❖ غزة – محمـد الرنتيسي

لم يكن الطفل أيهم عوض الله، يعلم أن لحظة معانقته لكيس الأرز، الذي حصل عليه بعد كبير عناء بين طابور الجوعى، الذي كان يعج بهم مركز لتوزيع المساعدات الإنسانية في رفح، ستكون الأخيرة، ففي لحظات هستيرية مجنونة، طار سقف المبنى الذي تكدس فيه النازحون، لتتحطم آماله في إسعاد عائلته، ويبقى كيس الأرز ملطخاً بدمه.

لحظات قبل استشهاده، كان أيهم ابن الـ14 عاماً، يبتسم لوالده، وقد اقترب دوره لاستلام حصته من المساعدات، غير عابئ بالغبار والعرق الذي كان يلطخ وجهه، لكن ما هي إلا لحظات، حتى انهمرت القذائف الملتهبة على المكان، وغطى دخان أسود كثيف سماء المنطقة، فراح الوالد يبحث عن أيهم دون جدوى، لكن بعد مرور عدة ساعات، وجده مغموراً تحت الركام، وبجانبه كيس الأرز، وقد اصطبغ بالدم الأحمر القاني.

يقول الوالد المكلوم بينما كانت دموعه تخنقه: «لم أكن أتصور أن وجبة أرز هي آخر ما كان يتمناه أيهم.. كان ينتظرها منذ أيام، إذ اقتصر طعامنا في الأيام الأخيرة على الحساء، لكنه رحل على جوعه، وقبل أن يتناولها، غادرنا سريعاً حاملاً قلوبنا معه».

«كأنهم يريدون قتل أي شكل للحياة» أضاف حسن عوض الله والد أيهم، متسائلاً: «ما الذنب الذي ارتكبه أيهم وغيره، سوى البحث عن الطعام»؟.. منوهاً بأن مركز توزيع الطعام في رفح، تحول إلى ما يشبه بركة دماء، ولم يكن يُسمع في المكان غير أنين الجرحى وبكاء الأمهات وصراخ الأطفال المذعورين.

ومع مجزرة مركز المساعدات، يمضي العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة نحو شهره الـ20، وقد بلغ ذروته بوسائل جديدة من شأنها أن تفقد الغزيين الطعام، وفصول أخرى للقتل والتجويع والترويع، ومشاهد مرعبة، عنوانها استهداف التكايا ومراكز توزيع المساعدات، حيث تتعرض حشود النازحين الجوعى، الباحثين عن الطعام، دون سابق إنذار للغارات الوحشية المفاجئة، ما يتسبب بسقوط الشهداء والجرحى، ومرة أخرى يستخدم كيان الاحتلال الغذاء سلاحاً للقتل، في استهداف متعمّد ومقصود، هدفه تجفيف مراكز المساعدات الإغاثية، وسحب الفرق الإنسانية من قطاع غزة، كما يقول مواطنون غزيون.

ويروي نازحون، أن آلاف الجوعى تدفقوا من شمال ووسط قطاع غزة، وزحفوا جنوباً نحو رفح، للحصول على بعض المساعدات، ولدى وصولهم، استهدفتهم طائرات ودبابات الاحتلال، ما أوقع العشرات من الشهداء والمصابين، الذين امتزجت دماؤهم بما حصلوا عليه من أرز أو طحين.

«التجويع سلاح فتاك يستخدمه الاحتلال، بعد أن أصبح أسلوبا خبيثا وأداة حرب جديدة لقتل النازحين، من خلال إجبارهم على التجمع طوعاً في مراكز توزيع المساعدات، ووضعهم في نقاط قتل مكشوفة، ليسهل اصطيادهم دفعة واحدة» ،قال نازح من رفح، مشدداً على أن هذا الأسلوب الإجرامي من القتل، يتم بغطاء سياسي من حكومة نتنياهو.

شاركها.
Exit mobile version