في تطور لافت، أعلنت فصائل محلية في السويداء السورية -أول أمس- عن تشكيل عسكري جديد تحت مسمى “الحرس الوطني” بدعم وإشراف من الشيخ حكمت الهجري أحد المراجع الروحية للطائفة الدرزية في المحافظة.

ووفق البيان المصور الذي رافق الإعلان، يضم هذا التشكيل 30 فصيلًا محليًا اندمجت في إطار واحد، بهدف “حماية الجبل وصون الهوية التوحيدية” مؤكدا “ضرورة توحيد الجهود في مواجهة الحكومة السورية، التي لم تفرق بين بشر أو حجر”.

غير أن هذه الخطوة -التي قد تبدو في ظاهرها محاولة لتوحيد السلاح وضبط الأمن- تحمل في طياتها دلالات أعمق بحسب رافضيها، فهي تعكس سعي الهجري لتكريس موقعه كمرجعية سياسية بجانب القيادة الروحية، ومحاولة لفرض نوع من الحكم الذاتي المرتبط بمشاريع خارجية.

ومن جهة أخرى، تكشف الخطوة حجم الانقسام داخل البيت الدرزي، حيث انقسمت المواقف بين مؤيد يرى في الحرس الوطني مظلة للحماية والاستقرار، ورافض يخشى أن يتحول إلى مشروع يكرّس عزلة السويداء ويفتح الباب أمام تدخلات خارجية.

عناصر من المسلحين الموالين للهجري خلال دورية في السويداء (الفرنسية)

مم يتكون “الحرس الوطني”؟

جاء إعلان تشكيل “الحرس الوطني” خطوة شكلية حيث ارتكز على اندماج نحو 30 فصيلًا محليًا في المحافظة، وإن كانت في معظمها فصائل صغيرة، حيث نأت معظم الفصائل الكبرى بنفسها عن التشكيل الجديد، مما يقلل أهميته بحسب رافضيه.

ومن بين الفصائل المنضوية في التشكيل ما تسمى قوة مكافحة الإرهاب المرتبطة بحزب اللواء الذي يدعو لانفصال السويداء وأعلن مؤخرا عن صلاته بإسرائيل، إضافة إلى اللواء 164 الذي شكله ضباط وأفراد في جيش النظام السابق، وأعلن انضمامه رسميًا بعد زيارة “مباركة” إلى دار قنوات، وذلك بحسب ما نشره اللواء على صفحته على فيسبوك.

ومن الفصائل الوازنة التي يحيط الغموض موقفها من التشكيل الجديد “لواء الجبل” بقيادة شكيب عزام الذي يضم نحو 5 آلاف مقاتل وفق تقارير، فهو لم يكن من بين أطراف التأسيس، ويتم تداول بيان له على فيسبوك غير مؤكد حول انضمامه إلى “الجيش الموحد” إلا أنه لم يتم إعلان أو تبني هذا الانضمام عبر المعرفات الرسمية لـ”الحرس الوطني”.

أما المجلس العسكري في السويداء بقيادة العقيد بجيش النظام السابق طارق الشوفي، فلم يعلن انضمامه إلى “الحرس الوطني” وسط حديث عن خلافات مع الهجري.

كما نأت حركة رجال الكرامة بقيادة الشيخ يحيى الحجار (كبرى الفصائل المسلحة في السويداء وأهمها) عن التشكيل الجديد، حيث لم تكن طرفا في تشكيله ولم تعلن الانضمام إليه.

وبرر أحد قياديي “الحرس الوطني” -بحسب ما نقلته صفحة السويداء 24 المحلية- هذه الخطوة بأنها محاولة لـ”ملء الفراغ الأمني وضمان عدم انزلاق المنطقة إلى الفوضى بعد غياب الأجهزة الرسمية، وتوحيد الصفوف من خلال جمع الفصائل تحت قيادة واحدة بدل التشتت والتنافس، وضبط السلاح العشوائي الذي يهدد استقرار المجتمع”.

وكان الشيخ الهجري بدأ باتخاذ خطوات تصعيدية داخل السويداء منذ منتصف الشهر الماضي، منها تشكيل “اللجنة القانونية العليا” و”لجان للإدارة المحلية” كما أعلن مطلع الشهر الحالي تشكيل مجلس تنفيذي جديد للمحافظة وتعيين قائد للأمن الداخلي، إضافة إلى دعم مظاهرات تطالب بالحماية الإسرائيلية والاستقلال التام.

متظاهرون يرفعون علم إسرائيل في السويداء "مطالبين بحق تقرير المصير"

بين الرفض والتريث

لم يحظَ إعلان تشكيل “الحرس الوطني” بإجماع داخل السويداء، بل كشف عن انقسام بين الفصائل والشخصيات المحلية. ففي الوقت الذي عدّه أنصار الهجري مظلةً موحّدة لحماية الجبل، خرجت أصوات رافضة اعتبرت الخطوة نسخة من تجارب مليشاوية إقليمية.

ومن جانبه وصف ليث البلعوس القيادي في تجمع “الكرامة” بالسويداء -في منشور على صفحته في فيسبوك- التشكيل بأنه “نسخة عن الحرس الثوري الإيراني” محذرا من تداعياته على مستقبل المحافظة.

وانتقد البلعوس ظهور الهجري محاطًا بقادة فصائل اتُّهموا محليًا بالخطف والنهب والارتباط بأجهزة أمنية سابقة مثل “قوات الفهد” و”قوات سيف الحق” معتبراً أن الرسالة التي تلقاها الأهالي لم تكن “رسالة حكمة ومسؤولية” بل إشارة إلى مزيد من العسكرة والفوضى في وقت يحتاج فيه الناس إلى حلول ومعالجات لأزماتهم المعيشية الخانقة.

ومن جهته، لم يعلق قائد تجمع “أحرار جبل العرب” سليمان عبد الباقي على الإعلان عن تشكيل “الحرس الوطني” لكنه كان قد اتهم عبر صفحته الشخصية على فيسبوك أنصار الهجري بمهاجمة منزله في السويداء وخطف والده وإشهار السلاح على عائلته، إلى جانب محاولات متكررة لإحراق منزله وسرقة ممتلكاته.

وفي المقابل، جاء موقف حركة “رجال الكرامة” -أكبر فصيل مسلح في السويداء- أكثر حذرا، فالحركة التي يقودها الشيخ يحيى الحجار ويُقدَّر عدد مقاتليها بين 5 و8 آلاف عنصر، رحّبت بالإعلان واعتبرته خطوة “تستجيب لمتطلبات المرحلة الحساسة” لكنها لم تعلن حتى الآن انضمامها رسميًا إلى التشكيل.

وكان المتحدث باسم الحركة باسم أبو فخر، علق الجمعة الماضية على أنباء المباحثات التي سبقت تشكيل “الحرس الوطني” بأن انضمامها إليه “غير وارد حالياً” في ظل غياب الوضوح بشأن ماهية هذا الجيش.

وقد ثمن البلعوس موقف الحركة بعدما ظهر أنها ليست بين تلك الفصائل المعلن عن مشاركتها في تشكيل “الحرس الوطني” قائلا إن “لذلك دلالات خير نستبشر بها”.

وتُعد حركة “رجال الكرامة” منذ تأسيسها عام 2013 القوة الأكثر نفوذًا وعددًا بالمحافظة، وحافظت على استقلاليتها عن أي سلطة سياسية أو أمنية خارجية، مما يجعل موقفها اليوم عاملًا حاسمًا في ترجيح كفة “الحرس الوطني” أو إبقائه محدود التأثير.

ليث البلعوس شبه تشكيل “الحرس الوطني” في السويداء بالحرس الثوري الإيراني (مواقع التواصل)

بين الضرورة الأمنية وهواجس العسكرة

ترى شريحة من أهالي السويداء أن تشكيل “الحرس الوطني” جاء استجابة طبيعية للفراغ الأمني الذي تركته مؤسسات الدولة بعد أحداث يوليو/تموز، وأنها لم تعد خيارا سياسيا بقدر ما باتت ضرورة وجودية.

وفي هذا السياق، يقول محام بمدينة السويداء رفض الكشف عن اسمه لدواع أمنية “لا تهمني التسمية بقدر ما يهمني وجود تنظيم يجمع الفصائل المسلحة في السويداء، قادر على صد أي هجوم ومنع وقوع كارثة إنسانية أو مجزرة كما حدث سابقًا”.

ويضيف المحامي للجزيرة نت “لو كان هناك جيش متحد ومنظم لما تجرأ أحد على الهجوم، ولما رأينا أعدادا من الشهداء والضحايا، والأهم أن تنظيما كهذا بوجود تسلسل قيادي واضح ينظم السلاح ويمنع العبث، ويضمن أمن المجتمع والقرى”.

ومن جانبه، يرى الأكاديمي فايز قنطار، وهو من أبناء السويداء، أن تشكيل “الحرس الوطني” يمثل خطوة ضرورية لترتيب البيت الداخلي وتوحيد الفصائل تحت راية واحدة، وليس بغرض “فرض مشروع سياسي أو الانفصال عن الدولة، بل بهدف منع الفوضى وحماية المجتمع المحلي من أي تهديدات”.

ويوضح قنطار -في حديثه للجزيرة نت- أن أبناء المحافظة يبنون خطوط دفاع عن أنفسهم ولا يسعون إلى الاعتداء على أحد، مضيفاً أن هذا التشكيل قد يشكّل نواة لقوة منظّمة تحافظ على استقرار السويداء في انتظار أن تنتقل سوريا إلى مرحلة الدولة الجامعة التي تحتكر السلاح وتبسط سلطتها على كامل الأراضي.

السويداء بين الرفض الصامت وسطوة الهجري

رغم الانقسامات الحادة التي أثارها إعلان تشكيل “الحرس الوطني” في السويداء، فإن كثيرًا من أبناء المحافظة، ولا سيما المثقفين والوجهاء، يلتزمون الصمت خوفًا من نفوذ الهجري والفصائل المسلحة الموالية له.

وفي هذا السياق، قال أحد أبناء العشائر بمدينة السويداء فضّل عدم كشف هويته -للجزيرة نت- إن ما يطرحه الهجري من شعارات عن “الدفاع عن الأرض والعرض” و”ملء الفراغ الأمني” يخفي في الواقع مسعى لفرض أمر واقع يجعل “الحرس الوطني” الذراع العسكرية لمشروع إدارة محلية يسعى لترسيخها.

وأضاف المصدر العشائري أن كثيرًا من الأهالي والمثقفين “يرفضون عسكرة المجتمع، لكن إرهاب المجموعات العسكرية التابعة للهجري يمنعهم من إعلان موقفهم”.

ولم يقتصر هذا الخوف على المدنيين، بل طال شخصيات بارزة من مشيخة الدروز، إذ أكدت “مضافة الكرامة” في بيان نشرته يوم الجمعة 22 أغسطس/آب أن مجموعات تابعة للهجري حاولت الاعتداء على منزل يوسف الجربوع أحد مشايخ طائفة الموحدين الدروز.

كما اتُهمت فصائل موالية للهجري بالاعتداء على “دار الطائفة-مقام عين الزمان” في سابقة وصفتها “مضافة الكرامة” على لسان البلعوس عبر صفحته على فيسبوك بأنها “جريمة بحق الرمزية الدينية والوطنية” محذراً من أنها تمثل مساسًا مباشرًا بحرمة الطائفة ومقامها الروحي.

وفي سياق متصل، كشف أحد أعضاء الحراك الثوري بالسويداء للجزيرة نت أن العديد من الفصائل المحلية امتنعت عن الانضمام إلى “الحرس الوطني” معتبرة أنه يفتقد لأي صبغة وطنية، وأن وراءه ارتباطات خارجية ومشروعًا مشبوهًا، لكنها في الوقت ذاته تخشى أن يؤدي إعلان موقف صريح لاندلاع اقتتال داخلي.

وكان مسؤول حكومي سوري أكد -في وقت سابق- أن الهجري يسعى لفرض صيغة حكم ذاتي بالمحافظة، بحسب ما نقلت عنه وكالة الأناضول، معتبرا أن الطرح يعكس محاولة لانتزاع قرار مستقل عن الدولة السورية، وتكريس نفوذ محلي بديل عن مؤسساتها.

شاركها.
Exit mobile version