لندن- أثار سحب فيلم وثائقي بثته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) بعنوان “غزة، كيف تنجو من منطقة حرب؟” بعد شكاوى من أن هوية الطفل الفلسطيني الذي روى أحداثه هو ابن قيادي بحركة حماس، موجة غضب واسعة في الأوساط البريطانية.

ودعت هذه الشكوى ألف إعلامي وصحفي وأكاديمي للتنديد بسحب الفيلم، والذي أدى إلى استدعاء كل من رئيس الهيئة سمير شاه، ومديرها تيم ديفي، إلى البرلمان للمساءلة، الثلاثاء.

وشهدت جلسة “لجنة الثقافة والإعلام والرياضة” في البرلمان البريطاني مواجهة حادة بين أعضائها من جهة وقيادات هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) من جهة أخرى، حول سحب وثائقي “غزة.. كيف تنجو من منطقة حرب؟”، فيما انتقدت رئيسة اللجنة كارولين دينينج قرار السحب، واعتبرته “طعنة في قلب مصداقية بي بي سي”.

وواجه مسؤولو الهيئة انتقادات حادة بسبب استجابتهما للضغوط، واتهمهما الأعضاء بالتخاذل وعدم تقديم إجابات واضحة.

وبالإضافة إلى قضية الوثائقي، ناقشت اللجنة تجديد ميثاق هيئة الإذاعة البريطانية وتمويلها، وطالب الأعضاء برؤية واضحة حول مستقبل المؤسسة العريقة في بريطانيا، وكيفية تحسين شعور الجمهور بالملكية والمشاركة.

وأظهرت الجلسة انقسامًا حادًا بين أعضاء اللجنة حول كيفية التعامل مع تغطية هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي حين أكد البعض على ضرورة الحفاظ على الحياد، رأى آخرون أن الهيئة يجب أن تكون أكثر جرأة في تغطية الأحداث.

رئيس بي بي سي سمير شاه ومديرها تيم دايف خلال جلسة مساءلة بالبرلمان البريطاني (البرلمان)

عبد الله اليازوري

يصور الوثائقي الحياة اليومية لأطفال غزة تحت وطأة الحرب والحصار، وسرعان ما تحولت قصته إلى قضية رأي عام بعد أن كشفت تقارير صحفية أن الطفل عبد الله، البالغ من العمر 13 عاما، وهو ابن الدكتور أيمن اليازوري، نائب وزير الزراعة في الحكومة بغزة.

وسرعان ما تحول التركيز إلى اليازوري الأب الذي وصفته بعض التقارير بـ”القيادي الإرهابي” و”العضو البارز في حماس”. لكن تحقيقات صحفية كشفت أنه أكاديمي حاصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء التحليلية البيئية من جامعة بريطانية، وله مسيرة مهنية طويلة في مجال التعليم والزراعة.

وعمل اليازوري مدرسا للكيمياء في دبي، ثم عمل في وزارة التربية والتعليم الإماراتية، قبل أن يشغل منصبه الحالي في وزارة الزراعة في غزة.

والفيلم الوثائقي، الذي تم بثه على منصة “آي بلاير” التابعة لـهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، يسلّط الضوء على معاناة أطفال غزة في ظل الحرب والحصار. ويتحدث فيه الطفل عبد الله الإنجليزية بطلاقة، وقد تولى مهمة سرد الأحداث والتعبير عن مشاعر أقرانه الذين يعيشون في ظل ظروف قاسية.

لكن الكشف عن صلة الطفل بالمسؤول في حكومة حماس أثار عاصفة من الانتقادات الإسرائيلية، حيث اعتبر البعض أن ذلك “يشوه حيادية الفيلم ويجعله أداة دعائية للحركة”، ودعت السفيرة الإسرائيلية في لندن “بي بي سي” لحذف الفيلم، فيما أعلنت وزيرة الثقافة البريطانية، ليزا ناندي، أنها ستناقش القضية مع مسؤولي الهيئة. ولكن الأخيرين لم ينتظروا نقاش البرلمان، ولجؤوا فورا لحذف الفيلم من منصتها.

ومقابل غضب مجموعة من الصحفيين والإعلاميين اليهود البارزين، من بينهم الحاكمة السابقة لـ”بي بي سي”، روث ديتش، والذين وجهوا رسالة مفتوحة إلى الهيئة يطالبون فيها بسحب الفيلم من منصتها الرقمية، وقّع أكثر من ألف صحفي وأكاديمي بيانا أشادوا فيه بمحتوى الوثائقي وأكدوا دعمهم لحرية الصحافة ورفضوا استجابة هيئة الإذاعة البريطانية للضغوط بسحبه ودعوا لإعادة بثه.

بي بي سي تعتذر عن تغطية مضللة لتظاهرات مؤيدة لفلسطين

مطالبات بالتحقيق

وقال الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين أنتوني بيلانغر، للجزيرة نت، إنه دعا الهيئة البريطانية إلى الالتزام بالصحافة الأخلاقية ومعايير وسائط الخدمة العامة وضمان الشفافية والعدالة والنزاهة في برامجها. مضيفا أنه “يقع على عاتق الصحفيين واجب الإبلاغ عن الحقيقة، ويحق للجماهير سماع أصوات المتضررين من الصراع في غزة، ويجب أن يظل الإبلاغ من غزة ومناطق الصراع الأخرى صادقا وشفافا وخاضعا للمساءلة”.

وقال شيموس دولي، مساعد الأمين العام للاتحاد الوطني للصحفيين ببريطانيا، للجزيرة نت، إن سحب الفيلم من مشغل “بي بي سي آي بلاير” أثار مخاوف لا يمكن معالجتها إلا من خلال الوضوح والشفافية في تطبيق المعايير التحريرية من قبل مجلس إدارة الهيئة..”.

وفي السياق نفسه صرّحت نقيبة الصحفيين المستقلين في لندن بيني كوينتون، للجزيرة نت، أن هيئة الإذاعة البريطانية “أظهرت جُبنا برفضها إبقاء الفيلم الذي يوثق معاناة أطفال غزة بكلماتهم الخاصة، ويُظهر تصميمهم على التغلب على العنف الذي تمارسه عليهم القوات الإسرائيلية على منصتها”.

وأضافت كوينتون “تنص اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، المادتان 12 و13، على أن للأطفال الحق في إبداء آرائهم بحرية في القضايا التي تؤثر عليهم، وأنه يجب على البالغين الاستماع إليهم وأخذهم على محمل الجد، وأن للأطفال الحق في مشاركة ما يتعلمونه ويفكرون فيه ويشعرون به بحرية مع الآخرين، عن طريق التحدث أو الرسم أو الكتابة أو بأي طريقة أخرى، ما لم يضر ذلك بالآخرين”.

واختتمت حديثها للجزيرة نت “من خلال إسكات أصواتهم، فشلت بي بي سي في دعم حقوق أطفال غزة بمشاركتنا تجاربهم في الحرب والصراع، التي يجب أن نتعلم منها جميعا”.

“أسباب واهية”

في حين تواصلت الجزيرة نت مع منظمة “يهود من أجل العمال” التابعة لليهود الأعضاء بحزب العمال البريطاني، وهي المنظمة التي قادت الحملة للتوقيع على الخطاب المفتوح. أدانت ناعومي إدريسي المتحدثة الإعلامية باسم المنظمة “بأشد العبارات الضغوط التي تدعو إلى إزالة هذا الفيلم المهم من العرض العام لأسباب واهية”.

وقالت إن ذلك جرى “بدافع منع الروايات المهمة والكاشفة التي تضفي طابعا إنسانيا على شعب غزة، وتستكشف المعاناة الناجمة عن العدوان الإسرائيلي غير القانوني”.

وأضافت إدريسي أن منظمتها “تنظر باستياء إلى استسلام بي بي سي المهين لهذه الحملة ورفضها الاعتراف بأصوات مئات اليهود البريطانيين وصناع البرامج ذوي الخبرة الذين أرسلوا تقارير تفصيلية حول قيمة فيلم “غزة.. كيف تنجو من منطقة حرب” والأساس المعيب للانتقادات له”.

وأكدت أن الرسائل الموقعة من مئات اليهود البريطانيين، وأكثر من ألف من المهنيين الإعلاميين والتلفزيونيين، “تدين حملة ذات دوافع سياسية تسعى إلى تشويه سمعة الصبي الذي يروي البرنامج على أساس أن والده شغل منصب نائب وزير الزراعة في غزة، وتعتبر أن دمج مثل هذه الأدوار الحكومية في غزة مع الإرهاب غير صحيح من الناحية الواقعية ومجرد تجريد من الإنسانية”.

وقالت المتحدثة باسم المنظمة إن “الخطاب العام الذي يفترض أن الفلسطينيين الذين يشغلون أدوارا إدارية متواطئون بطبيعتهم مع العنف، هو تشبيه عنصري ينكر على الأفراد إنسانيتهم وحقهم في مشاركة تجاربهم المعيشية”.

شاركها.
Exit mobile version