يتنكرون كفلسطينيين ويندسون بينهم لأداء مهام استخباراتية أو لعمليات الاعتقال والاغتيال، كانوا يشاركون في العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تصاعدت بشكل شبه يومي بالمدن الفلسطينية منذ أوائل العام الماضي.. هم أفراد وحدات إسرائيلية خاصة يطلق عليهم “المستعربون” والذين سلطت حلقة (2023/5/8) من برنامج “للقصة بقية” الضوء على طبيعة تشكيلهم ومهامهم.

يصفهم داني ياتوم الرئيس الأسبق لجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) بأنهم في غاية الأهمية لأنهم يعرفون كيف يظهرون وسط جنين ونابلس، ويبدون مثل العرب، ومن ثم ينفذون الهجمات. في حين يكشف إيلون بيري، وهو قائد ومستعرب سابق بالقوات الخاصة الإسرائيلية إن المستعرب يقوم بما لا يستطيع الجندي النظامي القيام به، يتحدث العربية بطلاقة، ويفهم الثقافة ويمشي في شوارع قطاع غزة دون أن يثير أي شك.

وتختار قوات الأمن والجيش الإسرائيليان عناصر وحدة المستعربين بعناية ويخضعون لتدريب طويل ومكثّف على حرب المدن، وتسند لهم مهمة جمع المعلومات الاستخباراتية ومطاردة الفلسطينيين المطلوبين بطرق مختلفة.

وفي لقاء حصري مع برنامج “للقصة بقية” الذي بثته قناة الجزيرة، كشف القائد والمستعرب السابق بالقوات الخاصة الإسرائيلية خفايا عمل وحدة المستعربين في فلسطين، وقال إن هناك وحدة خاصة داخل وحدة المستعربين يسمونها “رأس المستعربين” وهؤلاء أشخاص مختلفون لديهم القدرة على أن يكونوا جواسيس، ولديهم موهبة التمثيل ويمكنهم الانتقال من شخصية إلى أخرى. كما أن خطة المستعربين وقائد القوات السرية يجب أن تحصل على موافقة رئيس الوزراء، وإذا لم يوافق فلن تنفذ العملية.

ومن خلال تعقّب تحقيق “للقصة بقية” المداهمات في أنحاء الضفة الغربية وجد أنّ الوحدات السرية هي التي تقودها بشكل أساسي، وقد ارتكز التحقيق على تقصي مداهمة البلدة القديمة في نابلس التي وقعت في فبراير/شباط 2023 وأسفرت عن استشهاد 11 فلسطينيا وإصابة 100 حيث تم جمع أكثر من 10 شهادات من شهود عيان، ومراجعة أكثر من 30 مقطع فيديو ولقطة كاميرات مراقبة، لتحديد الموقع الجغرافي للحوادث الكبرى، وتتبع ميدانيا الأدلة البصرية في مختلف أنحاء المدينة القديمة بالتعاون مع محقّقي المصادر المفتوحة العاملين في تتبع النشاطات الإسرائيلية بالأراضي الفلسطينية المحتلة “كريس أوسيك” و “غابور فريسن”. ومن خلال تعقّب البرنامج لعمل هذه الوحدة، تبيّن أنّ عملية مطاردة الفلسطينيين المطلوبين تمرّ بمراحل ثلاث:

الأولى: جمع المعلومات الاستخباراتية، أو المعلومات الساخنة، كما يسمونها، وتتولاها وحدة سرية ذات خبرة وعناصر هذه المهمة ينزرعون بين الفلسطينيين لمدة زمنية طويلة قد تصل لأعوام. والمرحلة الثانية: إرسال عناصر القوات الخاصة “الكوماندوز” للتسلل وتنفيذ المهمة، وفي الغالب تكون اختطافا أو إعداما. أما المرحلة الأخيرة فتتمثل بالتدخل العسكريّ للقوات والمدرّعات.

خطة المستعربين تحتاج موافقة رئيس الوزراء

وخلال سعي برنامج “للقصة بقية” للكشف عن الأنماط المستخدمة في مداهمات نابلس وجنين في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2023، توصّل إلى تحقيق أجرته وحدة التحقيق المعماري في مؤسسة الحقّ بالتعاون مع Forensic Architecture حيث انفرد البرنامج بنشر نتائجه بشكل حصريَ.

وقد كشف التحقيق أنماطا عدة نفّذت من خلالها قوات الاحتلال مداهمات في المناطق المكتظة بالسكان في كل من جنين ونابلس، متسللة أولاً في النسيج الحضري لهذه المناطق، حيث تنشر القوات الإسرائيلية سيارات ذات مظهر مدنيّ أو جنود يرتدون ملابس مدنية، ثم يداهم الجيش منازل المدنيين مستخدما منازلهم قواعد عسكرية لتمركز قناصته، ويطوّقون المنزل المستهدف بحصاره من المنازل حوله من جميع الجهات.

وكشف التحقيق تطبيق الجيش تقنية “طنجرة الضغط” خلال مداهمات نابلس وجنين من يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضي، عندما طوّقوا المنزل المستهدف الذي زعموا أن مقاتلي المقاومة الفلسطينية يحتمون فيه، ثم هاجموه بالصواريخ المضادة للبناء، مستخدمين بناء المنزل سلاحا ضد مقاتلي المقاومة الفلسطينية الموجودين داخلَه.

وتطرق الخبير بالشؤون الإسرائيلية الدكتور سعيد بشارات -في حديث لبرنامج “للقصة بقية”- عن اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، وقال إن وحدة من القوات الخاصة قامت باستهدافها في عملية لم تكن عبثية، مؤكدا أن عمليات القنص لا تتم إلاّ بعد التأكد من الهدف المقصود.

ويذكر بشارات أن تقارير إسرائيلية لم تستبعد مسؤولية أحد أفراد وحدة “دوفدوفان” وهي وحدة إسرائيلية سرية لما يسمون المستعربين.

ونوّه إلى أن استخدام المستعربين بشكل مكثف في نابلس وجنين يعود لقدرتهم على التخفي والدخول داخل التجمعات الفلسطينية، لتسهيل دخول الجيش الإسرائيلي إليها، مشيرا إلى أن تشكيل هذه الوحدات يعود إلى عام 1949 عندما شكل أول قسم عربي لجمع المعلومات عن الفلسطينيين وتجنيد العملاء.

واستبعد بشارات إمكانية ملاحقة المستعربين دوليا لأنهم غير معروفين ويتبعون الجيش الإسرائيلي، وحتى في حال اغتيال صحفيين -كما حدث مع شيرين- يتم تشكيل لجنة داخل الجيش تتولى التحقيق لمنع أي تحقيق دولي.

ومن جهته، استبعد بروس فاين الخبير القانوني ونائب مساعد وزير العدل الأميركي سابقا أن تتم ملاحقة إسرائيل بسبب جرائم المستعربين، أو أن تقوم إدارة الرئيس جو بايدن بفعل أي شيء في هذه الإطار، متحدثا عن التأثير الذي تمارسه تل أبيب على الكونغرس.

عمليات باءت بالفشل

وعن الأضرار التي تسببها وحدة المستعربين، يؤكد إيال وايزمان رئيس قسم هندسة الطب الشرعي في Forensic Architecture أنها لا تقتصر على جريمة القتل وتدمير الممتلكات بالمدن الفلسطينية، بل تمتد إلى النسيج الاجتماعي في المدن الفلسطينية.

ورغم إستراتيجيات عمليات وحدة المستعربين العسكرية والاستخباراتية السرية، فإن هذه العمليات باءت بالفشل في أحيان كثيرة، وتمكن الفلسطينيون من إيجاد وسائلهم الخاصة لتخطي هذه الإستراتيجيات التي لا تزال خارج المساءلة القانونية ومحاسبة المجتمع الدولي رغم توصيف بعضها بأنها جرائم حرب.

شاركها.
Exit mobile version