رغم أن القانون الأميركي لا يمنع أي شخصية من الترشح ضد رئيس هو عملياً زعيم الحزب الذي يحتل المكتب البيضاوي، ويسعى للتجديد لولاية ثانية، لم يحدث أن هذا الترشح أدى إلى تغيير في النتيجة. ذلك أن كل الرؤساء الأميركيين، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، نجحوا عملياً في الحصول على ترشيح حزبهم في الانتخابات التمهيدية، التي عادة ما تكون حامية لدى الطرف المعارض، رغم «تمرد» البعض وإصرارهم على تحدي «الرئيس». بيد أن فشل بعضهم في الحصول على فترة ولاية ثانية غالبا ما كان سببه خسارتهم الانتخابات العامة أمام خصمهم من الحزب المعارض.

مع استطلاعات الرأي الجارية في الولايات المتحدة تظهر أن 38 في المائة فقط من الديمقراطيين يؤيدون ترشيح الرئيس جو بايدن (80 سنة) لفترة ثانية، بدا أن حظوظ روبرت كنيدي (جونيور) «الابن» (69 سنة)، المرشح الديمقراطي «المتمرد»، الذي يبني حملته الانتخابية على «نظرية المؤامرة» القائمة على فكرة «أن الأشخاص الأقوياء يعملون في الخفاء لخداعك»، قد تكون أقرب لكسر تلك القاعدة… وهذا ما لم يتقدم مرشح آخر مدعوم من «مؤسسة» الحزب.

إذ أظهر استطلاع حديث أجرته شبكة «سي إن إن»، أن 20 في المائة من الناخبين الديمقراطيين يؤيدون كنيدي كمرشح رئاسي، وأن 44 في المائة إضافية سيفكرون في دعمه. ومن المجموعة الثانية، قال 1 من كل 5 إن اسم كنيدي والعلاقات الأسرية كانت الأسباب الرئيسية لاعتبارهم. وهذا يضعه عملياً في المرتبة الثانية في السباق التمهيدي الديمقراطي، بموازاة حاكم فلوريدا رون دي سانتيس في التصويت التمهيدي للحزب الجمهوري، رغم التغطية الضئيلة التي يحظى بها من وسائل الإعلام، وقلة الإعلانات المدفوعة.

سيرة ذاتية

ولد روبرت فرنسيس كنيدي في مستشفى جامعة جورج تاون في العاصمة الأميركية واشنطن يوم 17 يناير (كانون الثاني) 1954. وهو الثالث من بين 11 مولوداً للسيناتور والمدعي العام (وزير العدل) روبرت كنيدي وزوجته إثيل، كما أنه ابن شقيق الرئيس جون كنيدي والسيناتور الراحل إدوارد «تيد» كنيدي.

نشأ كنيدي «الابن» في منازل عائلته في مدينة ماكلين، إحدى ضواحي واشنطن الراقية بولاية فيرجينيا، حيث يقيم معظم مسؤولي الدولة وأصحاب الشركات، وأيضاً في منتجع العائلة الريفي بشبه جزيرة كيب كود في ولاية ماساتشوستس.

كان عمره تسع سنوات عندما اغتيل عمه الرئيس جون كنيدي، عام 1963، و14 سنة عندما اغتيل والده في ولاية كاليفورنيا أثناء حملة ترشحه للرئاسة عن الحزب الديمقراطي عام 1968. وبعد مقتل والده، عاش في كمبريدج بضواحي بوسطن عاصمة ولاية ماساتشوستس في بيت أسرة راعية، وكان ذا شخصية مشاغبة ومتمردة.

تخرّج في مدرسة بلفري ستريت النهارية في ووترتاون في الولاية. وكان قبل انضمامه إلى تلك المدرسة قد طُرد من مدرستين داخليتين خاصتين راقيتين في ولاية نيويورك وولاية كونيتيكت لتعاطيه المخدرات.

وفي أغسطس (آب) 1970، قبض عليه مع بوبي شرايفر، ابن عمته، لحيازة الماريغوانا، ووضعا تحت المراقبة لمدة 13 شهرا. وعام 1982، قبض عليه مرة ثانية بتهمة حيازة الهيرويين. وعندما سئل عن الكيفية التي يجب أن يفسّر بها الناخبون ملفه الرئاسي غير المعتاد، أجاب كنيدي «إذا اعتقد شخص ما أن إدماني الهيرويين قبل أربعة عقود يجب أن يستبعدني من البيت الأبيض، يحق له ذلك. أنا لا أحسد أحداً».

بعدها التحق كنيدي – مثل أعمامه – بجامعة هارفارد، وتخرّج عام 1976 بدرجة بكالوريوس الآداب في التاريخ والأدب الأميركي. ودرس لاحقاً في مدرسة لندن للاقتصاد قبل أن يحصل على الإجازة في القانون من كلية الحقوق بجامعة فيرجينيا، والماجستير في القانون من جامعة بايس بنيويورك.

بدأ حياته المهنية كمساعد للمدعي العام في مدينة نيويورك. وكان محامياً وحقوقياً بيئياً ناجحاً، أسس ودافع عن جمعيات بيئية، قبل أن يوجه انتباهه في أوائل العقد الأول من القرن 21 إلى «انتهاكات» ثقة الجمهور التي كان يعتقد أنها موجودة في تنظيم صناعة الأدوية واللقاحات. وهو يعيش الآن في كاليفورنيا مع زوجته الثالثة الممثلة شيريل هاينز ولديه 6 أولاد. ومن مؤلفاته كتاب نشر عام 2005، زعم فيه أن الزئبق في اللقاحات قد يسبب في زيادة الاضطرابات العصبية مثل التوحّد. ولقد جرى سحبه في وقت لاحق من ناشريه بعد تصحيحات متعددة.

الاقتراب من السياسة

سياسياً، دار نقاش في الصحافة الأميركية عن أن إدارة الرئيس باراك أوباما الأولى ربما كانت تعتبره مرشحاً لمنصب مدير «وكالة حماية البيئة»، لكن تصريحاته المثيرة للجدل واعتقاله بتهمة حيازة الهيرويين في الثمانينيات استبعدا احتمالات حصوله على التثبيت اللازم لتعيينه من مجلس الشيوخ. ومن ثم، منذ ظهور جائحة «كوفيد – 19»، برز كنيدي كمؤيد ومروّج رائد للمعلومات المضللة عن اللقاح المضاد داخل الولايات المتحدة. وألّف عامي 2021 كتاباً عن «أنتوني فاوتشي الحقيقي»، الطبيب البارز الذي قاد جهود التصدي للجائحة، وكتاباً آخر عام 2022 بعنوان «رسالة إلى الليبراليين».

وفي الواقع، دأب كنيدي «الابن» على استخدام خطاب «نظرية المؤامرة» من أجل تبرير شكوكه وترويجها بشأن جائحة «كوفيد – 19». وهو يعتبر أن التآمر المزعوم يخدم مصالح المليارديرات، وأنه أدى إلى انتقال 4.4 تريليون دولار من ثروة الطبقة الوسطى الأميركية إلى «هذه الأوليغارشية الجديدة التي أنشأناها، من 500 ملياردير جديد بسبب الإغلاق، والمليارديرات الذين قمنا بالفعل بزيادة ثرواتهم بنسبة 30 في المائة».

في المقابل، يرى البعض أن مواقف كنيدي الحادة من قضايا البيئة، وشعاراته المدافعة عن الطبقات الفقيرة وتعاطفه مع الطبقة الوسطى، فضلا عن اسم عائلته «السحري»، عوامل ربما أسهمت بالفعل في ارتفاع أرقام مؤيديه. وكمثال، انتقد الضرر البيئي لتدريبات الجيش الأميركي في الجزر التابعة للولايات المتحدة، وخاض معارك قانونية وعلاقات عامة ضد التلوث الذي تسببه مصانع المزارع طيلة ما يقرب من 20 سنة.

وأيضاً، دافع عن التحول العالمي بعيدا عن الوقود الأحفوري نحو الطاقة المتجددة. وانتقد بشكل خاص صناعة النفط، ورفع إحدى أولى القضايا البيئية ضد شركة «موبيل أويل» بتهمة تلويث نهر الهدسون. وتحت قيادته، أطلق عام 2001 حملة للتخلص من إنتاج الفحم الحجري، ورفعت العشرات من الدعاوى القضائية التي تستهدف ممارسات التعدين، وعارض الطاقة النووية التقليدية، بحجة أنها غير آمنة وعاجزة عن المنافسة اقتصادياً.

رهان خاطئ أم خدعة؟

لكن من أين بالضبط أتى التأييد لكنيدي «الابن»؟ وهل يُمكن الرهان على نجاحه، الذي قد يكون إشكالياً، مثلما يمكن أن يكون ترشحه خادعاً في هذه المرحلة المبكرة من السباق الرئاسي؟

حسب «المتابعة» الضئيلة نفسها لنشاطات الرجل، يُعزى الاهتمام به أساساً إلى نسبه كفرد من عائلة كنيدي، إحدى أشهر العائلات السياسية الأميركية. وكما سبقت الإشارة، والده السيناتور ووزير العدل روبرت كنيدي، الذي اغتيل عام 1968، حين كان مرشحا رئاسياً، وأحد أعمامه الرئيس الأسبق جون كنيدي، الذي اغتيل أيضاً عام 1963. وعمه الأصغر السيناتور اللامع الراحل إدوارد كنيدي.

كل هذا الإرث قد يكون كافياً – عند كثيرين – لجعل بعض الديمقراطيين يلقون نظرة جدية على حملته الرئاسية. ولكن هؤلاء سرعان ما سيجدونه ناشطاً مضاداً للقاحات، كما أنه غالباً ما يبدو مثل جمهوريي «ماغا» (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) المتطرفين اليمينيين… وفق بعض الكتابات عنه.

ما يستحق الذكر هنا أنه ترويجاً لفكرته عن «خداع الأقوياء»، بدأ كنيدي «الابن» خطاباً حديثاً له بالتكلم عن «كذب» إدارة الرئيس الأسبق دوايت أيزنهاور، عام 1960، عندما أسقط السوفيات طائرة تجسّس أميركية ادّعيَ أنها كانت طائرة متخصصة بأبحاث الطقس. ثم أضاف العديد من الروايات عن هذا «الخداع»، بعضه مثبت، مثل الكشف العرضي عن مخططات فعلية ألحقت ضرراً واضحاً، كما هو الحال في فضائح بعض رجال الدين من الكنيسة الكاثوليكية، أو صناعة التبغ، أو أجهزة الاستخبارات، في حين دحض بعضه الآخر، وظل الكثير مجرد تخمينات من قبله.

أقرب إلى جمهوريي «ماغا»

مع هذا، لا أحد يعرف حتى الآن كيف سيكون رد فعل الناخب الأميركي أو الحزب الديمقراطي عندما يتكشف المزيد عن سياسات كنيدي «غير التقليدية».

مثلاً، لم يضع الرجل حتى الآن استراتيجية لقضية الهجرة، وهو «غير متأكد» مما إذا كان ينبغي حظر جراحات المتحوّلين جنسيا للشباب، رغم أنه يعارض تنافس النساء المتحولات في الرياضة النسائية. ثم يقول إنه يدعم حقوق الإجهاض ولن يقطع الضمان الاجتماعي أو برنامج الرعاية الصحية الحكومي «ميديكيد»، لكنه يرفض القول ما إذا كان سيؤيد حظر الأسلحة الهجومية، لأن «السيطرة على الأسلحة يجب أن تتحقق من خلال الإجماع».

وعلى صعيد السياسة الدولية، أدان كنيدي غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، إلا أنه يلوم واشنطن على إثارة الحرب من خلال دعمها الانتفاضة الشعبية فيها عام 2014. بل، ووصف الحرب بأنها «إعداد من قبل المحافظين الجدد ووكالة المخابرات المركزية».

ومثل ترمب، قال كنيدي إنه سيتفاوض بسرعة على السلام إذا ما انتُخِب رئيساً. وبدا أيضاً أكثر انسجاماً مع سياسات «ماغا» الجمهورية اليمينية المتطرفة منه مع سياسات الحزب الديمقراطي، في أنه لا يزال يؤمن بأن المرشح الديمقراطي – آنذاك – جون كيري، فاز في انتخابات عام 2004 الرئاسية التي أعيد فيها انتخاب الرئيس الجمهوري جورج بوش «الابن». وهو في هذا يستند غالباً إلى تحليل «فضفاض» لاستطلاعات الرأي، وماكينات الاقتراع، وعدّ الأصوات في الدوائر الانتخابية. وهذا الأمر يذكّر بنوع الادعاءات نفسها التي أدلى ويدلي بها ترمب وأنصاره حول «سرقة» انتخابات 2020. أما عن صحة انتخاب الرئيس الحالي بايدن، فهو يقول إنه لا يعرف ما إذا فاز بايدن… «لكنني أعتقد أنه فاز».

هل يساعد ترشحه ترمب؟

كنيدي يرفض المخاوف التي يعبر عنها ديمقراطيون من أن ترشحه يمكن أن يساعد ترمب أو يؤدي إلى فوز أي جمهوري آخر، وهذا بينما يعلن أنه لن يدعم بايدن – الذي يعتبره «صديقاً»، وذلك بسبب مقاربته لحرب أوكرانيا.

وفي هذه النقطة، يقر كنيدي بأن بعض أفراد عائلته، ومنهم عدد من الأعضاء الذين يخدمون في إدارة بايدن، غير موافقين على ترشحه وغير مؤيدين لآرائه. وحقاً، كتب إخوة كنيدي، تحديداً كاثلين كنيدي تاونسند وجوزيف كنيدي، وابنة أخته ماييف كنيدي ماكين، مقالة رأي عام 2019، حذّروا فيها من «معلوماته الخاطئة والخطيرة» التي تعرّض الصحة العامة والأطفال للخطر. وحتى زوجته، الممثلة شيريل هاينز، نأت بنفسها عن آرائه، عندما قال إن اليهود كانوا يتمتعون بحريات أكبر في عهد هتلر مقارنة بالأميركيين الذين لم يتلقوا اللقاح المضاد لـ«كوفيد – 19».

بيد أن إطلالاته الإعلامية مع المحطات والمواقع اليمينية، تبقى التصرفات الأكثر إثارة لمخاوف المؤسسة الحزبية الديمقراطية. إذ إنه ظهر مع محطة «فوكس نيوز» التي عاملته على أنه «منافس جاد» لبايدن. وظهر مع مجموعة من المتحدثين اليمينيين في برامج بودكاست، شملت الكاتب المحافظ مات والش، الذي يصف نفسه بأنه «ثيوقراطي فاشي»، والناشطة اليمينية السوداء كانديس أوينز، الداعية إلى مساعدة السود على «الهروب من المزرعة الديمقراطية»، وتشارلي كيرك، وهو مؤسس مجموعة يمينية تدعى «نقطة تحول لأميركا». وكان الموضوع المشترك لهؤلاء المتحدثين اليمينيين اقتناعهم بأن المؤسسات الإخبارية الكبرى لم تعد تقدم صوراً دقيقة لما يحدث، وهو ما يلتقي مع اتهامات كنيدي السابقة لوكالة الاستخبارات المركزية (السي آي إيه) «تواصل التأثير على التغطية الإخبارية السياسية المحلية».

ورغم ذلك، وفق مجموعة «القيم الأميركية 2024» المستقلة التي تدعم حملته، فقد جمع بالفعل 5.7 مليون دولار، منذ ترشحه نهاية أبريل (نيسان) وحتى بداية هذا الشهر.

بعض ما في جعبة كنيدي «الابن» من «نظريات المؤامرة»

دونالد ترمب

دونالد ترمب

تاريخ روبرت كنيدي «الابن» مع «نظريات المؤامرة» حافلٌ في الواقع، وهو يسبق ادعاءاته الأخيرة، عن اللقاحات، إذ جادل طويلاً أن اللقاحات المنقذة للحياة تشكل تهديداً، وأن لقاحات الأطفال تسبّب التوحّد، وهذا قبل أن يبدأ معركته ضد لقاحات «كوفيد – 19» المضرة. إذ إنه زعم عندما استضافه جو روغان، مقدم البرامج اليميني على بودكاست هذا الشهر «سيقول الجميع لا توجد دراسة تظهر أن التوحّد واللقاحات مرتبطان. هذا مجرد جنون. هؤلاء هم الأشخاص الذين لا ينظرون إلى العلم. إنه جزء من الدين». في عام 2019، جادل كنيدي بأن «تمريناً» يحاكي جائحة وهمية «أرشِف» على موقع «يوتيوب»، و«كشف خطة سرّية» قال إنها تضم خبراء تجسس أميركيين «لإثراء شركات الأدوية وقمع حرية التعبير». ولاحقاً، إبّان جائحة «كوفيد – 19» قلب نتائج بيانات سريرية من تجربة لقاح ضد الفيروس لم تكن مصممة لقياس معدل الوفيات، ما أشار بشكل خاطئ إلى أن اللقاحات قتلت أشخاصاً أكثر مما أنقذتهم، متجاهلاً أن اللقاح منع تفشي الوباء وأنقذ الأرواح. وأمام حشد من المؤيدين الديمقراطيين المتشككين سياسياً – كما لدى الجمهوريين – من مؤيدي نظرية المؤامرة، قال «لقد كذبتنا الحكومة ووسائل الإعلام… وهكذا كان كل شيء محيّراً، لأنهم يبقوننا عمداَ في حيرة من أمرنا». وفي مجال السياسة، كنيدي مقتنع بأن خطابه يمكن أن يعيد تشكيل الحزب الديمقراطي، ويفي بالطموحات التي «سُرقت» من والده وعمه (الرئيس جون كنيدي)، الذي لا يزال يؤمن بأنهما اغتيلا على أيدي وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي إيه)، الأمر الذي تنفيه الحكومة الأميركية بشدة. وعندما سأله روغان عما إذا كان هو أيضاً يمكن أن يكون هدفا للوكالة، قال كنيدي، «عليّ أن أكون حذراً. أنا أعلم ذلك، ومدرك لهذا الخطر»، وأردف «لذا آخذ الاحتياطات». في مقابلة صحافية أجريت مع كنيدي أخيراً، قال «أنا لم أستطع الترشح إلا في هذه الانتخابات، ولقد قمت بالفعل بدمج الخداع ومنهجه بطرق تتجاوز تجربة بلدنا… الناس يريدون الحقيقة». وبينما يعتقد أن حملته تهدف إلى إعادة احتضان «روح حملات عائلته» في عامي 1960 لجون كنيدي و1968 لوالده روبرت، التي وحّدت أنصار الطبقة العاملة البيض – القوة الشعبية الكبيرة للرئيس السابق دونالد ترمب – مع تحالف الديمقراطيين السود واللاتينيين، فهو يجادل بأن الاقتراع الوطني لا يأخذ في الحساب التحولات التي يمكن أن يحققها التصويت في انتخابات تمهيدية ديمقراطية مفتوحة. وحقاً، يرى البعض أن ترشح كنيدي يأتي في لحظة تحوّل زلزالي في السياسة الأميركية، وهو في وضع فريد ليكون قادرا «على إعادة مؤشر الحوار الوطني إلى المركز». فالأسلوب «التآمري» للسياسة والفكرة التي يدفع بها وتقوم على أن «الأقوياء» يشكلون الأحداث سرا بأهداف خبيثة، باتت تهيمن على الرأي العام الأميركي عموماً. وخلال العقود الأخيرة، وثّق مركز «غالوب» ثقة منخفضة قياسية في مؤسسات مثل الكونغرس، والشركات والصحف والإعلام ونظام العدالة والقضاء. ثم إن «المؤامرات» الجديدة، ترفد الآيديولوجيات السائدة، مثل تحميل دونالد ترمب «الدولة العميقة» المسؤولية عن مشاكله، في حين يتهم السيناتور اليساري المستقل بيرني ساندرز «فاحشي الغنى» مسؤولية فشله الرئاسي، ويعتبر دي سانتيس أن «نخبة مؤسسية وتنظيمية وأكاديمية وإعلامية» تنشر خلسة «فيروس استيقاظ العقل»(ثقافة الـWOKE) من أجل الترويج للفكر التحرّري.

 

بيرني ساندرز

بيرني ساندرز

من جهة أخرى، يرشح كنيدي نفسه، كأحد أشهر الأحفاد الأحياء للعائلة السياسية العريقة، باعتباره كان منبوذاً لعقود بسبب مناهضة ما يراه جهداً منسّقاً لإبعاده عن الساحة العامة، إثر تعليقاته وكتاباته المبكّرة عن اللقاحات، وانتقاداته لدور المؤسسات الحكومية وأجهزة الاستخبارات وأسرارها. وضمن سياق ترديده آراءه حول اللقاحات، جادل بأن فيروس «كوفيد – 19» نشأ في مختبر تموّله الولايات المتحدة في الصين، بسبب قانون «باتريوت» الذي صدر عام 2001، والذي ادعى بعد ذلك أنه جرى تمريره فقط بعد تعرض اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الرافضين، باتريك ليهي وتوم داشل، للتهديد. وهو ما نفته كل التحقيقات والأدلة اللاحقة، وكذلك شهادات السيناتورين نفسهما. كنيدي زعم أيضاً أن شركات التكنولوجيا العملاقة مثل أمازون أيّدت عمليات الإغلاق وحدّت من الآراء المعارضة «لأنها ستستفيد من العزلة»، واتهم وسائل إعلام ومؤسسات إخبارية بالتحالف مع تلك الشركات، في انتهاك لقوانين مكافحة الاحتكار، بحجة «مكافحة المعلومات المضللة». وعلى الأثر، عام 2021 أغلق حسابه على تطبيق «إنستغرام»، بسبب ما وصفته الشركة بـ«المزاعم الكاذبة حول فيروس كوفيد أو اللقاحات»؛ (أعاد الموقع حسابه بداية هذا الشهر، بعد ترشحه للرئاسة). وطلبت السيناتورة الديمقراطية، إليزابيث وارين، من أمازون التوقف عن الترويج لكتبه، ووصفته الناطقة باسم البيت الأبيض بأنه عضو في «دزينة المعلومات المضللة» بسبب آرائه حول «كوفيد».

 

إليزابيث وارين

إليزابيث وارين

مع هذا، مقاربته العنيدة لـ«نظرية المؤامرة» لا تتوقف عند هذا الحد. إذ شن لفترة من الوقت حملة ضد تكنولوجيا الإنترنت «جي5»، مدعياً أنها تلحق ضرراً بالحمض النووي البشري، وبأنها «أداة سرية للمراقبة الجماعية». ومن ثم، اتهم بيل غيتس، أحد مؤسسي شركة «مايكروسوفت» بالعمل على تطوير «شريحة قابلة للحقن» تسمح، مرة أخرى، بمراقبة جماعية!

شاركها.
Exit mobile version