الخرطوم- بعد مرور أسبوع على إعلان التحالف السياسي والعسكري بقيادة قوات الدعم السريع عن تشكيل حكومة في المناطق التي يسيطر عليها غرب السودان، تزايدت المخاوف من انزلاق البلاد نحو انقسام سياسي وجغرافي، وسط تحذيرات من دور خارجي يسهم في تأجيج هذا المسار، وفقا لمراقبين.
وأعلن تحالف السودان التأسيسي في 26 يوليو/تموز الماضي، عن تشكيل مجلس رئاسي لحكومة انتقالية، يتولى رئاسته قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، ويشغل زعيم الحركة الشعبية-شمال عبد العزيز الحلو منصب نائب الرئيس، في حين عُين محمد حسن التعايشي رئيسا للحكومة الموازية، التي اتخذت من نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور مقرا لها.
وأكد حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي أن السودان لا يمكن أن يُقسّم وفق التصورات التي تسعى إليها قوات الدعم السريع، مشددا على أن “وحدة البلاد ليست قابلة للتجزئة تحت أي ظرف سياسي أو عسكري”.
ورأى خلال مخاطبته تجمعا ضم قيادات الإدارة الأهلية، وممثلين للقوى السياسية، وروابط إقليم دارفور في مدينة بورتسودان أول أمس الجمعة، أن ما يجري حاليا على الأرض يُعد تنفيذا فعليا لخطة تهدف إلى تقسيم السودان، واصفا إياها بالمؤامرة التي لن تنجح، لأن الشعب السوداني سيقف في وجهها ويفشلها عبر تمسكه بوحدة البلاد ومقاومته لأي مشاريع تهدد كيان الدولة السودانية.
تصورات خاطئة
وأوضح مناوي أن استمرار الحكومة الموازية التي أعلنتها قوات الدعم السريع يشكل خطرا حقيقيا على وحدة السودان، موضحا أنه إذا استمرت هذه الحكومة لمدة عام أو عامين، فإنها ستتحول إلى حكومة أمر واقع، وسيتم التعامل معها دوليا، بما في ذلك فرض وقف لإطلاق النار لتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، وهو ما اعتبره تطورا خطيرا قد يكرّس الانقسام ويمنح شرعية لقوة عسكرية خارجة عن سلطة الدولة.
وانتقد مناوي بعض التصورات السائدة لدى كبار المسؤولين السودانيين، لافتا إلى اعتقادهم بأن السيطرة على ولايتي الخرطوم والجزيرة تكفي للهيمنة على الحكم، مشيرا إلى أن أحد هؤلاء المسؤولين يعتبر أن الحرب خارج العاصمة لا تستحق الالتفات، باعتبار أن أطراف البلاد كانت مسرحا دائما للنزاعات منذ عام 1955، وهو ما اعتبره مناوي دليلا على ضعف الفهم للجوانب الجغرافية والسياسية للصراع الحالي.
وكشف حاكم دارفور أن سفيرا تابعا لإحدى الدول الكبرى تواصل معه في بداية الحرب لاستطلاع رأيه بشأن إمكانية تشكيل 3 حكومات منفصلة في السودان، في مؤشر على وجود تصورات دولية مبكرة لسيناريوهات تقسيم البلاد.

مخططات قديمة
ويعتقد مراقبون وخبراء أن مخططات تقسيم السودان قديمة متجددة ومرتبطة بالتحولات المحلية سياسيا وعسكريا والأوضاع الدولية والإقليمية.
ويؤكد الخبير العسكري ونائب الرئيس السابق لأركان الجيش السوداني الفريق محمد بشير سليمان للجزيرة نت أن “مخططات تقسيم البلاد مستمرة منذ عقد السبعينيات”.
وبيّن أن اتجاه قوات الدعم السريع لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرتها جاء بعد فشل مشروعها في السيطرة على البلاد منذ الأيام الأولى للحرب، واعتبر أن هذه الخطوة تمثل تمهيدا لتقسيم السودان، تقف وراءه قوى إقليمية ضمن مخطط تديره دوائر صهيونية وأميركية تهدف لإضعاف البلاد، التي تُعد -وفق رأيه- عائقا أمام مشروعها في المنطقة.
ووصف الخبير العسكري قوات الدعم السريع بأنها “بيدق” يُستخدم لتنفيذ هذا المخطط.
ويؤكد سليمان أن إفشال مخطط تمزيق السودان يتطلب قيادة سياسية جادة وملهمة قادرة على تعبئة الشعب، وتوضيح مهددات الأمن القومي، وتسليح المقاومة الشعبية في مختلف أنحاء البلاد لردع ما وصفها بـ”المليشيات والتمرد”، إلى جانب حشد كل إمكانيات الدولة لمواجهة هذا الخطر.
لكن في المقابل، يرى الباحث والمحلل السياسي خالد سعد أنه لا وجود لمخطط أميركي حالي لتقسيم السودان ضمن ما يُعرف بـ”الشرق الأوسط الجديد”، وهو المشروع الذي يستهدف إعادة هيكلة الدولة المركزية في عدد من الدول، ومن بينها السودان.
ورقة مساومة
ويشير سعد في حديثه للجزيرة نت إلى أن انفصال جنوب السودان عام 2011، الذي كانت واشنطن أحد داعميه، تسبب في خيبة أمل للولايات المتحدة بسبب ما ترتب عليه من أزمات سياسية وأمنية، أثّرت سلبا على مصالحها في المنطقة.
ويرى المحلل السياسي أن السياسة الأميركية تركز في المرحلة الراهنة في الضغط على السلطة المركزية في الخرطوم لتحقيق مصالحها ومصالح حلفائها في البلاد، وأضاف مستدركا أن الكيانات التي قد تنشأ عن التقسيم ستكون هشة، وعاجزة عن بناء دول مستقرة تتماشى مع الهيمنة الأميركية.
ويلفت الباحث إلى أن خيار التقسيم لا يمكن استبعاده تماما، إذ تعكسه توجهات بعض الفاعلين المحليين ممن يرون في الحرب وتداعياتها فرصة لدفع هذا السيناريو إلى الواجهة، رغم عدم وجود دعم دولي حقيقي له، بسبب إدراك الأطراف الدولية أن نشوء دويلات ضعيفة في بيئة هشة كالسودان يمثل خطرا أكبر على مصالحها من وجود دولة ضعيفة ولكن يمكن التحكم بها.
إحراج للقيادة
من جهته يرى الكاتب والمحلل السياسي عبد الماجد عبد الحميد أن تصريحات مناوي محرجة للقيادة العسكرية باعتباره جزءا من العملية العسكرية الجارية في كردفان ودارفور، بحكم إشرافه على القوة المشتركة التي تقاتل إلى جانب الجيش في الإقليمين.
وأوضح الكاتب في حديث للجزيرة نت أن مناوي يعني بحديثه نقصا في التجهيزات العسكرية وليس اتهاما بعدم الاهتمام بغرب السودان.
وأقر عبد الحميد بتراجع التعبئة والاستنفار في المرحلة الحالية مقارنة بالفترة السابقة نسبة لانشغال المواطنين بالعودة إلى مناطقهم في ولايات البلاد المحررة والآمنة.
من جانبه، أوضح الباحث في الشؤون الأمنية أبو بكر عبد الرحيم أن السودان بقوته الاقتصادية والعسكرية يمثل تهديدا محتملا لمصالح بعض القوى الإقليمية والدولية، لذلك فإن إضعافه أو تفكيكه يخدم أجنداتها.
ويحذر عبد الرحيم في حديثه للجزيرة نت من أن استمرار الدعم الخارجي لقوات الدعم السريع وحكومتها الموازية قد يدفع البلاد نحو سيناريو شبيه بالحالة الليبية، مع حالة من الجمود السياسي والعسكري، ما يكرّس الانقسام ويزيد الوضع تعقيدا.
مشيرا إلى أن ما يُعرف بـ”حكومة نيالا” جرى تشكيلها كورقة سياسية للمساومة، لا كمحاولة فعلية لفصل غرب السودان، لكن في حال فشل هذا الهدف، فإن المنطقة قد تنزلق إلى الفوضى وتتحول إلى ساحة لأمراء الحرب، نظرا للتعدد الإثني والثقافي والاجتماعي، ما يجعل خطر التشظي حقيقيا، وإن لم يكن ضمن مشروع انفصال منظم.