قدم موقع “أوريان 21” لافتتاحيته بجمل من رسالة استقالة الصحفي رافائيل أورياني من صحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية اليومية، التي قال فيها محتجا على طريقة تغطية أخبار غزة: “لمدة 90 يوما، لم أفهم.. الآلاف من الناس يموتون ويشوهون ويغمرهم طوفان من العنف.. فلماذا كل هذا الحذر المذهل في تغطية هذه الحرب الذي يمارسه جزء كبير من الصحافة الأوروبية، بما فيه لاريبوبليكا؟”.

وأبرز الموقع الفرنسي -في افتتاحية مشتركة بين مديره آلان غريش ورئيسة تحريره سارة قريرة- الفرق بين تعامل الإعلام الغربي مع الحرب في أوكرانيا والحرب على غزة، إذ لم يكن الإعلام الغربي يتردد في إدانة “الغزو الروسي”، كما لم يذكر اسم “العملية الروسية الخاصة” (الاسم الذي تطلقه موسكو على الحرب) إلا على سبيل السخرية، في حين أنه يلتزم الصياغة الإسرائيلية في وصف العدوان على غزة بأنه “حرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)”، وكأن طرفين متساويين يقتتلان، أو كأن الضحايا من جنود كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس).

ومهما اختلفت المصطلحات المستخدمة في الصحف -حسبما يقول الموقع- فإن حماس توصف غالبا بأنها “منظمة إرهابية” (مع أنه لا يصنفها كذلك سوى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة)، وهذا الوصف يبرئ إسرائيل مقدما من جرائمها كافة.

وتعد عبارات مثل “جريمة حرب” و”إبادة جماعية” من المحرمات، ويسمى القصف الإسرائيلي في غزة “انفجارات”، وكأنه لا أحد مسؤول عنه، مع ميل إلى تصديق الاقتباسات والمعلومات المقدمة من المسؤولين العسكريين والحكوميين الإسرائيليين بسرعة، في مقابل حذر وتدقيق في تلك الواردة من الفلسطينيين، وفقا للافتتاحية.

“حسب حماس”

وذكّرت افتتاحية الموقع بالشكوك التي رافقت أرقام الوفيات التي أعلنتها وزارة الصحة في غزة، التي لا تزال وسائل الإعلام الغربية تصحبها بعبارة “حسب حماس”، وذكّرت بتعامل الصحافة الغربية مع ما يُمارس على الرهائن الفلسطينيين الذين يجردون من ملابسهم وتتم إهانتهم وتعذيبهم، وكأن احتمال انتمائهم إلى حماس يبرر حالة الاستثناء هذه.

ومن ناحية أخرى، انتشرت الأخبار الكاذبة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي حول تقطيع أحشاء النساء وقطع رؤوس الأطفال وحرقهم في الأفران، لأنها وردت على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين، وعندما تأكد كذبها، لم ير أي فريق تحرير ضرورة للاعتراف بخطأ الترويج للدعاية الإسرائيلية، وبالكاد يشهر بالتصريحات العنصرية الصارخة، التي تصل إلى حد التحريض على الكراهية أو العنف ضد منتقدي الجيش الإسرائيلي.

وفي الوقت الذي ترفض فيه إسرائيل دخول الصحفيين الأجانب إلى غزة باستثناء من تختارهم، لم يحتج أحد، كما أن التضامن المهني للاحتجاج على اغتيال 109 صحفيين فلسطينيين كان ضئيلا رغم أن هذا الرقم لم يسجل في أي حرب حديثة أخرى.

وحتى منظمة “مراسلون بلا حدود” لم تتحدث في تقريرها السنوي إلا عن مقتل “17 صحفيا (فلسطينيا) في أثناء ممارسة واجبهم”، مع “أننا نعترف بالجميل في معظم الصور التي تصل إلينا لهؤلاء الصحفيين الفلسطينيين” -حسب الموقع- ورغم أن بعضهم عملوا “منسقين” لصحفيين فرنسيين، فإنهم يظلون مشتبها بهم بشكل مسبق، لأنهم فلسطينيون.

التطهير العرقي خيار

ونبّه الكاتبان إلى ما اعتبراه مناقشات سريالية، متسائلين هل يمكننا حقا أن نناقش بهدوء وهدوء “طبيعي” في محطات الإذاعة والتلفزيون مقترحات ترحيل السكان الفلسطينيين إلى الكونغو أو رواندا أو أوروبا، من دون التأكيد أن هذه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؟ ومن دون أن نقول إن من يتلفظ بها يجب أن يُتهم بالدعوة إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؟

وقد أصبح قطاع غزة -حسب الأمم المتحدة– “مكانا للموت وغير قابل للسكنى”، حيث تتراكم المعلومات عن القتلى (أكثر من 23 ألفا) والجرحى (أكثر من 58 ألفا)، وقصف الهياكل الطبية، والإعدامات والتعذيب على نطاق واسع، وتدمير المدارس والجامعات، وتدمير المنازل، لدرجة إنشاء مصطلح جديد “إبادة المنازل”.

وتكفي المذكرة التي قدمتها جنوب أفريقيا يوم 29 ديسمبر/كانون الأول 2023 إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي وسائل الإعلام لإنتاج عشرات الأخبار المثيرة، وستساعد في إعطاء الضحايا (وليس فقط ضحايا السابع من أكتوبر/تشرين الأول) وجوها وأسماء وهوية، وفي إجبار إسرائيل والولايات المتحدة -التي تسلحها دون ضجة- على تحمل مسؤولياتهما.

وللمرة الأولى -كما يستنكر المقال- تحدُث إبادة جماعية على الهواء مباشرة، حرفيا عبر قنوات إخبارية عربية معينة أو على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما لم يحدث في رواندا ولا في سربرنيتسا، ولكن أخبار هذه المذبحة تختفي بسهولة من الصفحات الأولى وعناوين الأخبار التلفزيونية في الغرب لتتحول إلى مجرد معلومات ثانوية.

ونصح الموقع فرنسا لتجنب التواطؤ في الإبادة الجماعية بالمساعدة في وقفها بتعليق التعاون العسكري مع إسرائيل، وفرض عقوبات على الفرنسيين الذين يشاركون في الجرائم في غزة، وتعليق حق المستوطنين في دخول البلد، أو حتى تعليق استيراد البضائع الإسرائيلية.

شاركها.
Exit mobile version