الدوحة – قنا

انطلق مدينة زيورخ المؤتمر رفيع المستوى حول السلام في أوكرانيا، والذي يستمر يومين بهدف تمهيد الطريق لتحقيق سلام عادل ودائم في أوكرانيا.

وأكدت أكثر من 80 دولة مشاركتها في القمة، نصفها من أوروبا، وتشارك دولة قطر بوفد يترأسه معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية.

ولا تعتبر “قمة السلام في أوكرانيا” منتدى للتفاوض، بل هي قمة رفيعة المستوى تهدف لخلق أساس للمفاوضات مستقبلا بين روسيا وأوكرانيا.

وستتناول القمة، التي أعلنت سويسرا في العاشر من أبريل الماضي عن تحقيق الشروط اللازمة لعقدها، ثلاثة موضوعات رئيسية، هي السلامة النووية، والأمن الغذائي، وحرية الملاحة، فضلا عن الجوانب الإنسانية كحماية المدنيين وتبادل أسرى الحرب.

ويأتي تنظيم القمة تلبية لطلب وجهه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لرئيسة سويسرا فيولا أمهيرد في يناير الماضي، لتنظيم قمة سلام دولية بهدف وضع حد للحرب المتواصلة في أوكرانيا منذ أواخر فبراير 2022.

وقالت وزارة الخارجية السويسرية إن القمة ستبني على المناقشات التي جرت في الأشهر الأخيرة، ولا سيما صيغة السلام الأوكرانية، ومقترحات السلام الأخرى المستندة إلى ميثاق الأمم المتحدة والمبادئ الأساسية للقانون الدولي، وستعمل على توفير منصة للحوار حول سبل تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في أوكرانيا على أساس القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وتعزيز الفهم المشترك لإطار يمكن من الوصول إلى هذا الهدف، وتحديد خارطة طريق بشكل مشترك حول كيفية إشراك الطرفين في عملية السلام المستقبلية.

ورغم أهمية القمة، وتنوع المشاركين فيها، فإن غياب روسيا عنها ومعارضتها لها قد يجعل من الصعب التنبؤ بما ستحققه من نتائج، وما إذا كانت ستنجح فعلا في وضع أسس للسلام في أوكرانيا.

وسبق أن أكدت روسيا أكثر من مرة، وعلى لسان أكثر من مسؤول، استعدادها للتفاوض مع أوكرانيا، لكنها ترى أن أي مؤتمر أو قمة بهذا الشأن لا يأخذ هواجس موسكو الأمنية بعين الاعتبار لن تكون له نتائج ملموسة على أرض الواقع.

وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في السابع من الشهر الجاري، أن بلاده ستنتصر في أوكرانيا، لكنه قال إنها مستعدة للتفاوض أيضا، وإن أية مفاوضات محتملة بين الدولتين يجب أن تستند إلى الواقع الجديد.

وقال بوتين خلال الجلسة العامة في منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، إن جميع النزاعات المسلحة تنتهي بنوع من اتفاقيات السلام.. مضيفا: “ومع ذلك، فإن كل هذه الاتفاقيات يمكن أن تقوم إما على أساس الهزيمة العسكرية، أو على أساس النصر، نحن نسعى جاهدين وسوف نحقق النصر”.

وأكد أن روسيا تريد التفاوض، مع أوكرانيا، ولكن وفقا للشروط التي نوقشت في مينسك وإسطنبول.

وقال: “إذا كانت هناك رغبة في التفاوض، فنحن مستعدون لهذه المفاوضات، ولكن فقط، أكرر، على الشروط التي اتفقنا عليها عندما بدأنا هذه المفاوضات في مينسك ثم في إسطنبول، وليس وفق شروط خيالية”.. مضيفا أن “المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا ينبغي أن تستند إلى الحقائق الراهنة”.

من جهة أخرى، فإن روسيا ترى أن السلطات الأوكرانية الحالية منتهية الصلاحيات، وهو ما عبر عنه الرئيس بوتين في تصريحاته الأسبوع الماضي عندما قال إنه “وفقا للتشريعات الأوكرانية فإن السلطة التنفيذية هناك فقدت شرعيتها، لأن القانون الأوكراني لا ينص على تمديد صلاحيات رئيس البلاد في حالة الحرب”.

كما أعلنت الصين أيضا، أنها لن تشارك في القمة، في ظل غياب روسيا عنها، لكنها أكدت أن ذلك لا يعني أن بكين لا تؤيد السلام.

ويصنف الغرب الصين حليفا لروسيا، خاصة أنها من بين دول قليلة في العالم لم تعبر عن إدانتها للحرب في أوكرانيا.

وفي فبراير 2023، أعلنت الصين عن مبادرة لتسوية الأزمة بين روسيا وأوكرانيا سلميا، مشددة على ضرورة استئناف الحوار المباشر بين البلدين في أسرع وقت ممكن، في كنف الاحترام التام لسيادة كافة الدول، وتطبيق القانون الدولي بشكل موحد، والتخلي عن المعايير المزدوجة، لكنها لم تلق التجاوب الدولي المطلوب.. وفي مايو الماضي قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن الصين قد تنظم مؤتمر سلام تشارك فيه كل من موسكو وكييف.

وأضاف لافروف أن بلاده تتفق مع الصين على ضرورة معالجة ما سماه “الأسباب الجذرية للصراع” بين روسيا وأوكرانيا، وحماية المصالح القانونية لجميع الأطراف، على أن ترتكز الاتفاقات اللاحقة على مبدأ ضمان الأمن بشكل متساو.

 

وتأتي مشاركة دولة قطر في القمة، انطلاقا من دورها الرائد إقليميا ودوليا في حل الخلافات عن طريق الوساطة، ودعواتها المستمرة لتغليب الحوار والجلوس إلى طاولات التفاوض، والالتزام بالمواثيق والعهود الدولية.

وكانت الدوحة ولا تزال مركزا رئيسيا للمفاوضات بين الفرقاء، حيث استضافت في أكثر من مرة اجتماعات غاية في الحساسية السياسية بين الدول، سواء المتحاربة أو التي بينها خلافات، للمساهمة في تعزيز الأمن والسلم الدوليين، من خلال وساطات ناجزة في ملفات عديدة كان لها أثر بالغ في تحقيق السلام العالمي.

وضمن جهودها للمساهمة في حل الأزمة في أوكرانيا والتخفيف من تداعياتها الإنسانية والاجتماعية، أطلقت دولة قطر، مبادرة “لم الشمل”، خاصة لتعزيز حماية الأطفال المتضررين من النزاعات من خلال التنسيق المستمر بين أوكرانيا وروسيا لإنجاح عمليات لم شمل الأسر لضمان سلامة وأمن الأطفال، وتوفير الرعاية المناسبة لهم أثناء وقبل هذه العملية الإنسانية التي وجدت تقديرا عالميا كبيرا.

وفي إطار تبنيها لمبادرة “لم الشمل”، أعلنت قطر مؤخرا التزامها بتقديم 3 ملايين دولار لمكتب مفوض البرلمان الأوكراني لحقوق الإنسان، لدعم عمله الأساسي في أوكرانيا، وهو التمويل الذي سيتيح مجموعة من المبادرات الرئيسية، بما في ذلك تعيين خبراء الرصد وإنشاء ودعم المكاتب الإقليمية في جميع أنحاء أوكرانيا، وتعزيز البنية التحتية اللازمة لتقديم خدمات فعالة تهدف إلى دعم الأسر والأطفال الذين تضرروا من النزاع الدائر.

وقد نجحت قطر، من خلال جهود الوساطة، في جمع شمل الأطفال الأوكرانيين مع عائلاتهم عبر أربع عمليات، واستضافت في إبريل الماضي حوالي 20 عائلة تم لم شملها من كلا الجانبين (الروسي والأوكراني)، وقدمت لها الدعم الطبي والنفسي والاجتماعي الشامل كجزء من برنامج الصحة والتعافي، بهدف تلبية الاحتياجات الفورية والطويلة الأجل لهذه العائلات وتسهيل تعافيها وإعادة اندماجها بشكل مستقر.. كما استضافت في نفس الشهر وفدا أوكرانيا وآخر من روسيا الاتحادية، وذلك في إطار جهود وساطتها المستمرة لجمع شمل العائلات التي شتتها الصراع الحالي، فقطر تؤمن إيمانا راسخا بالمبادئ الراسخة للقانون الدولي، بما فيها الالتزامات بموجب الميثاق بتسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، والالتزام بسيادة واستقلال الدول وسلامتها الإقليمية.

وتعكس جهود قطر المستمرة لـ”لم شمل الأسر المشتتة” بسبب النزاع بين روسيا وأوكرانيا، موثوقية قطر دوليا لدى مختلف الأطراف والتزامها الدائم بتعزيز السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وأدوارها البناءة والفاعلة في مختلف الأزمات والصراعات التي يواجهها العالم اليوم.

وتعد الجهود الإنسانية القطرية امتدادا لنهج الدولة في الوساطة وحل النزاعات بالوسائل السلمية، وفقا لمبادئ القانون الدولي، وتعكس أيضا التزامها الدائم بالمبادئ الإنسانية والتضامن الدولي، فضلا عن إسهاماتها الفعلية في بناء السلام والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وشاركت قطر مؤخرا في مؤتمر برلين لإعادة بناء أوكرانيا، الذي ناقش عدة محاور، على رأسها حشد الدعم الدولي لإعادة الإعمار والإصلاح في أوكرانيا، بما في ذلك توفير المساعدات العاجلة وتنفيذ مشاريع التعافي السريع وجذب الاستثمارات والمشاركة بفعالية في إعادة الإعمار والإنعاش الاجتماعي، لا سيما في مجالات التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية.

وتحافظ قطر على سياسة خارجية متوازنة منذ بداية الحرب الروسية -الأوكرانية، حيث تواصلت مع الجانبين ودعت مرارا إلى ضرورة الحوار لإنهاء الصراع في وقت تعمل فيه على تقديم المساعدة القصوى للأطفال والأسر ضحايا الحرب.

ولا تدخر دولة قطر جهدا من أجل تحقيق الأمن والسلم على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتعمل في كل الاتجاهات في سبيل تحقيق الاستقرار في المنطقة، وهو ما يظهر من خلال حراكها الدبلوماسي النشط والفعال مع كل الشركاء.

شاركها.
Exit mobile version