع التواصل)

وعن طبيعة التغيرات في المنهاج الجديد، قال السليمان إنه إضافة إلى مادة الجنولوجيا (علم المرأة) واللغة الكردية الموجودتين ضمن المناهج التعليمية منذ العام الدراسي 2018-2017، أدخلت “قسد” في هذا العام مجموعة من التغييرات على العلوم الاجتماعية، حيث فرضت مادة الثقافة والمجتمع، وأحدثت تغييرات في مواد الجغرافية والتاريخ والتربية الإسلامية بما يتناسب مع أفكارها.

ففي مادة التاريخ مثلا، يركز المنهاج الجديد على التقويم الكردي، ويتناول كتاب التاريخ للصف السابع الإعدادي الحضارة الميدية، معتبرا أن مؤسسيها من الكرد، في محاولة منهم لتثبيت فكرة الدولة القومية.

وفي مادة الجغرافية يتم الترويج لإقليم “روج آفا” بحدوده ومقاطعاته الإدارية، أما منهاج التربية الإسلامية، فيتحدث عن الدين على أنه فلسفة جاء بها الأنبياء، حيث يأتي ذكر الأديان والأنبياء في الكتاب ضمن إطار استعراضه للفلسفة والفلاسفة، لكن دون الإساءة لهم.

مظاهر الاستنفار الأمني لقوات “قسد” منتشرة داخل مدينة منبج (مواقع التواصل)

حراك الأهالي

شهدت مدينة منبج وريفها عددا من الأنشطة المعبرة عن رفض السكان سياسة الإدارة الذاتية في فرض منهاجها التعليمي، وشهدت المدينة خروج المظاهرة الأولى في يوم الجمعة الرابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، تلتها أخرى في الجمعة الماضية، امتدت من المدينة إلى عدد من بلدات وقرى الريف، وجدد فيها المشاركون مطالبهم برفض المنهاج الدراسي المفروض عليهم، ثم باتت المظاهرات تخرج بشكل يومي.

ثم جاء الإعلان عن الإضراب في المدينة وريفها، كخطوة جديدة ضاغطة لرفض المنهاج الجديد وللمطالبة بالعودة إلى المنهاج السابق، وهو المنهاج الذي يدرس في مدارس النظام السوري، كما أضيفت قضايا أخرى كرفض سياسات “قسد” التي تفرضها على المدينة من ضرائب، والاحتجاج على قلة فرص العمل وسوء الأوضاع الخدمية والإدارية.

كما تم تنفيذ اعتصام في الساحة الرئيسية في منبج اليوم الاثنين، ثم توجهت الجموع نحو مبنى المجمع التربوي، الذي يبعد عن ساحة الاعتصام نحو كيلومتر واحد، حيث وُجدت عناصر وقوات “قسد” وانتشر القناصة على سطحه وأسطح الأبنية المجاورة له، وتم اعتقال 5 طلاب من المشاركين في الاعتصام.

من جانبه، لم يبدِ النظام السوري أي ردة فعل حول الأحداث في المدينة، واكتفى بالاستجابة لمطالب المدراء المرتبطين به نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، كما قام بداية الشهر الجاري بإرسال شحنة كتب مدرسية إليهم ليقوموا بتدريسها بدلا من الكتب الجديدة، ولكن الإدارة الذاتية منعت دخول الشحنة إلى منبج عبر معبر التائهة الذي يربط مناطق النظام السوري بقسد، بحسب ما قال السليمان.

شاركها.
Exit mobile version