القدس المحتلة– بعدما أقرّ البرلمان الإسرائيلي، الاثنين الماضي، القانون الذي يحظر نشاط وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” داخل إسرائيل، بتأييد 92 عضوا ومعارضة 10 أعضاء، عاد إلى الأذهان تاريخ ملاحقة هذه الوكالة واستهداف مؤسساتها في المدينة الفلسطينية المقدسة.

ورغم أن كثيرين يرون أن أصعب مراحل تصفية وجود الأونروا كانت عام 2017 عندما أعلن الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب مدينة القدس -بشطريها- عاصمة موحدة لإسرائيل، إلا أن آخرين يعتقدون أن أخطر محاولات التصفية بدأت تظهر بشكل واضح بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993.

ومن بين هؤلاء نضال العزّة مدير مركز بديل لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين الذي قال في مستهل حديثه للجزيرة نت إن الحملة الهادفة لتفكيك الأونروا وإنهاء وجودها تكثفت بعد توقيع اتفاقية أوسلو، وأصبحت لاحقا من القضايا الدائمة على أجندة مؤتمر “هرتسيليا” السنوي للتخطيط الإستراتيجي الإسرائيلي الذي انطلق عام 2000.

ويبحث هذا المؤتمر السياسات الأمنية والدفاعية والعلاقات الخارجية لإسرائيل، ويشارك فيه باحثون وسياسيون وأكاديميون ومتخصصون من داخل إسرائيل وخارجها، ويؤكد العزّة أنه منذ عام 2003 باتت آليات تصفية الأونروا تناقش بشكل سنوي في هذا المؤتمر.

اعتراف ترامب بالقدس عاصمة إسرائيل من أبرز مراحل تصفية الأونروا (الجزيرة)

تدرج في الاستهداف

قال مدير مركز بديل إن “حملات التصفية تدرجت من التشكيك في كفاءة الوكالة وأدائها، ثم انتقلت إلى مرحلة شيطنتها واتهامها بالإرهاب، فالعمل على نقل صلاحياتها إلى مؤسسات دولية ومحلية غير مكلفة من قبل الأمم المتحدة، إلى أن وصل الحال أخيرا إلى اتهام الأونروا بعدم الحيادية والمشاركة في الإرهاب خلال أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول وما تبعها”.

وفي فترة حكم ترامب أصبح قرار تصفية وتجفيف مصادر تمويل الأونروا واضحا، وتزامن ذلك مع حملات تحريض قادها مسؤولون إسرائيليون على مدار السنوات الماضية وصولا إلى التشريع الحالي الذي يحظر نشاط وكالة الغوث داخل إسرائيل، والمصادقة على قانون آخر يحظر الاتصال معها، وفقا للعزّة.

وحول الانعكاسات الخطيرة المترتبة على حظر عمل الوكالة، أشار مدير مركز بديل إلى أن “إنهاء عمل الأونروا سيؤثر بشكل مباشر على الخدمات التي يتلقاها اللاجئون الفلسطينيون بالأراضي المحتلة، وهي الخدمات التي تزداد حاجتهم إليها في ظل استمرار حرب الإبادة في غزة”.

ولأن هذه الوكالة الأممية لديها الكفاءة والخبرة الكافية في التعامل مع ملايين اللاجئين، وهي تملك السجلات والمقرات والطواقم الكافية لتمرير خدماتها، فإن أي جهة أخرى لن تكون قادرة على تعويض غيابها أو القيام بمهامها، وفق العزة.

أما الخطر الإستراتيجي -الذي يرى العزّة أنه الأهم- فهو إسقاط المسؤولية الدولية عن اللاجئين الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، وبالتالي يُزاح العبء عن المجتمع الدولي تجاه اللاجئين الموجودين خارج فلسطين، وتُرفع الحماية عن اللاجئين الذين يعيشون داخلها.

محطة مفصلية

وفقا للمحلل السياسي عمر عساف، فإن قرار الكنيست الأخير يشكل محطة مفصلية في تاريخ وكالة الغوث، ومن غير المستبعد تطبيقه على الضفة الغربية كون الاحتلال يعلن صراحة أنها تخضع لسيادته.

ويرى عساف ضرورة وجود تحرك فوري واسع لأن للقرار أبعادا لا تتعلق فقط بالتعليم والصحة والإغاثة، إنما “هناك بعد سياسي وهو محاولة تصفية أحد الشواهد على جريمة اللجوء، ولاحقا محاولة إنهاء ظاهرة المخيمات”.

كما يتوقع أعباء مالية إضافية على السلطة الفلسطينية مع سن التشريع الإسرائيلي، دون أن يستبعد في الوقت ذاته تحمل إسرائيل الأعباء المالية في منطقة القدس “وبالتالي التدخل -مثلا- في المناهج الدراسية حيث يدرّس في مدارس الوكالة الآن المنهاج الفلسطيني”.

وأضاف عساف أن إمكانية تولي إسرائيل مسؤولية شؤون اللاجئين تحمل بعدا سياسيا “فهناك عدد غير قليل من اللاجئين في مخيم شعفاط الواقع ضمن حدود بلدية القدس، وبالتالي قد تحاول إسرائيل حرمان سكانه من الخدمات ومحاولة نفي صفة اللجوء عنهم”.

مستوطنون يتظاهرون أمام مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين القدس- حي الشيخ جراح الجزيرة
مظاهرة سابقة للمستوطنين أمام مقر وكالة الأونروا بحي الشيخ جراح في القدس (الجزيرة)

تحريض وعنف

ويعتبر أرييه كينغ نائب رئيس بلدية الاحتلال أحد أبرز المحرضين على وكالة الغوث وموظفيها ومقرها بالقدس. وبمجرد المصادقة النهائية على قانون حظرها دعا متابعيه عبر صفحته على موقع فيسبوك إلى تجمع احتفالي أمس الأربعاء أمام مقر الوكالة بحي الشيخ جراح بالقدس، وكتب “دون الكثير من الكلام والبيانات، ما عليك سوى التقاط كأس من النبيذ وقل شكرا لجميع من ساعدوا”.

ووصف كينغ في وقت سابق المقر بـ “قنبلة موقوتة في القدس” ودعا مرارا لتنظيم المظاهرات أمامه والتي تخللها اعتداءات وإشعال حرائق، وإطلاق هتافات ورفع لافتات تحريضية.

أما رئيس بلدية الاحتلال السابق نير بركات فأعلن خلال ولايته أيضا عن خطة لتصفية مؤسسات أونروا بالقدس، وقال حينها إن البلدية تعتزم بناء مدارس تابعة لها لاستيعاب الطلبة الذين يتلقون تعليمهم في مدارس الوكالة بمخيم شعفاط، بادعاء أنه المخيم الوحيد في الضفة الغربية الذي يقع ضمن نفوذ البلدية.

وتقدم الوكالة الدولية خدماتها لأكثر من 110 آلاف لاجئ فلسطيني بالقدس، ويقع مقرها الرئيسي في حي الشيخ جرّاح المعروف إسرائيليا بحي “معالون دفنا” ويتبع للوكالة مخيما لاجئين بمحافظة القدس باسم شعفاط وقلنديا.

وفي 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن هناك أمرا بمصادرة الأراضي المقام عليها مقر الوكالة وتخصيصها لبناء وحدات استيطانية، بينما قالت صحيفة “إسرائيل اليوم” إنه ستتم مصادرة منطقة مقر الأونروا بالقدس لبناء 1440 وحدة سكنية وإن المشروع في مراحل الإعداد.

ويقول العزّة إنه في حال استفاق المقدسيون يوما دون وجود المقر ووجود خدماته فإن ذلك يعني “نزع المسؤولية الدولية عن السكان الفلسطينيين داخل القدس وتركهم للسيادة الإسرائيلية بشكل كامل”.

شاركها.
Exit mobile version