في رحلة عبر الزمن، تتجول بين الحضارات العربية والفارسية والهندية، تحتضن دار الكتب والوثائق القومية المصرية في القاهرة معرضاً لمستنسخات من مخطوطات نادرة من هذه الحضارات، بالإضافة إلى عدد من لوحات الفن العربي.
يأتي المعرض في إطار فعاليات حملة وزارة الثقافة المصرية، تحت عنوان «تراثك ميراثك»، الهادفة إلى اكتشاف جماليات التراث. حيث تمّت مراعاة معايير عدّة في اختيار المستنسخات المعروضة، من بينها التنوع في الموضوع، فمنها مخطوطات أدبية ودينية وعلمية، والتفاوت في الفن بين الخط العربي وزخرفة المصاحف والإبداع الفني، والاختلاف في زمن إبداعها. كما تمت مراعاة التنوع بين المخطوطات العربية والفارسية والهندية، للتأكيد على ثراء مجموعات المقتنيات التي تقوم دار الكتب بحفظها وإتاحتها.
من أبرز المقتنيات التي يضمها المعرض، صورة تُجسِّد المعراج من مخطوط مصنَّف تحت (45 – أدب فارسي) بعنوان «يوسف وزليخا»، ترجع إلى عام 898 هـ.
ويضم المعرض أيضاً صورتين من مخطوط (100 طب تيمور) بعنوان «مجموع في أمراض العين ومداواتها»، من تأليف مجموعة من العلماء المسلمين. توضح الصورة الأولى منافع رطوبات العين، في حين توضح الثانية تركيب عضل العين والجفن. وقد نُسِخ المخطوط سنة 592 هـ على يد عبد الرحيم بن يونس الأنصاري.
كما يضم المعرض صورة في مسجد أو خانقاه، من مخطوط أدب فارسي بعنوان «بوستان»، من تأليف سعدي الشيرازي، يظهر فيها رجل يتوضأ، وشيخ يتصدق، ومعلّم للنحو.
يضم المعرض أيضاً وحدات زخرفية من المصاحف المملوكية، من بينها «مصحف محمد بك أبو الدهب»، الذي يُعدّ أحد مصاحف دار الكتب المصرية. وتضم الدار مجموعة من أندر المصاحف الشريفة، يرجع بعضها إلى القرن الأول الهجري، وقد كُتِب بعضها على رقّ الغزال، والبعض الآخر على قطع عريضة من عظام الجِمال، بالإضافة إلى نُسخ أخرى من عصور شتى: قديمة، ومتوسطة، وحديثة.
بالإضافة إلى لوحات من مصاحف نادرة، مثل مصحف مُحَلّى بالذهب، كُتب بخط النسخ في 30 ورقة، وتشتمل كل لوحة على جزء كامل من القرآن الكريم، كتبه محمد بن روح الله بن الحافظ اللاهوري سنة 1108 هـ، وقد التزم بأن يبدأ كل سطر بحرف الألف، وكتب ذلك باللون الأحمر.
كذلك يُقدِّم المعرض نماذج من التراث المخطوط لدار الكتب، أقدم المكتبات الوطنية في الوطن العربي، وذلك بأسلوب جذاب على المستوى البصري، مع توفير معلومات فنية وتاريخية عن كل قطعة من المعروضات على حدة، ليتمكن الزائر العادي من التعرف على معلومات تراثية مفيدة، بشكل مكثف ومختصر في آنٍ واحد.
ويرى الدكتور أحمد يسري، مدرس علم الوثائق والمعلومات في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر في المنوفية، أن المعرض، بما يضمّه من مخطوطات نادرة، يركّز على قيمة الوثيقة الورقية بوصفها أصلاً من أصول الحضارة، في ظلّ عالم يتسارع فيه إنتاج المعرفة رقمياً. ويشير إلى أن كل مخطوط كُتب بخطّ اليد قبل ظهور الطباعة «يمثّل نسخة فريدة تُجسِّد المعرفة في زمنها، سواء في الطب، أو الفلك، أو الهندسة، أو سائر العلوم».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «كانت المخطوطات السبيل الوحيد لحفظ العلم وتداوله، وما كتبه العلماء بخطّ اليد هو الأساس الذي قامت عليه علومنا الحديثة. ولا تكمن قيمة المخطوط في محتواه فقط، بل إنه يُجسِّد هوية حضارية للدول التي أنتجته. لذا، من يزور المعرض سيكتشف أن وراء كل مخطوطة قصة حضارة، من بينها الحضارات الإسلامية والفارسية والهندية».
وعن أهمية المعرض الحالي، يرى يُسري أنه يمثل فرصة ثمينة لـ«تقديم منتج ونماذج قيمة من المخطوطات تقول للباحثين والجمهور إن لدينا كنوزاً»، مشيراً إلى أن المعرض يُعد بمثابة منصة ترويجية لما تملكه مصر من كنوز معرفية محفوظة في أرشيفها الوطني، تدعو الجميع إلى اكتشاف ثراء المعرفة المحفوظة بين جدران دار الكتب.
يُذكر أن المعرض، المستمر حتى نهاية الشهر الحالي، يخدم أهداف حملة «تراثك ميراثك»، التي تُعد محور شهر يوليو (تموز) من المشروع الوطني «مصر تتحدث عن نفسها»، الذي ترعاه وزارة الثقافة المصرية، بما يؤسس لثقافة تشاركية قادرة على التأثير والوصول إلى الجميع في الداخل والخارج، وتسليط الضوء على إبداع المصريين، وإعادة اكتشاف تراثهم وهويتهم وثقافتهم الضاربة جذورها في التاريخ.
“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}