واشنطن على صدر صفحتها الأولى في نسختها الورقية من عدد أمس الجمعة، أشارت صحيفة نيويورك تايمز إلى حادثة مقتل أكثر من 100 فلسطيني دون الإشارة إلى إطلاق الجيش الإسرائيلي النار عليهم، وذلك في تقرير من مراسلين لها من مدينة القدس المحتلة.

وجاء في عنوان التقرير “مقتل العشرات في غزة، بعد تجمع حشد يائس حول شاحنات الطعام، وروايات عن التدافع وإطلاق نار إسرائيلي”.

ودفع ذلك بخبيرة الشؤون الدولية والمتابعة للإعلام الأميركي آسال راد، للتغريد على منصة إكس مهاجمة الصحيفة، إذ قالت “كتبت صحيفة نيويورك تايمز ألغازا لتجنب القول إن إسرائيل تذبح الفلسطينيين وأنهم يتضورون جوعا عمدا في غزة”.

ورغم تمتع نيويورك تايمز بمصداقية وتقدير واسع داخل وخارج الولايات المتحدة، فإنها تمارس استثناء فيما يتعلق بتغطية العدوان الإسرائيلي على غزة، وهو ما يقلل من مصداقيتها ويسبب لها الكثير من الأضرار.

تحقيق داخلي

ومن أبرز ما يمكن وضعه في خانة الفضائح الصحفية ما تم الكشف عنه مؤخرا من بدء الصحيفة تحقيقا إثر تسريب تقرير عن تغطيتها لحرب إسرائيل على غزة، وسط نقاش داخلي محتد داخل الصحيفة، حول تغطيتها للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والقضايا المرتبطة به.

وبدأ التحقيق إثر كشف موقع “ذي إنترسبت” عن خلافات حول حلقة لم تُبث بعد على منصتها الرقمية للبودكاست (اليومي The Daily) حول ادعاء استخدام حركة المقاومة الإسلامية “حماس” للعنف الجنسي كسلاح.

ويجري التحقيق بعد تسريب عن أسباب عدم بث الحلقة، وتقود التحقيق شارلوت بيرندت، مديرة السياسة، والتحقيقات الداخلية في الصحيفة.

وكان من المقرر أن تبث حلقة البودكاست (مدتها 25 دقيقة) المستندة إلى تحقيق أجرته الصحيفة ونشر في نهاية ديسمبر/كانون الأول. وشارك في التحقيق 3 أشخاص هم جيفري جيتلمان، مراسل الصحيفة الذي سبق له الفوز بجائزة بوليتزر المرموقة، إضافة إلى متعاونين إسرائيليين، هما آدم سيلا وآنات شوارتز.

غير أن الصحيفة قررت عدم بث الحلقة على خلفية غضب داخلي وجدل بين صحفيي ومحرري الجريدة حول محتوى التقرير ومصداقية الكثير من أجزائه.

وكان للتقرير الذي نُشر في الصحيفة يوم 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي تحت عنوان “صرخات بلا كلمات: كيف استخدمت حماس العنف الجنسي كسلاح في 7 أكتوبر” أثر كبير في تعاطف نسبة كبيرة من الأميركيين مع الرواية الإسرائيلية، على خلفية الادعاءات بقيام حركة حماس بالاعتداء الجنسي واغتصاب إسرائيليات أثناء “طوفان الأقصى”.

وداخل غرفة أخبار نيويورك تايمز، قوبل التقرير بالثناء من مديري التحرير، ولكن في الوقت ذاته، قوبل بشكوك من صحفيين آخرين في الصحيفة. ومن جانبها تنفي حركة حماس كل هذه الاتهامات.

صحفيون يحتجون على انحياز "نيويورك تايمز" لإسرائيل في تغطية حرب غزة

شوارتز ليست صحفية

وشكك الكثير من المراقبين في صحة ومصداقية تقرير نيويورك تايمز عند نشره، وجاء الكشف عن هوية آنات شوارتز المتعاونة مع الصحيفة، وأحد كتاب التقرير الثلاثة بمثابة قنبلة انفجرت في وجه نيويورك تايمز.

وكشف موقع ديلي بيست قبل أيام أن شوارتز “أعجبت بعدة منشورات على منصة إكس تشير إلى تحيز مؤيد لإسرائيل، بما في ذلك منشور يدعو إسرائيل إلى تحويل قطاع غزة إلى مسلخ”. ويمثل التعبير عن موقف سياسي واضح ومتحيز، انتهاكا لسياسة وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بنيويورك تايمز، وعليه أوقفت الصحيفة تعاونها مع آنات، وذكرت أنها “تراجع الأمر حاليا”.

كما أعجبت شوارتز بتغريدة على منصة إكس كرر فيه الحساب الرسمي للحكومة الإسرائيلية نظريات المؤامرة القائلة إن “إرهابيي حماس قطعوا رؤوس 40 طفلا إسرائيليا خلال هجومهم عبر الحدود على البلدات والكيبوتسات على طول حدود غزة”، وذلك رغم عدم وجود تأكيد مستقل أو رسمي لهذه الادعاءات.

وقالت المتحدثة باسم نيويورك تايمز دانييل رودس في بيان لها “نحن ندرك أن صحفية مستقلة في إسرائيل عملت مع التايمز قد أعجبت بالعديد من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، هذه الإعجابات هي انتهاكات غير مقبولة لسياسة مؤسستنا، نحن نراجع الأمر حاليا”.

وتم الكشف لاحقا أن شوارتز ليست صحفية بالأساس، وليس لها خبرات تؤهلها للعمل مع أحد أهم صحف العالم في موضوع بهذه الأهمية والحساسية، بل تعمل كمخرجة وكاتبة سيناريو في هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية كان، وسبق لها الانضمام لجهاز استخبارات القوات الجوية الإسرائيلية.

وبدأت شوارتز العمل الصحفي لصحيفة التايمز في نوفمبر/تشرين الثاني، حيث ركزت قصصها على رد إسرائيل على هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهو ما ضاعف الشكوك في معايير الصحيفة في التعاقد مع متعاونين من دون أي خبرات صحفية.

امرأة تحمل نسخة ساخرة من صحيفة نيويورك تايمز خلال مسيرة لدعم الفلسطينيين في نيويورك (رويترز)

حلقة البودكاست

وطبقا لموقع إنترسبت، تمت صياغة نص جديد في الإعداد لحلقة البودكاست، “وذكر محاذير كبيرة، وسمح بعدم اليقين، وطرح أسئلة مفتوحة كانت غائبة عن التقرير الأصلي، الذي قدم نتائجه كدليل قاطع على الاستخدام المنهجي للعنف الجنسي كسلاح حرب من قبل حركة حماس”.

وواجهت الصحيفة معضلة، فإذا بثت الحلقة سيتم التشكيك في التقرير الأصلي المنشور، التي استقى منها البودكاست حلقته، وإذا تم تعديل الحلقة لتتماشى مع نصوص التقرير، سيتم المخاطرة بإعادة تكرار الأخطاء الواردة بالتقرير.

واعتمد التقرير الذي قالت الصحيفة إنه نتيجة تحقيق استمر شهرين، على مقابلات مع جنود ومسعفين أفادوا بأنهم رأوا عشرات الجثث لنساء لديهن “علامات سوء معاملة في مناطقهن التناسلية”.

لكن منتقدي القصة أشاروا إلى أن الدفن السريع للضحايا منع السلطات من جمع أي أدلة جنائية من شأنها أن تؤكد ادعاءات الاغتصاب الجماعي.

ولم تقدم إسرائيل أي دليل على هذا الادعاء، وقالت إن التحقيق سيكون فيه “عدم احترام للموتى”.

واضطرت التايمز إلى إضافة تصحيح للتقرير المثير للجدل الذي شاركت فيه آنات، موضحة أن الشرطة الإسرائيلية “تعتمد بشكل أساسي على شهادات الشهود، وليس على تشريح الجثث أو أدلة الطب الشرعي”.

الكيل بمكيالين

كتب ويل بانش، كاتب العمود في صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر، يقول “بصفتي صحفيا مخضرما، أعلم أن هناك الكثير من المراسلين الحائزين على جوائز والذين يتسابقون ليكتبوا في نيويورك تايمز. لكن صانعة أفلام ليس لديها خبرة صحفية على الإطلاق، ويظهر تقريرها على الصفحة الأولى التي تغطي القضايا الأكثر إثارة للجدل في العالم، هناك شيء غير صحيح”.

جدير بالذكر أن الكاتبة جازمين هيوز اضطرت لترك الصحيفة بعد توقيعها على رسالة علنية تعارض الحرب بين إسرائيل وحماس، والتي اعتبرتها “محاولة إسرائيلية للقيام بإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني”.

وانتقدت هيوز في رسالة استقالتها التغطية الإعلامية للحرب، بما في ذلك افتتاحية الصحيفة التي دعمت حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها عسكريا مع حثها على حماية المدنيين.

كما سبق أن أنهت الصحيفة عقدها مع حسام سالم، المصور الصحفي الفلسطيني المستقل، في أكتوبر/تشرين الأول 2022 بسب مشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي “أعرب فيها عن دعمه للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي”.

شاركها.
Exit mobile version