لا تزال القوى السياسية تحاول تبيان خلفيات البيان الذي صدر يوم الخميس عن النواب الأربعة لحاكم مصرف لبنان، وطالبوا فيه بتعيين حاكم جديد خلفاً لرياض سلامة، ملوحين بالاستقالة. فبعدما كانت معظم هذه القوى مطمئنة للتوصل لنوع من التفاهم غير المعلن حول تسلُم النائب الأول وسيم منصوري مهام الحاكم الحالي، كما ينص قانون النقد والتسليف، فاقم البيان الأخير المخاوف من فراغ يطول المصرف المركزي يترافق مع الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية المستمر منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ما يهدد بنسف الاستقرار الهش الذي تشهده البلاد على المستوى النقدي وسعر الصرف منذ أكثر من 3 أشهر، وبتعميق الانهيار المالي المستمر مند عام 2019.

وفيما يضع البعض بيان النواب الأربعة في خانة الضغط على القوى السياسية لتحمل مسؤولياتها مستبعدين الإقدام على الاستقالة في حال تبين أن عقبات كثيرة تحول دون تعيين حاكم جديد، لا يستبعد البعض لجوءهم لقلب الطاولة لفرض أمر واقع.

إلا أن ما هو محسوم حتى الساعة ووفق معلومات «الشرق الأوسط» أن «الثنائي الشيعي» لن يسير بتعيين حاكم جديد في حال عدم إنجاز تفاهم مسبق مع القوى المسيحية الرئيسية بهذا الخصوص، وهو تفاهم يبدو مستبعداً رغم الضغوط التي تمارس على هذه القوى، ورغم دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في هذا الاتجاه.

ويؤكد ذلك ما أعلنه المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، النائب علي حسن خليل الذي قال: «لسنا مع تعيينات بغياب رئيس للجمهورية، لكننا أصبحنا أمام واقع دقيق وصعب يهدد مؤسسات كبيرة. فإذا حدث توافق على تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي فلن نعترض، ولن نكون حجر عثرة في ظل الإرباك الحاصل والفراغ القاتل».

وكان الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله حاسماً في هذا الموضوع منذ شهر مايو (أيار) الماضي حين قال: «حكومة تصريف الأعمال لا تعيّن شخصًا في منصب حاكم مصرف لبنان فلا تعيين، ولا تمديد للحاكم، وعلى الجميع تحمّل مسؤولياته وعدم التخلي عنها».

وبعد الموقف المستجد لنواب الحاكم الذي يبدو أنه لم يرض الأحزاب المسيحية الرئيسية، يُنتظر ما ستكون عليه مواقفها الرسمية لتحديد المسار الذي سوف تسلكه هذه الأزمة المستجدة التي ستبلغ مداها مع انتهاء ولاية سلامة نهاية الشهر الحالي.

وفي هذا السياق، تساءل عضو تكتل «الجمهورية القوية» جورج عقيص في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا لا يزال هناك نواب لحاكم مصرف لبنان؟ ولماذا لا نعدّل قانون النقد والتسليف ونلغي هذه الوظائف الأربع التي تكبّد الدولة رواتب باهظة فيما لا يقوم النواب بأي عمل مجدٍ؟ فهم لم يخالفوا ولو مرة قرار الحاكم، وحين أتى الوقت لتحمل مسؤولياتهم مع انتهاء ولايته نراهم يهددون بالاستقالة دون سبب واضح».

ويرى عقيص أن «هناك جهات سياسية تريد استعمال مبادئ كاستمرارية المرفق العام، والضرورات تجيز المحظورات لدفع حكومة تصريف الأعمال للقيام بأمور لا يجوز لها القيام بها كالتعيين أو التمديد». ويضيف: «سنبقى في هذه الدوامة ما دام لم يتم انتخاب رئيس جديد للبلاد يعود معه انتظام عمل المؤسسات».

ويرى عضو تكتل «لبنان القوي» النائب أسعد درغام أن «ما يحدث يؤكد أننا في أزمة حكم، وفي كنف نظام لا ينظّم عمل المؤسسات». ويقول في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لا نقارن بين السيئ والجيد، إنما بين السيئ والأسوأ. الأسوأ هو تعيين حاكم جديد في ظل غياب رئيس الجمهورية كأن الأمور طبيعية. أما السيئ فهو تسلّم حارس قضائي أو نائب الحاكم على أساس أن الدستور واضح، ويمنع الفراغ في هذا الموقع، والمطلوب تطبيق المراد القانوني والدستوري»، مضيفاً: «نتمنى أن تبتعد التجاذبات السياسية عن الحاكمية». ويشدد على أن «المطلوب وبأسرع وقت ممكن الذهاب نحو انتخاب رئيس جمهورية لتنظيم عمل المؤسسات، وبعدها ينظر بكل الأمور الخلافية من خلال تطبيق اتفاق الطائف وتعديل أي شوائب فيه».

وفي المقابل، يبدو الحزب «التقدمي الاشتراكي» مستعداً للسير بأي خيار يحول دون الفراغ في الحاكمية وإن كانت خيارات كتعيين حاكم جديد أو التمديد للحاكم الحالي. ويقول النائب في «اللقاء الديمقراطي» الدكتور بلال عبد الله: «كل أمر يتعلق بتسيير شؤون الدولة ومؤسساتها الأمنية والاقتصادية والمالية والاجتماعية يجب أن يكون خارج إطار الكيدية السياسية والاجتهادات غب الطلب الدستورية»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «نحن ضد الفراغ في أي موقع أو مؤسسة خاصة عندما تكون حساسة أي أمنية اقتصادية أو نقدية. ونشدد على معالجات بإطار المصلحة الوطنية، وبوعي وليس بإطار مواقف جامدة تتلطى بالدستور، وتختزن مواقف سياسية واضحة ضمن الاستحقاقات». ورداً على سؤال عما إذا كانوا يفضلون التمديد أو التعيين، يؤكد عبد الله أنهم يفضلون تعيين حاكم جديد، «لكننا مع كل إجراء يمنع الفراغ في المؤسسات؛ لأن اللعب بهذه المؤسسات هو لعب بمصير البلد».

ويبدو أن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يستعد لـ«تحرك خلال الأسبوعين المقبلين للحوار مع الفرقاء للوصول إلى مخرج»، كما أعلن مستشاره النائب السابق نقولا نحاس مؤكداً أن «هناك تطوّراً يغيّر المشهد في بيان نواب حاكم مصرف لبنان». ولفت نحاس في حديث إذاعي إلى أن «المشكلة تبقى في تأمين استمراريّة المرفق العام خصوصاً حاكم مصرف لبنان؛ لأن السياسة النقدية بيده»، موضحاً أن «قرار رئيس الحكومة يسعى إلى إحداث توازن ما بين هو ضروري وأساسي وبين التوازنات السياسية». وأضاف: «هناك مخارج متعددة منها التعيين وتسليم الحاكم الأول، وإذا لم يجرِ التوافق على المخرجين المطروحين فهناك مخرج جديد سوف يُدرس».

وبدوره، أصدر نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي بياناً استغرب فيه بيان نواب الحاكم مؤكداً أن «التهديد بالاستقالة الذي ينطوي عليه البيان خطير للغاية في هذا المنعطف الحرج والوقت العصيب الذي يمر به البلد»، وأضاف أن المادة 25 من «قانون النقد والتسليف» تقول بوضوح إن النائب الأول للحاكم يتولى مسؤولية الحاكم عند شغور المنصب. وقال: «نحن بحاجة إلى حاكم جديد لمصرف لبنان، لكن على نواب الحاكم تحمل مسؤوليتهم في حالة تعذر هذا التعيين».

شاركها.
Exit mobile version