الدوحة – قنا

سلطت ندوة نظمها مركز المنارتين، التابع لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة، بالتعاون مع معهد الدوحة الدولي للأسرة، الضوء على التأثيرات المتعددة لمواقع التواصل الاجتماعي على الأسرة المعاصرة، وذلك بمشاركة نخبة من الخبراء والمتخصصين في مجالات الدراسات الأسرية والمجتمعية والاجتماعية.

وتناولت الندوة، التي أدارها الدكتور محمد الجمال، جوانب متنوعة من أثر التكنولوجيا ووسائل التواصل الرقمي في الحياة الأسرية، من بينها العلاقات الزوجية والوالدية، والتأثير الإيجابي المحتمل لهذه الوسائل في تحقيق التوازن بين العمل والأسرة، فضلا عن دورها في تعزيز التواصل بين أفراد الأسر الذين تفصلهم المسافات الجغرافية، وما تحمله هذه الوسائل في المقابل من تحديات وقيم جديدة تؤثر في البنية الاجتماعية للأسرة.

وفي مستهل الندوة، تحدث الشيخ موافي عزب، الداعية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، عن التأثيرات الاجتماعية المعقدة لمواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدا أن المجتمعات لم تكن مهيأة بشكل كاف للتعامل مع هذا الانفتاح المفاجئ على العالم الرقمي، موضحا أن هذه الوسائل الافتراضية، رغم ما تحملها من فرص، إلا أن لها تأثيرات سلبية عميقة تهدد القيم والأخلاق، خاصة في ظل غياب التوجيه التربوي الصحيح.

وأشار إلى أن التربية الحقيقية، المرتكزة على الدين والوعي المجتمعي، هي السبيل الأنجع لحماية الأسر من الانهيار القيمي، داعيا إلى الواقعية في التعامل مع هذه الظواهر وعدم الاكتفاء بالتحذير النظري، بل بضرورة وضع آليات عملية لمواجهتها، مثل تعزيز الرقابة الذاتية وتحصين الأبناء بالعلم والدين، مبينا أن من أعظم التحديات التي تواجه الأسرة اليوم هي هيمنة المادة على منظومة القيم، مما يضعف الروابط الإنسانية ويزيد من النزاعات الأسرية، معتبرا أن مواقع التواصل الاجتماعي تسهم في اتساع الهوة بين الزوجين، وتعمل على دعم الانفصال العاطفي والمعنوي بين أفراد الأسرة، واصفا هذه المواقع بأنها أصبحت “شيطانا أكبر”، بسبب ما تحمله من تهديد لمنظومة الأخلاق والدين.

ومن جانبه، استعرض الدكتور أحمد عارف، مدير بحوث وسياسات الأسرة بمعهد الدوحة الدولي للأسرة، عددا من الدراسات التي أجراها المعهد حول العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واستقرار العلاقات الأسرية، موضحا أن 63 بالمئة من سكان العالم يستخدمون هذه المنصات، وأن أكثر من 60 بالمئة من طلاب الجامعات مدمنون على استخدامها بشكل يومي، مما يؤثر في تواصلهم الواقعي وعلاقاتهم داخل الأسرة.

وشدد على أن هذا النوع من الاستخدام المفرط قد أصبح نوعا من “الإدمان الرقمي” الذي يتطلب تدخلا متخصصا للعلاج، لافتا إلى أن الظواهر الجديدة مثل “الزواج الإلكتروني” و”الخيانة الإلكترونية” باتت تهدد الحياة الزوجية التقليدية، مشيرا إلى أن العديد من حالات الطلاق تبدأ من محادثات عابرة على مواقع مثل “فيسبوك”، وتتطور لاحقا إلى تبادل محتوى خاص عبر تطبيقات مثل “واتساب”، ما يؤدي إلى انهيار الثقة بين الزوجين ويخلق أزمات اجتماعية خطيرة.

بدوره، أكد الدكتور الشاذلي بن بية، المحاضر بجامعة قطر، أهمية تغيير النظرة إلى هذه الوسائل، داعيا إلى التعامل معها بوصفها “وسائط تواصل اجتماعي” لا مجرد “وسائل”، مشيرا إلى أن هذه المنصات أصبحت تمثل ظاهرة مجتمعية متكاملة تتطلب تفاعلا واعيا من مختلف القطاعات التربوية والإعلامية والدينية.

وأضاف أن بالإمكان توظيف هذه الوسائط بشكل إيجابي من خلال مشاريع نوعية، مستعرضا تجربته في مشروعين وطنيين، أحدهما بعنوان “نحو ميثاق أخلاقي لوسائل التواصل الاجتماعي في جامعة قطر”، والذي يهدف إلى وضع إطار قيمي ينسجم مع هوية المجتمع القطري، ويعزز الاستخدام المسؤول والمتزن لهذه الوسائل بما يحقق التوازن بين الحداثة والأصالة الدينية والثقافية.

وفي ختام الندوة، أوصى المشاركون بضرورة استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل الرقمي في الحياة الأسرية، بطريقة مدروسة وفي أوقات محددة لكي تعزز من الترابط بينهم، لأنه إذا أسيء استغلالها فهي تشتت الأسرة وأبناءها وتبعدهم عن المحيط الاجتماعي.

شاركها.
Exit mobile version