تصدر أجسامنا وابلاً من المواد الكيميائية ذات الرائحة النفاذة عبر مسامنا وفي أنفاسنا، بعضها قد يكشف عن احتمال إصابتنا بمرض ما، قبل سنوات من تشخيصه من قِبَل الأطباء.
وحسب شبكة «بي بي سي» البريطانية، يعمل العلماء الآن على تقنيات للكشف المنهجي عن المؤشرات الحيوية ذات الروائح المميزة، والتي قد تُسرِّع تشخيص مجموعة كبيرة من الحالات المرضية، بدءاً من مرض باركنسون وإصابات الدماغ، وصولاً إلى السرطان.
ويقول إندرياس ميرشين، الفيزيائي والمؤسس المشارك لشركة «RealNose.ai» وهي شركة تُطوّر أنفاً روبوتياً لتشخيص الأمراض عن طريق الرائحة: «تُعد هذه التقنية ضرورية، نظراً لقلة عدد الأشخاص الذين يمتلكون أنوفاً قوية بما يكفي لاكتشاف المواد الكيميائية الحيوية التي تظهر في المراحل المبكرة من الإصابة بالأمراض».
مرض باركنسون (الشلل الرعاش)
في عام 2022، استعان العلماء بسيدة لديها القدرة على «شمّ رائحة مرض باركنسون» في التوصل إلى اختبار يرصد المرض.
وتدعى السيدة جوي ميلن، وتبلغ من العمر 75 عاماً، وتمتلك حاسة شم قوية بصورة لم يسبق لها مثيل.
وقالت ميلن التي تعيش في مدينة بيرث باسكوتلندا، إنها لاحظت تغيراً في رائحة زوجها الراحل «ليس» قبل نحو 12 عاماً من إصابته بمرض باركنسون؛ حيث كانت أشبه برائحة المسك.
ويعتقد العلماء أن هذه الرائحة التي تشمها ميلن ناجمة عن تغير كيميائي في زيت الجلد يسببه المرض.
واتضح أن ميلن لديها فرط في حاسة الشم، وهي سمة تجعل حاسة الشم لديها أكثر حساسية من حاسة الشم لدى الإنسان العادي -أي ما تُعرف بـ«حاسة الشم الخارقة».
مرض السكري
قد تحمل أنفاس أو جلد مرضى السكري الذين يعانون من نوبة نقص سكر الدم رائحة تشبه رائحة «التفاح الفاسد» نتيجة لتراكم الكيتونات، وهي مواد كيميائية حمضية في مجرى الدم. وتُنتج هذه الكيتونات عندما يستقلب الجسم الدهون بدلاً من الغلوكوز.
أمراض الكبد والكلى
قد تنبعث من أنفاس أو بول المصابين بأمراض الكبد رائحة عفنة أو كبريتية.
أما إذا كانت رائحة أنفاسك تشبه رائحة الأمونيا أو رائحة السمك أو رائحة البول، فقد يكون ذلك علامة على إصابتك بأمراض الكلى.
السرطان
درب العلماء الكلاب على اكتشاف سرطانات الرئة والثدي والمبيض والمثانة والبروستات لدى البشر، نظراً لأنها تمتلك حاسة شم أقوى من حاسة الإنسان بما يصل إلى 100 ألف مرة.
وفي إحدى الدراسات التي أُجريت على سرطان البروستاتا -على سبيل المثال- تمكنت الكلاب من اكتشاف المرض في عينات البول بنسبة نجاح بلغت 99 في المائة. كذلك دُربت الكلاب على اكتشاف العلامات المبكرة لمرض باركنسون، والسكري، ونوبات الصرع الوشيكة، والملاريا، وكل ذلك من خلال حاسة الشم وحدها.
ولكن لماذا تؤثر الأمراض على رائحة الجسم؟
يعود السبب إلى مجموعة من الجزيئات تُعرف بالمركبات العضوية المتطايرة (VOCs).
وللبقاء على قيد الحياة، يجب على أجسامنا تحويل الطعام والشراب باستمرار إلى طاقة. ويحدث ذلك من خلال سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي تحدث داخل الميتوكوندريا، وهي هياكل دقيقة في خلايانا تُحوِّل السكريات من طعامنا إلى طاقة يستخدمها الجسم.
وتُنتج هذه التفاعلات الكيميائية جزيئات تُعرف باسم المستقلبات، بعضها متطاير، ما يعني أنها تتبخر بسهولة في درجة حرارة الغرفة، وبالتالي قد تلتقطها أنوفنا. ثم تفرز هذه المركبات العضوية المتطايرة من الجسم.
ويقول بروس كيمبال، عالم البيئة الكيميائية في مركز «مونيل» للحواس الكيميائية، وهو معهد بحوث في فيلادلفيا بالولايات المتحدة: «إذا كنت تعاني من عدوى، أو مرض، أو إصابة، فمن المنطقي أن يكون هناك تأثير على عملية الأيض لديك».
ويضيف: «بعبارة أخرى: يمكن أن يؤدي المرض إلى تغيير المركبات العضوية المتطايرة المُنتجة، مما يُغير رائحة الجسم».
ويقول كيمبال: «لقد درسنا عدداً من الالتهابات الفيروسية والبكتيرية، ودرسنا سرطان البنكرياس، وداء الكلب. القائمة طويلة جداً. وقد لاحظنا أن كثيراً من تغيرات المركبات العضوية المتطايرة المرتبطة بهذه الأمراض دقيقة للغاية، بحيث يصعب على البشر رصدها، ولهذا السبب يمكن للكلاب -أو الروبوتات المدربة- أن تساعدنا في تشخيص بعض الحالات الخطيرة التي يصعب اكتشافها في المستقبل».
ويعمل كيمبال -على سبيل المثال- مع زملائه، على تطوير اختبار لتشخيص إصابات الدماغ لدى الأطفال، بناءً على التغيرات في المركبات العضوية المتطايرة المنبعثة من أجسامهم.
وفي عام 2016، نشروا دراسة تكشف أن إصابات الدماغ الرضحية لدى الفئران تسبب رائحة مميزة، وأنه من الممكن تدريب فئران أخرى على شمها.
وفي عمل جديد سيُنشر قريباً، لاحظ كيمبال وجود كيتونات محددة في بول الإنسان خلال الساعات الأولى التي تلي الارتجاج. ولا يزال سبب إطلاق هذه الروائح بعد هذه الإصابات غير واضح، ولكن إحدى النظريات هي أن الدماغ يطلق المركبات العضوية المتطايرة كمنتج ثانوي في أثناء محاولته إصلاح نفسه.
“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}