أجرى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الاثنين، ثالث اتصال هاتفي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، منذ تسلّمه السلطة في يناير (كانون الثاني)، في محاولة أميركية جديدة لوقف إطلاق النار في أوكرانيا.

واستبق البيت الأبيض المكالمة، التي استمرّت أكثر من ساعتين، عبر التعبير عن إحباط واشنطن من فشل موسكو وكييف في الاتفاق على هدنة. وقال نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، قبل مغادرته روما إن واشنطن تدرك أن الطريق نحو إنهاء الحرب «صار مسدوداً، وإذا لم تكن موسكو مستعدة للمشاركة، فإن الولايات المتحدة ستضطر في النهاية إلى القول إنها ليست حربها».

وعلى الجانب الروسي، خفّض الكرملين من سقف التوقّعات قبل الاتصال بين ترمب وبوتين. وقال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن العمل لحلّ النزاع في أوكرانيا سيكون «شاقاً» و«قد يحتاج لوقت طويل»، مشيراً إلى أن «التسوية تنطوي على عدد كبير من التفاصيل الدقيقة والمعقّدة التي تجب مناقشتها بعناية».

دمى ماتريوشكا الروسية التقليدية تصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترمب في متجر بموسكو (إ.ب.أ)

ورغم صعوبة ردم الهوة بين كييف وموسكو، اللتين عقدتا أول محادثات مباشرة منذ اندلاع الحرب دون تحقيق اختراق، تنظر العواصم الأوروبية إلى اتصال ترمب كدفعة «حاسمة» باتجاه مفاوضات قد تقود إلى هدنة في أوكرانيا. بيد أن عدداً من القادة الأوروبيين عبّروا عن تخوّفهم من «تأثير» الرئيس بوتين على رأي سيد البيت الأبيض في النزاع، ولا سيّما أن ترمب استأنف العلاقات مع موسكو بعد عودته إلى السلطة، منهياً قرابة ثلاث سنوات من العزلة الدبلوماسية المفروضة على روسيا.

فما طبيعة العلاقة بين ترمب وبوتين؟ وما موقف الرئيس الأميركي من الحرب التي أطلقها الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022؟

محادثات ترمب وبوتين

عقد ترمب أول محادثة هاتفية معلنة مع نظيره الروسي في 12 فبراير، أي بعد ثلاثة أسابيع من تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة لولاية ثانية. وقال ترمب آنذاك إن كلاً من بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعرب عن رغبته في السلام، وذلك في مكالمتين هاتفيتين منفصلتين، وأمر كبار المسؤولين الأميركيين ببدء محادثات بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا.

وتحدث ترمب وبوتين مرة ثانية في 18 مارس (آذار). وقال الكرملين إنهما تحدّثا لمدة ساعتين تقريباً، وهي واحدة من أطول مكالمات بوتين مع قائد دولة أخرى، وفق وكالة «أسوشييتد برس». وعقب المكالمة الثانية، وافق بوتين على وقف استهداف منشآت الطاقة الأوكرانية مؤقتاً، لكنه رفض مقترح وقف إطلاق النار الكامل لمدة 30 يوماً، الذي كان ترمب يأمل أن يكون الخطوة الأولى نحو اتفاق سلام دائم.

واستمرّت الهجمات على البنية التحتية الطاقية، مع تبادل كل من أوكرانيا وروسيا اتّهامات بخرق وقف إطلاق النار الجزئي.

طبيعة المكالمات

يتحدّث ترمب وبوتين، وفق وكالة «أسوشييتد برس»، عبر خطوط مشفرة، يشارك فيها مترجمون. ففيما يتقن بوتين بعض الإنجليزية، إلا أنه يستخدم اللغة الروسية للتفاوض. وحتى الآن، لم يستخدما تقنية الاتصال عبر الفيديو.

اتصالات غير معلنة؟

أثارت تصريحات للكرملين، في مارس الماضي، تساؤلات حول احتمال إجراء ترمب وبوتين اتصالات هاتفية غير تلك المعلنة خلال الأشهر الأخيرة. وقبل الاتصالات مع ترمب، كانت آخر مكالمة لبوتين مع رئيس أميركي في فبراير 2022، عندما تحدث مع جو بايدن قبل فترة وجيزة من إصدار الرئيس الروسي أوامره بإرسال عشرات الآلاف من القوات إلى أوكرانيا.

لقاء يجمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين عام 2019 (أرشيفية – د.ب.أ)

وسبق أن ذكر الصحافي في صحيفة «واشنطن بوست»، بوب وودورد، في كتابه «الحرب» الصادر عام 2024، أن ترمب أجرى محادثات مباشرة مع بوتين سبع مرات بعد مغادرته البيت الأبيض في عام 2021. ورداً على سؤال حول ما إذا كان ذلك دقيقاً، قال ترمب في مقابلة مع «بلومبرغ» العام الماضي: «إذا فعلت ذلك، فإنه أمر ذكي»، فيما نفى الكرملين تقرير وودورد. كما ذكرت كل من «رويترز» و«واشنطن بوست» و«أكسيوس»، بشكل منفصل، أن ترمب وبوتين تحدّثا في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني)، أي قبل تنصيب ترمب رئيساً. ونفى الكرملين تلك التقارير كذلك.

موقف ترمب

دعا ترمب، الذي يقول إنه يريد أن يُذكر كصانع سلام، مراراً إلى إنهاء «حمام الدم» في أوكرانيا. وأكّد الرئيس الأميركي عدّة مرات أن بوتين منفتح على السلام، وأن أوكرانيا ببساطة «لا تملك الأوراق» لخوض حرب ضد روسيا. إلا أنه عبّر كذلك عن بعض الاستياء من بوتين، بعد تعثّر الجهود الأميركية لوقف إطلاق النار. وفي أواخر مارس، قال ترمب إنه «غاضب» من بوتين، وهدّد بفرض رسوم جمركية ثانوية تتراوح بين 25 في المائة و50 في المائة على مشتري النفط الروسي، إذا شعر أن موسكو تعرقل جهوده لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

جانب من اجتماع بين ترمب وزيلينسكي في الفاتيكان يوم 26 أبريل (أ.ب)

وعن سبل الحلّ، استبعد ترمب عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما اعتبر أن دعم الولايات المتحدة السابق لتوسيع التحالف العسكري الذي تقوده بلاده كان سبباً في الحرب، وهو ما تعترض عليه العواصم الغربية الأخرى. ويقول القادة الأوروبيون إن بوتين ليس جاداً بشأن السلام، ويخشون من أن يفرض ترمب اتفاق سلام «عقابياً» يهدّد بتجريد أوكرانيا من خُمس أراضيها، التي تقع حالياً تحت السيطرة الروسية. وتختلف مقاربة الرئيس الأميركي الحالي بشكل كامل عن سلفه، إذ أدان جو بايدن وزعماء أوروبا الغربية الغزو الروسي، واعتبروه «استيلاءً على الأراضي على الطريقة الإمبريالية»، كما تعهّدوا بهزيمة القوات الروسية التي يقولون إنها قد تهاجم حلف «الناتو» يوما ما، وهو ما تنفيه موسكو.

موقف بوتين

يقول بوتين، الذي تسيطر قواته على أقل بقليل من خُمس أوكرانيا، إنه مستعد لمناقشة السلام، ولكنه حذّر من وقف إطلاق نار فوري لا يعالج «أسباب النزاع».

ونقلت وكالة «سبوتنيك» للأنباء عن بوتين، قوله الأحد، إن روسيا تتطلع إلى «خلق الظروف للسلام الدائم وضمان أمن البلاد». وأضاف الرئيس الروسي أن «النتيجة الضرورية للعملية العسكرية الخاصة (في أوكرانيا) هي حماية مصالح الناس في الأراضي التي يعيش فيها من يعتبرون روسيا وطنهم». كما أكّد أن روسيا تحترم المصالح الوطنية للولايات المتحدة، وتنتظر منها نفس المعاملة.

جانب من مؤتمر صحافي طرح فيه بوتين عقد مفاوضات مباشرة لإنهاء الحرب في أوكرانيا يوم 11 مايو (أ.ب)

وفي يونيو (حزيران) 2024، قال بوتين إنه يجب على أوكرانيا أن تتخلى رسمياً عن طموحاتها في حلف شمال الأطلسي، وأن تسحب قواتها من كامل أراضي المناطق الأوكرانية الأربع التي تطالب بها روسيا. وعندما اقترح بوتين إجراء محادثات مباشرة مع أوكرانيا في وقت سابق من هذا الشهر، ذكر بوتين على وجه التحديد مسودة اتفاق عام 2022 التي تفاوضت عليها روسيا وأوكرانيا بعد فترة وجيزة من بدء الغزو الروسي.

وبموجب مسودة خطة سلام سُرّبت إلى الإعلام على أنها «خطّة أميركية»، ونفتها مصادر قريبة من الإدارة، قد تعترف الولايات المتحدة بالسيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم، وبالسيطرة الروسية على مناطق لوهانسك وأجزاء من زابوريجيا ودونيتسك وخيرسون.

“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}

شاركها.
Exit mobile version