بيروت- توازيا مع عملية “طوفان الأقصى” تتجه الأنظار إلى الجبهة الشمالية لإسرائيل، وسط خشية من احتمالات المواجهة مع حزب الله اللبناني.

وبينما تنظر إسرائيل للفصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله كأكبر رأسي حربة لها بالمنطقة حمل استهداف حزب الله ثلاثة مواقع إسرائيلية في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة رسائل تحذيرية مفادها وفق مراقبين الآتي:

  • حزب الله جاهز لمساندة فصائل المقاومة الفلسطينية حين تستدعي الحاجة ضمن معادلة “وحدة الساحات” وترابطها.
  • تكريس قواعد الاشتباك في جنوب لبنان، وتذكير إسرائيل بسياسة الردع التي يفرضها الحزب بالتوقيت والشكل.
  • تحذير إسرائيل من الاستفراد بالمقاومة الفلسطينية التي تحقق تقدما عسكريا تاريخيا.

وأعلن بيان حزب الله عن استهدافه المواقع الثلاثة في مزارع شبعا -وهي الرادار وزبدين ورويسات العلم- بأعداد كبيرة من قذائف المدفعية والصواريخ.

في المقابل، استهدف جيش الاحتلال المناطق المحيطة بتلال كفر شوبا ردا على استهداف موقع رويسات العلم، وقصف الخيمة التي نصبها حزب الله في مزارع شبعا، لكن وسائل إعلام الحزب سرعان ما قالت إنه نصب خيمة أخرى مقابل موقع زبدين، في إطار تحديه لإسرائيل.

ولم يعد القصف المتبادل في جنوب لبنان ضمن مسرح المساحات المفتوحة ضمن قواعد الاشتباك بين الجانبين على طول الخط الأزرق، وتصاعد القصف قبل أشهر، ولا سيما في تلال كفر شوبا الواقعة ضمن مثلث الحدود بين لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية المحتلة.

ما الرسائل التي يبعثها حزب الله؟

تعيد معركة غلاف غزة إلى الأذهان مشاهد إحدى أكبر المناورات العسكرية لحزب الله في مايو/أيار 2023 على بعد 20 كيلومترا من “الخط الأزرق” الفاصل بين لبنان وإسرائيل، وحملت شعار “سنعبر”.

ورأى كثيرون حينها أن طبيعة المناورة وعنوانها رسالة من كل محور مقاومة الاحتلال ضمن معادلة وحدة الساحات، واستخدم الحزب حينها الأسلحة الحية والثقيلة، واستعرض راجمات الصواريخ، ونفذ محاكاة افتراضية لعملية اقتحام أراضي الاحتلال عبر تفجير الجدار الفاصل.

وقال رئيس المجلس التنفيذي للحزب هشام صفي الدين آنذاك “شاهدتم جزءا رمزيا من جاهزية المقاومة، وإذا فكرتم بتوسيع عدوانكم للنيل من المعادلات التي صنعناها فسنمطركم بصواريخنا الدقيقة، وستشهدون أياما سودا لم تروا لها مثيلا”.

يومها، عبّرت إسرائيل عن خشيتها من رسائل مناورة حزب الله، ويبدو أن المقاومة الفلسطينية كرستها ولكن على غلاف غزة.

ومما قالته صحيفة يديعوت أحرونوت وقتها إن مناورة حزب الله “أشبه بهجوم على مستوطنات إسرائيلية وتنفيذ عمليات أسر باستخدام الطائرات المسيرة وراكبي الدراجات النارية”.

وكان أمين عام حزب الله حسن نصر الله من أوائل من تحدثوا عن نظرية “العبور” بنقل المعركة إلى داخل إسرائيل، حيث قال في 2019 إن المقاومة تخطط لدخول الجليل إذا وقعت حرب جديدة معها.

كل ذلك يدفع مراقبين إلى التساؤل عن علاقة حزب الله بعملية “طوفان الأقصى” ومدى الاستفادة من خبرته العسكرية، في ظل ما يتردد عن وجود غرفة عمليات مشتركة بين مختلف فصائل وأطراف محور المقاومة بالمنطقة.

تنسيق مع المقاومة

يقول مطلعون على موقف الحزب إنه على تنسيق مستمر مع حركة حماس وفصائل المقاومة، حيث تصله التقديرات العسكرية الميدانية لدراستها، ورغم تبادل القصف في مزارع شبعا فإن جبهة الجنوب ما زالت تحت السيطرة “باعتبار أن المقاومة الفلسطينية كرست بمعركتها منظومة الإيذاء لإسرائيل، وطالما أن غزة قادرة على إدارة المواجهة الفلسطينية حتى الآن فلن يتدخل الحزب عسكريا”.

وأكدوا للجزيرة نت أن الحزب يراقب عملية “طوفان الأقصى” كتجربة عسكرية ومادية وتطبيقية انكشفت فيها إسرائيل أمامه، وقد يصعب عليها استحداث تكتيكات عسكرية حديثة، وسط عجزها عن التصدي لهجوم المقاومة الفلسطينية.

في المقابل، تدرك إسرائيل أن لحزب الله جبهة أكبر من جبهة غزة، حيث لديه شبكة أنفاق أوسع ومدى حيوي وكثافة نارية قادرة على إشغال كل منظومات الاعتراض الإسرائيلي.

ويرى خبراء أن اشتداد المعركة يعيق قدرة قوات الاحتلال الإسرائيلي على خوض حرب موازية، وكلما استنزفت عسكريا في غلاف غزة تراجعت قدرتها على فتح جبهة لبنان.

وبحسب مراقبين، فإن محددات دخول حزب الله المعركة هي:

  • التدخل ردا على اعتداء لقوات الاحتلال على الأراضي اللبنانية وبما يخرق قواعد الاشتباك.
  • أو بلوغ معركة غزة مرحلة تحتاج فيها المقاومة الفلسطينية للمساعدة والمساندة.

سيناريوهات وتداعيات

وفي هذا السياق، يجد الكاتب والمحلل السياسي توفيق شومان أن لبنان والعالم ينظران إلى معركة غلاف غزة على أنها سحب لمبادرة فتح النار من جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وقال شومان إن “طوفان الأقصى” أخطر وأهم عملية منذ 1948 حين كانت إسرائيل تقف أمام تحدي بناء الدولة، أما الآن فتقف أمام امتحان الدفاع عن الدولة ووجودها.

وفي حديثه للجزيرة نت يرجح شومان أن تؤدي عملية “طوفان الأقصى” إلى صراع إسرائيلي داخلي عبر طرح سؤال: إسرائيل إلى أين؟ لكن قلقها يتفاقم على ثلاث جبهات: الضفة الغربية وغزة وجنوب لبنان.

وتعقيبا على دعوة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية المقاومة في الضفة الغربية والحلفاء الإستراتيجيين لمشاركة غزة بصناعة النصر، قال شومان “يذكّر هنية العالم بأن العملية ليست على غلاف غزة فحسب، بل إن حلفاء المحور الممتد من غزة إلى الجنوب اللبناني وطهران وحتى اليمن معنيون بها، وإذا سعت إسرائيل لتوسيع عدوانها فستفتح على نفسها جبهات أخرى”.

ووفق شومان، فإن العلاقة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وحزب الله معلنة لجهة التخطيط ورسم السيناريوهات والتجهيز اللوجستي، مذكرا بالاجتماعات المكثفة في الآونة الأخيرة بين الحزب والمقاومة الفلسطينية، وكان لافتا أخيرا ظهور نصر الله بصورة مع قيادي حركة حماس صالح العاروري والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة.

وما تشهده غزة يحاكي -برأيه- مناورات حزب الله، وقد أجرت إسرائيل أكثر من مناورة للتصدي لهجوم محتمل للحزب على المستوطنات.

ويعتبر أن المبادرة حاليا بيد المقاومة الفلسطينية، وتدخل حزب الله رهن التطورات، كتهجير الفلسطينيين من غزة أو اتساع رقعة الهجوم الصاروخي عند الخط الأزرق.

ويرى شومان أن أحداث غزة ستجمد مسارات التطبيع والتفاهم مع إسرائيل، لأن المعركة ستفرض تحولات كبرى من غزة إلى لبنان وسوريا وسائر المنطقة.

تخفيف ضغط الاحتلال

وبشأن التبادل الصاروخي جنوب لبنان، يجد الكاتب والمحلل السياسي علي شكر أن تطوره خارج حدود قواعد الاشتباك رهن اتساع جبهات القتال في غلاف غزة.

وهناك ثمة نقطة تحول جذري في القضية الفلسطينية -بحسب شكر- وانعكاس لاتساع نطاق وحدة الساحات بإنشاء نوع من التكتل “أضيفت إليها مع إيران وفصائل المقاومة وحزب الله الساحة السورية، وبعض المؤشرات لاحت من الأردن، وثمة أصداء من مصر أيضا”.

وما تخشاه إسرائيل فهو -برأي شكر- تداعيات انقلاب معادلة الإمساك بفتح الجبهة، والتي أدت إلى اقتحام نحو سبع مستوطنات وأسر جنود وقياديين إسرائيليين واقتحام مراكز عسكرية.

لذا، يجد شكر أن حزب الله بقصفه جنوبا يسعى إلى تخفيف الضغط الإسرائيلي على غزة ضمن تكتيك بث الحيرة والرعب لدى إسرائيل وتشتيت تركيزها، مع السعي لاستغلال نقاط ضعفها المكشوفة عسكريا، مضيفا أن “إسرائيل عاجزة عن فتح جبهتين، لأنها تخشى من تهديد حزب الله باقتحام الجليل”.

شاركها.
Exit mobile version