6/8/2025–|آخر تحديث: 13:43 (توقيت مكة)
قالت صحيفة لوموند إن 5 أطباء وممرضتين نفذوا عدة مهمات إنسانية في قطاع غزة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حدثوها عن استحالة تلبية احتياجات السكان هناك، وكيف أثرت هذه التجربة فيهم.
وتبدأ الصحيفة -حسب المقابلة التي أجرتها كلوتيلد مرافكو- بشهادة طبيب الطوارئ الفرنسي مهدي الملالي (33 عاما) الذي قضى 3 أسابيع في غزة أثناء مهمة نظمتها منظمتا الرحمة وبال ميد أوروبا، فهو يقول إنه لا كلمات تصف بدقة جحيم قطاع غزة، ويعتذر بعد أن غلبته العواطف قائلا “جزء مني عالق هناك. أجد صعوبة في التوقف عن التفكير”.
ويقول جراح العظام فرانسوا جورديل إنه يعود وقد تغير تماما، مؤكدا أن غزة حالة فريدة، “القصف متواصل، والناس لا يستطيعون الفرار. جميع السكان متضررون”.
وقد اتفق 5 أطباء وممرضتان، بينهم 6 فرنسيين وسويسرية، شاركوا في مقابلة مع الصحيفة، على أنهم صدموا من النسبة المرتفعة جدا للأطفال بين الضحايا والجرحى الذين عالجوهم، مستنتجين من ذلك الطبيعة العشوائية للقصف الإسرائيلي.
وأول ما رآه الأطباء عند وصولهم أنقاضا وهياكل مبان محطمة، وكان أزيز الطائرات المسيرة المزعج والانفجارات التي تمزق السماء ملء أسماعهم طوال الوقت.
وقد أحصى فرانسوا جورديل، الذي سافر مع منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية “أحيانا ما يصل إلى 5 أو 6 صواريخ في الدقيقة”، يقول “كان القصف عنيفا للغاية، كزلزال. اهتز المستشفى بأكمله بفعل موجات صدمية. المرضى على الأرض ممزقون”.
وتحدثت كارين هوستر بصراحة، وهي ممرضة نفذت حوالي 20 مهمة إنسانية حول العالم منذ عام 2014، وسافرت إلى غزة 3 مرات في عام 2024 كمديرة للأنشطة الطبية في منظمة أطباء بلا حدود، وهي تقول “كان المرضى مستلقين على الأرض، منزوعي الأحشاء. عندما ماتوا، دفعناهم إلى زاوية. لم يكن لدينا وقت لنقلهم إلى المشرحة لأن جرحى آخرين كانوا يصلون”.
ويتذكر مهدي الملالي أنه استقبل في المستشفى الإندونيسي حوالي 30 جريحا من عائلة واحدة كانوا نائمين وقت الانفجار، يقول “كانت الأم مضطربة بعض الشيء، لم تكن تدري ماذا تفعل. أخبروها أن أحد أبنائها قد توفي. قبلته على جبينه، ثم بدأت تعد أطفالها الآخرين وهي تبحث عن ابنها الرابع الذي لم يكن موجودا، ولم يعثر عليه قط”.
الأطباء صدموا من النسبة المرتفعة جدا للأطفال بين الضحايا والجرحى الذين عالجوهم، مستنتجين من ذلك الطبيعة العشوائية للقصف الإسرائيلي
عندما يصبح الموت مألوفا
وتتذكر الممرضة سونام دراير-كورنوت (36 عاما) وهي في مكتبها بسويسرا، أنها عندما غادرت غزة في نهاية مهمتها، بعد شهرين من الحصار الشامل، لم يعد هناك دقيق في غزة، مع أن العديد من الناجين يعانون من حروق بالغة، وهم يحتاجون، للشفاء بشكل صحيح، لاستهلاك 3 آلاف سعرة حرارية يوميا.
وفي غزة أصبحت الحياة كالجثث ممزقة -كما تقول الممرضة- فهناك يصل بعض الأطفال في حالة من التوتر الحاد “صامتين تماما، يحدقون ويبدو عليهم التعب. لا يتحركون ولا يتكلمون ولا يبكون”، رغم إصاباتهم البالغة أحيانا.
ويصبح الموت أمرا مألوفا، حيث تتذكر أخصائية التخدير والعناية المركزة أوريلي غودار (44 عاما) أن رجلا في الخمسينيات من عمره أُصيبت ساقه في انفجار بدير البلح، وقال لها “هل يمكنني المغادرة لساعتين؟ علي أن أذهب لدفن أبنائي”، وتضيف “قالها هكذا. كان الأمر مثيرا للقشعريرة”.
وتضيف الطبيبة التي نفذت 3 مهمات إلى غزة لصالح منظمة أطباء بلا حدود عام 2024، أنها في كل مرة تشهد المزيد من الدمار، إذ لم تعد رفح موجودة، وخان يونس مدمرة، والشمال أرض قاحلة، والقيود الإسرائيلية تترك سكان غزة لا يكادون يتنفسون، بلا كرامة ولا أمل.
وتقول الممرضة كارين هستر إنها عملت في العراق وهايتي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، و”لكنني لم أشهد قط وضعا كهذا حيث لا يملك السكان الحق في الوجود. في غزة، السكان المدنيون هم من يدفعون الثمن. لدى إسرائيل الوسائل لتجنب هذا، لكنها تختار أن تكون غير إنسانية”.
الشعور بأهمية الدور
وذكر التقرير أن أكثر من 60 ألف فلسطيني قتلوا في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول -حسب بيانات تعتبرها الأمم المتحدة موثوقة– ولكثرة الإصابات هناك نقص في الضمادات والأدوية ووسائل التخدير، ويقول جراح العظام سمير عدو (58 عاما) الذي نفذ أول مهمة له في منطقة نزاع في مستشفى ناصر بخان يونس، إنه استعد لإصابات الحرب، لكنه صدم عندما وجد نفسه يجري عمليات جراحية غالبية أصحابها من الأطفال والنساء.
وهو منذ ذلك الحين -كما يقول- يشعر كأنه يخبر وسائل الإعلام بكل شيء، عن الأطفال مبتوري الأطراف، وأهوال الحرب دون أي رد فعل، ويضيف “دعونا نتحدث عن أنفسنا في فرنسا، عن إنسانيتنا، هل بقي لنا شيء منها؟”.
وأشارت الصحيفة إلى أن العاملين في مجال الرعاية الصحية في غزة، يشعرون بأنهم يؤدون مهمة مفيدة، وهم لذلك يحاولون العودة، ولكن السلطات الإسرائيلية رفضت عودة سمير عدو رغم حيازته التصاريح اللازمة، كما أن باسكال أندريه، طبيب طوارئ أنهى مهمة استمرت أسبوعين في المستشفى الأوروبي بخان يونس في فبراير/شباط 2024، وحاول العودة 4 مرات، لكن إسرائيل ألغت تصاريحه في اللحظة الأخيرة.
ويخلص مهدي الملالي إلى أنه “بفضل زملائنا الفلسطينيين، نصمد في هذا الجحيم”، ويستذكر اللحظات النادرة التي كان أطباء غزة يبوحون له فيها بأوجاعهم وذكرياتهم، مختتما بأن صبرهم يبهر العاملين في المجال الإنساني، وأن العاملين يجمعون على أن أهل غزة لا يحقدون، وأنهم ببساطة يريدون إنهاء المذبحة ويطالبون بالعدالة.