تونس- عاشت تونس في العام 2023 تطورات عميقة عصفت برموز المعارضة بعد حملة اعتقالات واسعة شنها النظام ضدهم وسجنهم بتهمة التآمر على أمن الدولة وزعزعة الأوضاع، وظل التونسيون يعانون تدهور الأوضاع المعيشية وفقدان المواد الأساسية، أما الملف الأبرز الذي طغى على أحداث السنة فهو أزمة الهجرة غير النظامية.

وفي فبراير/شباط 2023 شرع النظام -الذي يقوده الرئيس قيس سعيد– في اعتقال مجموعة من السياسيين ورجال الأعمال بتهم تصل أحكامها إلى المؤبد، وكان ضمن هؤلاء المعتقلين راشد الغنوشي رئيس البرلمان المنحل وزعيم حركة النهضة الإسلامية والموقوف بسجن المرناقية منذ أبريل/نيسان 2023.

ولم تستثن حملة الاعتقالات بقية رموز التيارات السياسية التقدمية بتهمة التآمر على أمن الدولة رغم أن محامي دفاع المعتقلين يؤكدون خلو ملفاتهم من أي أدلة، ويتهمون النظام بفبركة التهم ضدهم لإخماد أصوات المعارضة، في حين يؤكد أنصار الرئيس أن المعتقلين تورطوا في شبهات فساد وجرائم سياسية.

احتجاجات

وردا على حملة الاعتقالات تواترت التحركات الاحتجاجية للمعارضة، خاصة من قبل جبهة الخلاص الوطني التي تشكل حركة النهضة الإسلامية أكبر مكون لها، ولكن رغم تكرر الاحتجاجات للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين دخل بعضهم في إضرابات جوع فإن النظام لم يتراجع قيد أنملة.

وبقي ملف الحريات يراوح مكانه مع فشل مطالبة المنظمات والأحزاب بإلغاء المرسوم الـ54 المتعلق بمكافحة الشائعات والذي تعتبره المعارضة سيفا مسلطا عليها، فيما تكررت دعوات نقابة الصحفيين التونسيين لإطلاق سراح عدد من الصحفيين، منهم خليفة القاسمي المحكوم بالسجن 5 سنوات.

ولم يتميز العام 2023 فقط باعتقال السياسيين المعارضين للرئيس قيس سعيد بعد إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 التي فوض بها لنفسه جميع الصلاحيات وألغى بها الدستور السابق وحل بها البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء، بل تميز كذلك بوقف نشاط حركة النهضة وغلق مقراتها.

احتجاجات بالعاصمة تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين دخل بعضهم في إضرابات عن الطعام (الجزيرة)

حظر النهضة

وشكلت خطوة الحظر منعرجا في تاريخ حركة النهضة الإسلامية التي كان نشاطها سريا في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي قبل أن تصبح رقما سياسيا صعبا في البلاد بعد الثورة لتصدرها الانتخابات، لكن ضعف أدائها وتفاقم الأزمات في عهدها مهدا الطريق لإزاحتها من المشهد، بحسب مراقبين.

وطالما أكد الرئيس التونسي قيس سعيد في خطاباته أنه لن يتراجع أبدا للوراء، وبعد وضع دستور جديد للبلاد غيّر به النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي أو رئاسوي كما يعتبره البعض مضى في تنظيم انتخابات تشريعية شكل بها برلمانا جديدا خلال الاستعداد لإجراء انتخابات محلية يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2023.

وعلى خطى ضعف المشاركة في الاستفتاء على دستور الرئيس سعيد أو الانتخابات التشريعية الماضية يتوقع مراقبون أن تشهد محطة الانتخابات المحلية عزوفا كبيرا من قبل الناخبين جراء تدهور الأوضاع المعيشية بشكل لا يطاق، خاصة بسبب فقدان المواد الأساسية وارتفاع الأسعار.

تونس.. رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يمثل أمام وحدة البحث في جرائم الإرهاب

تدهور اقتصادي وأمني

وقد ضاق التونسيون ذرعا في العام 2023 من اضطراب توزيع المحروقات والأدوية والسلع الأساسية الموردة من الخارج بسبب تذبذب الاحتياطي من العملة الأجنبية، مما خلق طوابير طويلة أمام محطات الوقود وأمام المخابز التي تأثر نشاطها بشكل كبير بسبب تراجع إنتاج الحبوب ونقص التوريد من الخارج.

وأثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في تونس، وتسبب تعطل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي من جهة أخرى في تفاقم الأوضاع المالية نتيجة رفض سعيد القبول بشروط الصندوق في رفع الدعم الحكومي على السلع وخصخصة شركات للدولة.

ولم تنجح الدولة بعد في إطار مرسوم الصلح الجزائي مع رجال الأعمال في استرجاع مبالغ منهوبة في صفقات فساد تناهز 13.5 مليار دينار (4.4 مليارات دولار) وفق تصريح الرئيس قيس سعيد الذي عين أحمد الحشاني رئيسا جديدا للحكومة خلفا لنجلاء بودن وكلفه بمراجعة الانتدابات في الوظائف الحكومية.

وعلى المستوى الأمني، شهدت تونس في مايو/أيار 2023 هجوما قرب معبد يهودي (كنيس) في جزيرة جربة نفذه رجل أمن تابع للحرس البحري التونسي، مما أدى إلى مقتل 5 أشخاص، وأثارت الحادثة مخاوف لدى التونسيين من احتمال اختراق بعض العناصر المتشددة أجهزة الأمن كخلايا نائمة.

كما أثار فرار 5 عناصر متشددة متهمة بالتورط في اغتيالات واعتداءات “إرهابية” في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من داخل سجن “المرناقية” -وهو أعتى السجون وأشدها حراسة- مخاوف وشكوكا كثيرة لدى التونسيين تجاه أجهزة الدولة، لكن الأمن استطاع أن ينقذ الموقف بعد القبض عليهم.

طابور طويل من المواطنين التونسيين لشراء الخبز أمام أحد المخابز بالعاصمة تونس في مايو/أيار 2023 (الجزيرة)

الهجرة غير النظامية

ويعتبر ملف الهجرة غير النظامية الحدث الأبرز في أحداث العام 2023 بسبب ارتفاع أعداد المهاجرين غير النظاميين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء عبر ليبيا والجزائر نحو تونس البلد الذي تحول إلى منطقة عبور بامتياز للمهاجرين باتجاه السواحل الأوروبية، خصوصا إيطاليا القريبة جغرافيا.

وبسبب تنامي أعدادهم في تونس دعا قيس سعيد في فبراير/شباط 2023 إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف تدفق المهاجرين الأفارقة غير النظاميين، معتبرا آنذاك أن تفاقم أعدادهم قد يؤدي إلى نشوب عنف وجرائم، وقد وجّهت إلى خطابه انتقادات واسعة بدعوى أنه يسيء إلى المهاجرين ويعرضهم للخطر.

وتزامن ذلك مع نشر مهاجرين غير نظاميين من أفريقيا مقاطع فيديو تظهر تعرضهم لاعتداءات جسيمة، إضافة إلى حملات توقيف أمنية واسعة ضدهم، فيما سعى الرئيس قيس سعيد إلى التخفيف من وطأة خطابه، مشددا على حماية المهاجرين واحترام حقوقهم، داعيا إلى إيجاد حل دولي للأزمة.

ووقعت تونس والاتحاد الأوروبي في يوليو/تموز الماضي اتفاق شراكة إستراتيجية لمكافحة الهجرة غير النظامية مقابل دعم مالي، وذلك عندما زاد وبشكل حاد عدد القوارب التي تغادر تونس الواقعة في شمال أفريقيا إلى أوروبا، وقدمت إيطاليا دعما سياسيا كبيرا إلى تونس لتوقيع هذا الاتفاق.

أحد أفراد الحرس الوطني التونسي يحمل طفلا تم إنقاذه من قارب يحمل مهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (الفرنسية)

وواجه قيس سعيد انتقادات بشأن ملف الهجرة، حيث اعتبرته منظمات حقوقية حارسا أمنيا لحدود أوروبا، فيما شدد الرئيس سعيد على أنه لن يقبل لعب دور الحارس مقابل مساعدات مالية زهيدة، داعيا في مؤتمر بإيطاليا في يوليو/تموز الماضي إلى معالجة ملف الهجرة غير النظامية وفق مقاربة شاملة.

وفي إطار مقايضة المساعدات المالية بتعاون أكبر من السلطات التونسية في مكافحة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا بقي الاتفاق رهن التزام الطرفين بتطبيق تعهداتهما التي أصبحت تواجه تحديات سياسية متصاعدة في كلا الجانبين رغم أن إيطاليا تكثف جهودها لإقناع الشركاء الأوروبيين بتسريع المساعدات.

وكان الرئيس سعيد قد رفض دعما ماليا أعلن عنه الاتحاد الأوروبي بدعوى أن المبلغ زهيد ويتعارض مع الاتفاق الموقع الصيف الماضي مع الاتحاد، وقد تهدد هذه الخطوة بتقويض اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة لمكافحة مهربي البشر وتشديد الرقابة على السواحل وسط زيادة في عدد المهاجرين.

شاركها.
Exit mobile version