سعت موسكو وواشنطن طيلة 7 أشهر لعقد قمّة لمناقشة إنهاء الحرب في أوكرانيا. وانتهت المحاولات بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الجمعة، أنه سيلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد أسبوع، أي في 15 أغسطس (آب) في ألاسكا، وهي الولاية التي باعتها الإمبراطورية الروسية للولايات المتحدة مقابل 7.2 مليون دولار عام 1867، حين كان القيصر ألكسندر الثاني يرزح تحت ديون الحرب.
لم يتضمن الإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي أي تفاصيل أخرى. ونظراً لأن الاجتماع لن يشمل تمثيلاً أوكرانياً، فإن فرص تحقيق اختراق فوري تُعتبر ضئيلة. ومع ذلك، فإن عقد قمة بين القائدين الروسي والأميركي يعكس تغيراً ملحوظاً في السياسة الأميركية. فقد عامل الغرب بوتين، إلى حد كبير، بوصفه قائداً منبوذاً منذ غزوه أوكرانيا عام 2022، وهو الغزو الذي تسبب في مقتل مئات الآلاف ودمار واسع في كلا البلدين. ويرى الكرملين مجرد استعداد رئيس أميركي للقاء ببوتين نصراً دبلوماسياً.
توقيت القمّة
منذ أن تولّى ترمب منصبه في يناير (كانون الثاني)، طرحت الولايات المتحدة وروسيا مراراً فكرة عقد قمّة للقادة.
وبينما كان الزعيم الروسي مُتحمّساً للّقاء، فقد تردّد في اتّخاذ أي خطوات ملموسة لإنهاء الحرب طالما كان يعتقد أن روسيا تُحقّق تقدّماً في أوكرانيا. أما ترمب، الذي كان في البداية مؤيداً لروسيا ومنتقداً للمساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، فقد أجّل اللقاء مراراً طالما أن إنهاء الحرب بدا مستحيلاً، مُعبّراً مراراً عن إحباطه. ثم جعل من يوم الجمعة الماضي موعداً نهائياً لفرض عقوبات جديدة ما لم يُنهِ بوتين الحرب.
وقد نفّذ ترمب جزءاً من تهديداته يوم الخميس، بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الهندية إلى الولايات المتحدة بنسبة 50 في المائة لمعاقبتها على استمرار استيراد النفط الروسي.
وجاء طلب روسيا لعقد قمّة بالتزامن مع اقتراب الموعد النّهائي لعقوبات ترمب الأولية والثانوية الجديدة. وأُعلن عن قرار القمّة بعد أن عقد ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لترمب، اجتماعاً مع بوتين في الكرملين يوم الأربعاء، رغم أن أيّاً من الطرفين لم يكشف عمّا دار فيه.
ماذا يريد بوتين؟
من المحتمل أن يستخدم بوتين القمة تكتيكاً للمماطلة، إضافةً إلى محاولة تحسين العلاقات المتوترة مع واشنطن.
وعلى نطاق أوسع، تنسجم القمة مع رؤية بوتين للعالم، التي ترى أن القوى العظمى يجب أن تُحدّد مناطق نفوذها، تماماً كما اجتمع جوزيف ستالين مع الرئيس فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في يالطا عام 1945 لتحديد معالم أوروبا بعد الحرب.
ويعتقد بوتين أن الترسانة النووية الضخمة لروسيا تجعلها قوة عالمية، رغم أن روسيا لا تُنتج سوى القليل مما يريده العالم، باستثناء الطاقة. كما أن بوتين، الذي وصف تفكّك الاتحاد السوفياتي عام 1991 بأنه «أعظم كارثة جيوسياسية في القرن»، يسعى منذ عقود لإعادة فرض سيطرة موسكو على أوكرانيا.
وعقدت روسيا وأوكرانيا 3 جولات من المحادثات في إسطنبول، واستغلّت موسكو هذه الاجتماعات لمحاولة تحقيق ما عجزت عن تحقيقه في ساحة المعركة.
ومن المُرجّح أن يُكرّر بوتين في أي اجتماع مع ترمب مطالبه ذاتها: اعتبار شرق أوكرانيا جزءاً من روسيا، ومنع انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ووقف توسع الحلف في أراضي الاتحاد السوفياتي السابق، وتقييد حجم الجيش الأوكراني، وضمان أن تكون حكومة أوكرانيا ودودة تجاه موسكو.
ما الذي يريده ترمب؟
كان أحد وعود حملة ترمب الانتخابية إنهاء الحرب في أوكرانيا خلال 24 ساعة. ورغم أن هذا الموعد انقضى منذ زمن، فإنه ما زال يعتبر نفسه صانع الصفقات الأول. كما أنه لم يُخفِ رغبته في الفوز بجائزة نوبل للسلام، وربط استحقاقه لها بجهوده في أوكرانيا وغيرها من النزاعات.
وقد اتّسم موقف ترمب من الحرب بالتقلب. ففي وقت سابق من هذا العام، بدا وكأنه يتماشى مع الكرملين، حيث قلّص المساعدات العسكرية لأوكرانيا لفترة، وضغط على الرئيس فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماع شهير في المكتب البيضاوي في فبراير (شباط).
لكن مع ازدياد إحباطه من بوتين، سمح مؤخراً بمزيد من مبيعات الأسلحة المخصصة لأوكرانيا. وانتقد قصف روسيا للمدن الأوكرانية، واصفاً إياه بأنه «مُخزٍ» و«مُقزز». وقبل شهر، انتقد بوتين مباشرة.
وقال ترمب للصحافيين خلال اجتماع لحكومته: «بوتين يوجه إلينا الكثير من الهراء، إذا أردتم معرفة الحقيقة. إنه لطيف جداً معنا طوال الوقت، لكن في النهاية يتضح أن الأمر بلا معنى».
وعاد الرئيس الأميركي هذا الأسبوع إلى لهجة السلام، فكتب على منصته للتواصل الاجتماعي: «الجميع يتفق على أن هذه الحرب يجب أن تنتهي، وسنعمل على ذلك في الأيام والأسابيع المقبلة».
أوراق واشنطن
رغم أن ترمب هدّد بفرض عقوبات أولية وثانوية قاسية على روسيا لإنهاء الحرب، فقد أقرّ بأنه قد لا يكون لها أي تأثير.
وفي حين أن رؤساء أميركيين سابقين قد يوافقون على قمة مكافأة على تقديم تنازلات نحو اتفاق سلام، فإنه لا توجد أي مؤشرات على أن بوتين غيّر موقفه الرافض لأي تسوية من هذا النوع.
فقد سمحت مبيعات الطاقة المستمرة لروسيا بتحمُّل أقسى العقوبات الغربية حتى الآن، كما أن لديها تجارة مباشرة محدودة مع الولايات المتحدة. ولم يفرض ترمب الرسوم الجمركية الحادة على الواردات الروسية التي فرضها على بعض شركاء أميركا التجاريين.
وقال ترمب في مقابلة مع قناة «CNBC»، الثلاثاء: «سيتوقف بوتين عن قتل الناس إذا خفضتم سعر الطاقة 10 دولارات أخرى للبرميل». لكن ترمب لم يتحرك لمعاقبة الصين، أكبر مستورد للنفط الروسي، فيما أكد المسؤولون الهنود أنهم يعتزمون مواصلة شراء النفط الروسي.
فرص تحقيق اختراق
لن تكون أوكرانيا، وهي أحد الأطراف الرئيسية في حرب روسيا، ممثلة في القمة. وقد قال ترمب إنه سيلتقي بزيلينسكي بعد ذلك بفترة قصيرة، لكن غياب أوكرانيا سيحدّ مسبقاً من النتائج. كما أن أوروبا، التي لها مصلحة كبيرة في نتيجة الحرب، لن تكون ممثلة أيضاً.
وعلى الرغم من الخسائر الهائلة التي تكبدتها أوكرانيا من حيث الأرواح والدمار، تشير استطلاعات الرأي إلى أن أغلبية قوية من الأوكرانيين ترفض فكرة تقديم التنازلات الإقليمية وغيرها من المطالب التي يفرضها الكرملين.
لقد أعاق رفض الجانبين تقديم تنازلات أي جهد للتوصل إلى تسوية عبر التفاوض منذ فترة طويلة، ولا توجد مؤشرات كبيرة على التفاؤل الآن.
وكتبت صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» الروسية عن القمة: «هل هو تحول حقيقي في حل الصراع الأوكراني؟ أم أنه سيتضح مرة أخرى أنه مجرد بداية زائفة وضجة وارتباك؟»
وقد عبّر بعض الجنود الأوكرانيين عن مشاعر مماثلة.
*خدمة صحيفة «نيويورك تايمز».
“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}