واشنطن- مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تخشى الأجهزة الأمنية الأميركية من تبعات ذلك على اليهود والمسلمين الأميركيين، في وقت يستعد فيه الطرفان لتصاعد موجة الاحتجاجات والمظاهرات، وسط مخاوف من تفاقم جرائم الكراهية والمضايقات من كل طرف للطرف الآخر.

يعيش في الولايات المتحدة ما يقارب 5.8 ملايين يهودي ونحو 3.4 ملايين مسلم، ولا تبعد مناطق تركز الجاليتين عن بعضهما البعض، ورغم وجود السكان المسلمين واليهود الأميركيين في مختلف الولايات الأميركية فإن وجودهم يتركز في 6 ولايات هي نيويورك ونيوجيرسي وإلينوي وكاليفورنيا وتكساس وفلوريدا.

من جانبه، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن على ضرورة رفض الكراهية بكل أشكالها، وعلى أن التاريخ يخبرنا أن معاداة السامية ومعاداة الإسلام مرتبطة في ما بينهما، كما أن بايدن اجتمع الثلاثاء الماضي مع قادة الجالية اليهودية وأكد على التزام إدارته بدعم إسرائيل ومكافحة معاداة السامية داخل الولايات المتحدة.

وقبل ذلك بيوم واحد قال بايدن “لا يوجد مكان للكراهية في أميركا، لا ضد اليهود ولا ضد المسلمين، ولا ضد أي شخص، ما نرفضه هو الإرهاب، إننا ندين الشر العشوائي، تماما كما فعلنا ونفعل دائما”.

لكن بايدن لم يجتمع بعد مع قادة الجاليات الفلسطينية أو العربية أو الإسلامية، ولم يعلن البيت الأبيض عن خطط لأي لقاء.

مئات المتظاهرين يشاركون بمظاهرة داعمة للفلسطينيين في واشنطن العاصمة (الفرنسية)

مخاوف أمنية

وبينما يهيمن التوتر على الجاليات اليهودية والمسلمة في الولايات المتحدة بعد أسبوع من بدء عملية طوفان الأقصى قال مسؤولون في وزارة الأمن الداخلي إنهم لا يملكون أي معلومات استخباراتية موثوقة محددة تشير إلى تهديد محتمل داخل الولايات المتحدة، لكنهم يراقبون “مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة التي قد تكون مدفوعة بمشاعر معادية للسامية أو الإسلاموفوبيا أو معادية للعرب”.

ويخشى كثير من المراقبين من تأثير مما بثته وتبثه مختلف وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من صور دمار وضحايا أبرياء على دفع البعض للقيام بأعمال عنف ضد الطرف الآخر.

وبالفعل شهدت بروكلين (إحدى مقاطعات مدينة نيويورك الخمس) زيادة كبيرة في البلاغات من مواطنين مسلمين ويهود عن تعرضهم لمضايقات وأحيانا لهجمات بالضرب من الجانب الآخر.

كما ألقت شرطة بروكلين القبض على عضوة في مجلس المدينة التشريعي إينا فيرنيكوف بعد أن شوهدت على وسائل التواصل الاجتماعي وهي تُظهر مسدسا أثناء مرور مسيرة مؤيدة للفلسطينيين في جامعة بروكلين، واتُهمت العضوة الجمهورية بالحيازة الجنائية وغير القانونية لسلاح ناري، في الوقت الذي قالت فيه إنها كانت هناك لمساعدة “الطلاب اليهود على الشعور بالأمان”.

وتضم المقاطعة جالية ضخمة وقديمة من اليهود، وشهدت خلال الأربعين عاما الماضية انتقال مئات الآلاف من المهاجرين المسلمين القادمين من دول عدة -على رأسها فلسطين ومصر والأردن واليمن- للإقامة فيها.

كما وقعت حوادث عدة منفصلة خلال الأسبوع الماضي، خاصة في المدن الكبيرة التي تضم نسبة كبيرة من المسلمين واليهود بين سكانها، وعززت مدن أميركية كبرى -من بينها نيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو وواشنطن العاصمة- الإجراءات الأمنية، خاصة في المناطق المحيطة بدور العبادة كالمساجد الإسلامية والمعابد اليهودية.

شبكات | فرقة تحرير الرهائن الأمريكية إلى إسرائيل

مخاوف متبادلة

أعطى وصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى الحكم عام 2016 دفعة قوية للتيارات اليمينية الشعبوية التي بدورها هاجمت اليهود بدعوى سيطرتهم على مفاصل الحياة المالية والسياسية والثقافية الأميركية، وهاجمت المسلمين بدعوى ارتفاع عددهم بسبب عدم ضبط سياسة الهجرة، وربطتهم بالإرهاب وبمحاولة أسلمة المجتمع الأميركي.

وفرض ترامب سياسة حظر ودخول مهاجرين من دول عدة مسلمة، ودفع خطابه السياسي إلى ارتفاع جرائم الكراهية ضد اليهود والمسلمين.

وتدرك الأجهزة الأمنية الأميركية حاليا أن الولايات المتحدة ليست بعيدة عن ساحة القتال في الشرق الأوسط بسبب دورها في الصراع ووجود ملايين الأميركيين من اليهود والمسلمين المعنيين بأدق تفاصيل عمليات العدوان الجاري على قطاع غزة.

ساحات المواجهة

ومع انتشار الجمعيات الطلابية المنظمة القائمة على أسس دينية وعرقية ولغوية في أغلب الجامعات الأميركية وفي مختلف ولايتها نشطت الجمعيات الإسلامية والعربية خلال الأيام الأخيرة للترويج للجانب الفلسطيني، فيما نشطت الجمعيات اليهودية للترويج للجانب الإسرائيلي.

يقول كوري سايلور مدير الأبحاث والتواصل في مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) -وهو أكبر منظمات الجالية الإسلامية بأميركا- “في الوقت الحالي هناك استهداف شرس بشكل غير عادي للطلاب الذين يدعمون فلسطين، من حيث الحجم والشدة هو شيء لم أشهده من قبل”.

وقال سايلور إن منظمته قلقة بشكل خاص بشأن الشباب في حرم الجامعات الأميركية، والذين واجهوا مضايقات وتهديدات عنيفة بسبب تعبيرهم عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني.

وأصدرت لجنة التضامن مع فلسطين في جامعة هارفارد الأسبوع الماضي رسالة ذكر فيها الموقعون أنهم “يحمّلون النظام الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن كل أعمال العنف التي تتكشف”.

وقال الموقعون على الرسالة إن الأحداث “لم تحدث من فراغ”، كما أعربت مجموعات طلابية أخرى عن أسفها “للخسائر المدنية المدمرة والمتزايدة وللعنف”، مشيرة إلى أن معاملة الحكومة الإسرائيلية لفلسطين خلقت “ظروف عنف”.

وتلا صدور هذا البيان رد فعل عنيف، لأن العديد من الطلاب اليهود اعترضوا على أقرانهم الذين ألقوا باللوم على إسرائيل فقط في العنف، وشعروا أن الرسالة دعمت حماس.

وقفة احتجاجية للجالية اليهودية في نيويورك رفضا للعدوان على غزة (غيتي)

 

هل يتراجع نفوذ اليهود أمام نفوذ المسلمين؟

نظرا لأن اليهود أكثر رسوخا وأقدمية في الولايات المتحدة فإن ذلك يعني أنهم أيضا أكثر تعليما وأكثر ثراء، ومع ذلك تُظهر النتائج أن الفجوات في الدخل بين اليهود والمسلمين قد ضاقت بشكل كبير خلال السنوات السبع الماضية.

وعلى المستوى السياسي، يطغى الوجود اليهودي في العديد من الجهات الحكومية، وعلى رأسها وزارة الخارجية والمحاكم الفدرالية ومجلس الأمن القومي، وللتبسيط فإن وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان والكثير من فريق الشرق الأوسط في المجلس هم من اليهود.

كما أن هناك 9 أعضاء يهود في مجلس الشيوخ و26 عضوا يهوديا في مجلس النواب يخدمون في الكونغرس، في حين أن هناك 3 أعضاء مسلمين فقط في مجلس النواب هم إلهان عمر من ولاية مينيسوتا، ورشيدة طليب من ولاية ميشيغان، وأندريه كارسن من ولاية إنديانا.

وفي الوقت ذاته، يدفع واقع التركيبة السكانية وتغيراتها المستقبلية إلى نتائج إيجابية للمسلمين الأميركيين، فوفقا لتوقعات مركز بيو للأبحاث فإن التركيبة السكانية للولايات المتحدة التي يبلغ عددا سكانها حاليا 334 مليون شخص ستتغير، بحيث لن تكون اليهودية أكبر ديانة بعد المسيحية في الولايات المتحدة بحلول عام 2050، حيث يتوقع أن يكون عدد المسلمين الأميركيين أكثر من عدد اليهود.

ويرجع ذلك جزئيا إلى استمرار هجرة المسلمين إلى أميركا، حيث من المتوقع أن يشكل المسلمون 2.1% من سكان الولايات المتحدة في عام 2050، بارتفاع 1% (3.4 ملايين شخص) عن الوضع الحالي، في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة اليهود 2.4% (5.8 ملايين شخص) حاليا، ويُنتظر أن تقل إلى 0.09% بحلول عام 2050.

وهناك عاملان رئيسيان آخران يدفعان نمو نسبة السكان المسلمين، وهي أن لديهم حاليا أعلى معدل خصوبة تصل إلى 2.8 طفل مقابل 1.9 طفل لليهود، بالإضافة إلى صغر متوسط عمر المسلمين البالغ 24 عاما مقابل 41 عاما لليهود، وهو ما يدعم زيادة أعداد المسلمين عن اليهود مستقبلا.

شاركها.
Exit mobile version