وضع الجيش السوداني أثناء حربه مع قوات الدعم السريع أكثر من رسالة في بريد أكثر من جهة وتكتل دولي، بدأها برسالته للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يطلب منه تبديل ممثله الخاص فولكر بيرتس، زاعماً عدم حياده. والرسالة الثانية إلى رئيس منظمة «إيغاد» رفضاً لقرار المنظمة الإقليمية بتسمية الرئيس الكيني رئيساً لمبادرتها لوقف الحرب، وذلك تحت ذريعة عدم حياده أيضاً، فيما لا تزال عضوية السودان معلقة في الاتحاد الإفريقي منذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وفي مقابل ذلك، تتولى الرياض وواشنطن وساطة حثيثة لوقف الحرب، ولم يلتزم طرفا القتال بأكثر من هدنة تم توقيعها، فهل يتجه السودان إلى عزلة شبيهة بعزلته أيام حكم الرئيس المعزول عمر البشير، أم عزلة أكثر تأثيراً؟

«لجنة رباعية»

الأسبوع الفائت، تبنت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) خريطة طريق لحل النزاع في السودان، عقب قمة المنظومة العادية الرابعة عشرة، وترأسها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، سمت بموجبها «لجنة رباعية» من كل من «جيبوتي، كينيا، إثيوبيا، جنوب السودان»، برئاسة كينية، تهدف إلى عقد لقاء «وجهاً لوجه» بين الغريمين قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو، في غضون 10 أيام، وأن تتم في غضون 3 أسابيع تسوية سياسية للصراع في البلاد.

الدخان يتصاعد خلف المباني وسط استمرار الحرب في السودان (أ.ف.ب)

وقال مالك عقار، المعين حديثاً بديلاً لمحمد حمدان دقلو، إن «إيغاد» اقترحت في قمة جيبوتي مبادرة لحل الأزمة السودانية في غضون أسبوعين، تتضمن لقاء مباشراً بين قائد الجيش وقائد قوات الدعم السريع. ورحب عقار بالمبادرة، مؤكداً أن لقاء الغريمين سيتناول وقف إطلاق النار، انطلاقاً من أن التفاوض مع «المتمردين» يصب في مصلحة السودان وإنهاء الأزمة. وقال: «ما يحدث في السودان تمرد، وليس حرباً أهلية، وإن الحكومة تسعى لمعالجته».

الرئيس الكيني

وكان الرئيس الكيني، وليم روتو، قد أعلن فور تسميته رئيساً للمجموعة الرباعية، التزام «إيغاد» بتنظيم لقاء مباشر بين طرفي النزاع في السودان، تعقبه إدارة حوار وطني تشارك فيه قوى مدنية لبحث الحلول النهائية للأزمة بعد 3 أسابيع لمناقشة القضايا العالقة.

من جانبه، رحّب أيضاً قائد الجيش بصفته رئيساً لمجلس السيادة، بمبادرة «إيغاد»، لكنه أبلغ رئيس الدورة الحالية الرئيس الجيبوتي، إسماعيل قيلي، رفضه لرئاسة الرئيس الكيني للرباعية المنوط بها تنظيم المبادرة السودانية، واتهم كينيا بأنها «ليست محايدة، وتأوي قيادات من متمردي (الدعم السريع)»، مخالفاً بذلك ترحيب نائبه مالك عقار، الذي ترأس القمة التي قررت المبادرة. وتجلي الموقف في ارتباك وزارة الخارجية السودانية التي أصدرت أكثر من تعديل على بيانها الرسمي الذي عبرت فيه عن موقف قيادة الجيش.

كما كان البرهان قد أرسل رسالة للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، طلب فيها ترشيح بديل لممثله الخاص، رئيس بعثة الأمم المتحدة، لدعم الانتقال في السودان (يونيتامس)، باعتباره «منحازاً ومحابياً لطرف، وقدّم معلومات مضللة وكاذبة، وزوّر توقيعات موثقة». لكن الطلب لم يحظَ بقبول الأمم المتحدة، التي سارع أمينها العام إلى رفض الطلب، وجدّد تأكيد ثقته في مبعوثه فولكر. ولاحقاً، أبلغت الخارجية السودانية الأمم المتحدة أن فولكر أصبح «شخصاً غير مرغوب فيه في السودان»، لكن هذا الطلب ووجه بالرفض أيضاً، وقالت المنظمة الدولية إن دبلوماسييها لا يمكن اعتبارهم غير مرغوب فيهم، وهكذا ظل فولكر رئيساً لـ«يونيتامس»، ويديرها من إثيوبيا.

أحد فروع المصارف المقفلة في العاصمة السودانية بسبب القتال (أ.ف.ب)

الاتحاد الأفريقي

وما زالت عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي «معلقة» منذ استيلاء الجيش على السلطة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، الذي اعتبرته المنظمة الإقليمية انقلاباً عسكرياً على الحكومة المدنية، برئاسة عبد الله حمدوك، استناداً على لوائح الاتحاد التي تنص على رفض الانقلابات العسكرية في القارة.

ويرى محللون أن السودان دخل في معركة دبلوماسية مفتوحة مع الأمم المتحدة، ومعركة أخرى مع الاتحاد الأفريقي، وأخيراً تلوح نذر معركة مع منظمة «إيغاد»، متسائلين ما إذا كان قادة الجيش سيفلحون في إدارة هذه المعارك الدبلوماسية، بينما يديرون حربهم ضد قوات الدعم السريع. ويرى البعض أن السودان ربما يفقد تعاطف العالم ويعود إلى «العزلة والمقاطعات والعقوبات» التي كان يعانيها إبان حكم الرئيس السابق عمر البشير، وأضرت بالبلاد كثيراً.

شاركها.
Exit mobile version