​القدس المحتلة- في الوقت الذي يحيي فيه الفلسطينيون وأحرار العالم الذكرى الأولى لاستشهاد الصحافية شيرين أبو عاقلة برصاص الجيش الإسرائيلي، تراقب تل أبيب بقلق تجدد الأصوات الدولية التي دعت إلى فتح تحقيقات محايدة وتقديم الجناة للعدالة.

وعزا محللون مخاوف إسرائيل إلى تعالي الأصوات في المحافل الدولية وواشنطن والهيئات الحقوقية الدولية -التي تجددت في الذكرى الأولى لاغتيال شيرين- لفتح تحقيق دولي ومحاكمة الجناة الذين تسببوا بقتلها أثناء أدائها عملها الصحافي.

وأكدوا أن تجدد الدعوات لفتح التحقيقات المحايدة تأتي كون شيرين أبو عاقلة تعمل في شبكة تلفزيون عالمية، لها تأثير وإيقاع على مجريات الأحداث العالمية، وأيضا لكونها تحمل أيضا الجنسية الأميركية، وهي من الاعتبارات التي تضع إسرائيل في معضلة وأمام أزمة.

جرائم وانتهاكات

واستعرض محلل الشؤون العسكرية والأمنية في القناة الإسرائيلية “كان” إيال عليمه، وجهة النظر الإسرائيلية في كل ما يتعلق بالانتهاكات والجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين في المناطق المحتلة.

وأشار إلى ضرورة التمييز بين نظرة وموقف المجتمع الإسرائيلي، وتعامل المؤسستين الأمنية والعسكرية مع هذه الانتهاكات، ومنها مقتل الصحافية أبو عاقلة.

وأوضح عليمه -في حديثه للجزيرة نت- أن الانتهاكات والجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين من قبل الجيش ليست موجودة في الذاكرة الجماعية للمجتمع الإسرائيلي الذي يتصرف كأنه لا وجود لانتهاكات في الجانب الفلسطيني، حيث لا يبدي المجتمع الإسرائيلي أي اهتمام أو حساسية لما يحصل في الساحة الفلسطينية من أحداث، ولا حتى ملابسات مقتل أبو عاقلة.

هواجس ومخاوف

ومن وجهة نظر إسرائيل الرسمية، يقول عليمه إن ما يحصل بالساحة الفلسطينية، وتحديدا مقتل أبو عاقلة، يقلق ويشغل بال إسرائيل التي تخشى أن يكون لذلك تداعيات وانعكاسات سلبية في المحافل الدولية، وتحريك دعاوى ضدها في المحكمة الجنائية الدولية.

وحيال ذلك، يعتقد عليمه أن إسرائيل في وضع حساس جدا، كونه لا يوجد أي تغيير في سياسات ونهج الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية بعد مقتل أبو عاقلة، إذ تكررت الأحداث التي أصيب بها صحافيون ومدنيون من قبل القوات الإسرائيلية.

ومن ناحية جيش الاحتلال الإسرائيلي، يقول عليمه إن هذه الأحداث وتداعيات ملف أبو عاقلة يقلق الأوساط العسكرية، بسبب تعامل المجتمع الدولي والمؤسسات القضائية والحقوقية، والإجراءات التي تُحرَّك في محكمة الجنايات الدولية، وهو ما يضع الكثير من علامات الاستفهام حول نهج الجيش الإسرائيلي بالضفة.

إجراءات وتحقيقات

وأشار عليمه إلى أن إسرائيل قلقة من هذه الإجراءات، وكذلك من التحقيق في المزيد من الانتهاكات والحوادث التي قام بها الجنود بالضفة مؤخرا، وهو ما يشير إلى أن هناك تأكلا وتراجعا في الموقف الإسرائيلي دوليا في هذه الملفات.

وتخشى إسرائيل -وفقا لتقديرات عليمه- من أن يفضي هذا الحراك الدولي في هذه الملفات إلى فتح تحقيقات ضد كبار الضباط وحتى الجنود في الجيش الإسرائيلي، ممن قد يجدون أنفسهم يحاكَمون في المحافل الدولية بسبب الخدمة العسكرية، وهو ما ستكون له انعكاسات سلبية كبيرة على المؤسسة العسكرية التي تبدو قلقة.

وعلى الرغم من ذلك، لا يعتقد المتحدث أن إسرائيل ستمضي إلى فتح التحقيق مجددا في مقتل شيرين أبو عاقلة، بل ستبقى تراوغ ولربما تتجه إلى التوصل إلى تفاهمات غير معلنة مع واشنطن وجهات أخرى، ومواجهة الأحداث دبلوماسيا ودوليا، لا معالجتها واستخلاص العبر.

جنائي وعملياتي

ذات الطرح يتبناه المختص بالقانون الدولي وحقوق الإنسان المحامي معين عودة، الذي يعتقد أن إسرائيل تخشى التحقيق بجميع جرائمها وليس فقط بقضية استهداف شيرين أبو عاقلة، ولذلك ما زالت تسعى من وراء الكواليس قبالة واشنطن على وجه الخصوص لإبقاء الملف طي الكتمان.

وردا على سؤال الجزيرة نت عما إذا كانت إسرائيل ما تزال تخشى شيرين أبو عاقلة، قال عودة إن “تل أبيب تعي جيدا أن فتح تحقيق دولي شامل بقضية استهداف أبو عاقلة، سيفتح الطريق أمام تحقيقات دولية إضافية بقضايا وجرائم أخرى، وهنا يأتي التخوف الإسرائيلي، فتحقيق دولي كهذا لن يتوقف عند قضية استهداف أبو عاقلة”.

وحيال الهواجس الإسرائيلية من إمكانية فتح ملف التحقيق في اغتيالها، يُطرَح السؤال الرئيسي في تل أبيب بشأن ما يجب فعله، خصوصا أن إسرائيل “لم تفتح تحقيقا جنائيا بل تحقيقا عملياتيا داخليا للجيش الإسرائيلي، وهو مجرد فحص هدف بالأساس إلى منع أي تحقيق دولي، لأن التحقيقات الدولية عادة ما تكون عند انعدام أي تحرك أو تحقيق داخلي”، بحسب عودة.

ضبابي وضعيف

وأشار عودة إلى أن نتائج الفحص والتحقيق الداخلي للجيش الإسرائيلي كانت ضبابية وغير واضحة وضعيفة وغير مقنعة، خصوصا أنها خلصت إلى أنه “لم يكن من الممكن تحديد مصدر إطلاق النار الذي أصاب شيرين أبو عاقلة”، وذلك على الرغم من أنها أشارت إلى أن شيرين لربما أصيبت بنيران إسرائيلية عن طريق الخطأ.

وعليه، يرى المختص بالقانون الدولي أن إسرائيل في مأزق حقيقي، وذلك كون نتائج الفحص الداخلي أقرت بوجود احتمال كبير لأن تكون شيرين قد أصيبت عن طريق الخطأ بنيران جندي إسرائيلي ظنها أحد المسلحين، بيد أن سلطات الجيش لم تجد ما يبرر فتح تحقيقات في القضية من قبل الشرطة العسكرية.

وأمام موقف جيش الاحتلال المعلن، يقول عودة “بدا التحقيق الداخلي للجيش في هذه القضية ضعيفا وغير حاسم، ويدفع باتجاه تحقيق دولي، وذلك على الرغم من أن قضايا استهداف أكثر وضوحا ومع عدد ضحايا أكبر بكثير قد مرت بلا حساب”.

تكتم ورفض

وأرجع عودة تعزيز فرص فتح تحقيقات دولية إلى جنسية شيرين أبو عاقلة الأميركية، وكذلك عملها مع شبكة إخبارية عالمية بحجم الجزيرة، إضافة إلى الفيديوهات التوثيقية، إذ ساهم عدم تقديم أي جندي للمحاكمة في إقناع الرأي العام العالمي بأن إسرائيل تتكتم على الحقيقة وترفض أي مساءلة حتى ولو كانت شكلية لأي من جنودها.

ورغم هذه المراوغة والتعنت الإسرائيلي، استبعد عودة أن يؤدي الفتور في العلاقات الأميركية الإسرائيلية إلى دعم حقيقي من قبل واشنطن لتحقيق دولي ودعم المحكمة الجنائية الدولية في هذا الملف، وهو الإجراء الذي من شأنه فتح المزيد من الملفات عن الوضع والجرائم والانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين.

شاركها.
Exit mobile version