جلس بن نافارو على واحد من أكثر الأصول قيمة في عالم الرياضة: رخصة استضافة واحدة من ست بطولات مدمجة من أعلى مستوى في التنس خارج بطولات «غراند سلام» وذلك وفقاً لشبكة «The Athletic».

اشترى نافارو تلك الرخصة من الاتحاد الأميركي للتنس في عام 2022، وكانت مرتبطة بدورة سينسيناتي المفتوحة، التي تقام في موقع مختلف تماماً عن البطولات الخمس الأخرى. فبطولات ميامي، ومدريد، وروما، وتورنتو/مونتريال (بطولة كندا تُلعب في المدينتين بالتناوب)، كلها تقام في مدن كبرى ومواقع دولية. أما إنديان ويلز، في كاليفورنيا، فهي تقع في منتجع بمنطقة بالم سبرينغز، وتُعد ساحة خلفية لمدينة لوس أنجليس.

بطولة نافارو، على عكس ذلك، تُقام في جنوب أوهايو، ولا تُلعب حتى في مدينة سينسيناتي نفسها المدينة التي يبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة. بل تُقام على بعد 30 دقيقة شمالاً، في مدينة ميسون الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها 36 ألف نسمة، والمعروفة أكثر بمدن الملاهي والألعاب الدوّارة.

نافارو، الملياردير الذي جمع ثروته من قطاع تحصيل الديون والخدمات الائتمانية للمقترضين ذوي التصنيف الائتماني المنخفض، كانت أمامه خيارات عدة. شارلوت، كارولاينا الشمالية، مدينة تنمو بسرعة، وتفوق سينسيناتي بثلاثة أضعاف في الحجم، قدمت له عرضاً. كما أنه يمتلك بالفعل بطولة تشارلستون المفتوحة. ومدينة شيكاغو ثالث أكبر مدينة في الولايات المتحدة وسوق ضخمة لعشاق التنس، كانت خياراً منطقياً كذلك.

ومع ذلك، وبين كل هذا البريق والإغراءات، قرر نافارو المراهنة على مدينة ميسون. فقبل انطلاق بطولة أميركا المفتوحة بأسابيع، استقبل مجمّع ليندنر فاميلي للتنس أفضل لاعبي ولاعبات العالم بعد مشروع توسعة وتجديد بلغت قيمته 260 مليون دولار. غطّى نافارو نصف التكلفة تقريباً، فيما تكفّلت الحكومات المحلية بالباقي.

يقول بوب موران، مدير البطولة وأحد التنفيذيين في شركة «بيموك كابيتال» الاستثمارية التابعة لنافارو: «درسنا كل الخيارات. وبعد أن استثمرنا القليل فقط في عام 2024، رأينا تحولاً دراماتيكياً في التجربة مقارنةً بالسنة التي سبقتها. عندها بدأنا ندرك: نعم، يمكننا فعلاً أن نفعل ذلك هنا».

ويبدو أن اللاعبين يوافقون على ذلك.

قالت المصنفة الأولى عالمياً، أرينا سابالينكا، في طاولة حوارية قبل البطولة: «عندما جئت إلى هنا لأول مرة، كنت مثل من يقول: ما هذا؟ أين أنا؟»، وأضافت: «استغرقني الأمر وقتاً لأشعر بالراحة في المكان السابق، والآن نحن في بطولة مختلفة تماماً».

مدينة سينسيناتي يبلغ عدد سكانها 300 ألف نسمة (رويترز)

وأوضحت سابالينكا أن اللاعبين كانوا متكدسين في الأيام الأولى من البطولة سابقاً. أما الآن، فهناك مساحة كافية في كل جانب. فقد تم تحويل ساحات انتظار السيارات والممرات الأسفلتية إلى نادٍ ضخم بمساحة 56 ألف قدم مربعة، وجناح خارجي بمساحة 16 ألف قدم، ومركز تنس داخلي يحتوي على ستة ملاعب (53 ألف قدم)، ومركز عمليات بمساحة 20 ألف قدم مربعة.

أُضيفت 13 ملعباً جديداً، من بينها ملعب غائر يتسع لـ2300 متفرج. وارتفعت مساحة الموقع من 20 إلى 40 فداناً. تنتشر المساحات الخضراء والزهور في أرجاء المجمّع بفضل زراعة أكثر من 40 ألف نبتة موسمية محلياً في دفيئات تمتد على مساحة 3.3 فدان. كما زُرعت أكثر من 2000 شجرة وشجيرة جديدة ستنمو لتجعل المكان أشبه بمنتزه مفتوح تحيط به ملاعب التنس.

الأمر الأجمل هو أن معظم هذه المرافق متاحة للعامة على مدار السنة، بما في ذلك النادي، الذي سيتحول إلى مطعم وبار خارج وقت البطولة.

وربما الأهم، أن تلك الأرصفة السوداء التي كانت تحوّل أرضية البطولة إلى فرن خلال الصيف اللاعب في جنوب أوهايو، قد جرى استبدال عشب طبيعي وأرضيات حجرية خفيفة بها الآن.

يتماشى هذا النمو مع مكانة بطولة سينسيناتي ضمن روزنامة التنس العالمية. تماماً كبطولة كندا، أصبحت سينسيناتي هذا العام بطولة تمتد على 12 يوماً بدلاً من أسبوع واحد، مع سحب قرعة يتضمن 96 لاعباً/لاعبة بدلاً من 56. وهذا يعني المزيد من تذاكر الدخول، وفرص رعاية إضافية، وأياماً أكثر من البث التلفزيوني. لكنه يعني أيضاً أن نهائيات بطولة كندا تتداخل مع الجولة الأولى في سينسيناتي، مما يجعل اللعب في البطولتين صعباً على كبار اللاعبين.

وقد تغيب عدد من النجوم عن بطولة كندا لهذا السبب، من بينهم: سابالينكا، ويانيك سينر، وكارلوس ألكاراس، ونوفاك ديوكوفيتش، وجاك درايبر. ديوكوفيتش ودرايبر لن يشاركا في سينسيناتي أيضاً، لكن بقية الأسماء موجودة هناك الآن.

هذا التمديد في بطولات الماسترز من فئة 1000 واجه انتقادات من اللاعبين والجماهير بسبب بطئه أحياناً وازدحام جدول المباريات أكثر مما يحتمل. لكن الرابطة ترى أن هذه التضحيات ضرورية لزيادة قيمة الجوائز، وهي الزيادة التي يطالب بها اللاعبون أنفسهم. ومع ذلك، لم تصل سينسيناتي بعد إلى مساواة الجوائز بين الجنسين.

فبطلة فردي السيدات ستحصل هذا العام على 752.275 ألف دولار -أي بزيادة 43 في المائة عن العام الماضي. بينما سيحصل بطل الرجال على 1.124.380 مليون دولار، بزيادة نحو 375 ألف دولار. وقد وعدت رابطة لاعبات التنس بالوصول إلى المساواة الكاملة في الجوائز ببطولات الماسترز المدمجة بحلول عام 2027. ومن بين ست بطولات من هذه الفئة، لم تحقق المساواة بعد كل من روما، كندا، وسينسيناتي.

لورا سيغموند ستشارك في الدورة (رويترز)

وسط هذه الإشكاليات، يبدو أن مشروع التجديد الضخم يقدم رسالة واضحة: هذه النسخة الممتدة من البطولات أصبحت الواقع الجديد -شئنا أم أبينا.

يقول سايمون هيغسون، المتحدث باسم رابطة اتحاد التنس العالمي: «كل بطولة على روزنامتنا تقدم شيئاً مختلفاً، وهذا أمر جيد». ويضيف عن سينسيناتي: «اللاعبون يحبونها، وهي تتماشى بشكل ممتاز مع الجدول الزمني الذي يسبق نيويورك. والاستثمارات الضخمة والتجديدات ستعزز من مكانة البطولة، سواء من حيث تجربة اللاعبين أو الجماهير».

يعود أول ظهور لبطولة تنس في سينسيناتي إلى عام 1899، حين أقيمت في نادٍ ريفي على أرض أصبحت لاحقاً جزءاً من جامعة كزافييه، مما يجعل بطولة سينسيناتي أقدم بطولة تنس تُلعب في موقعها الأصلي في الولايات المتحدة -حتى بطولة أميركا المفتوحة بدأت في نيوبورت، رود آيلاند، قبل أن تنتقل إلى نيويورك.

ويشارك 1600 متطوع سنوياً في تنظيم البطولة، بحماس واضح في هذه المدينة الصغيرة التي أنجبت بطل «غراند سلام»، توني ترايبرت، في خمسينات القرن الماضي، وكذلك اللاعبات الحاليات مثل بيتون ستيرنز وكاتي ماكنالي.

دراكسل خلال دورة سينسيناتي (رويترز)

خلال حفل افتتاح يوم الأحد، استعاد بن نافارو ذكريات زيارته الأولى للبطولة حين كان يفكر في شرائها. نشأ في إنديانا، وكان يملك ميولاً عاطفية نحو منطقة الغرب الأوسط. قال: «كل شخص كنت أقابله كان يتحدث معي باحترام، ويقول: سمعت أنك ستكون المالك الجديد للبطولة. ثم يبدأون في رواية قصة عائلية عن أهمية هذه البطولة لهم: حضرت مع والدي. أحضرت أولادي. والدتي كانت تعشق هذه البطولة… 125 سنة من التقاليد ليست شيئاً بسيطاً، أليس كذلك؟».

أما مدير البطولة بوب موران، فقد أقر بأنه كان متشككاً في البداية عندما زار المكان لأول مرة في 2023 بعد أن أصبح نافارو المالك. وكان يدير بطولة تشارلستون (التي يملكها نافارو أيضاً) لأكثر من عقد. عند وصوله إلى سينسيناتي، شعر كأنها «نائمة».

قال: «بدأت مباشرة بمحاولة فهم منطقة سينسيناتي الكبرى قدر الإمكان. وما اكتشفته كان مذهلاً: قاعدة تطوعية لا تصدق. جماهير شغوفة تهتم بهذه البطولة بشدة».

أجرى موران دراسة لفهم الجماهير أكثر. واكتشف أنهم يأتون من أماكن بعيدة، حتى من شيكاغو التي تبعد خمس ساعات. وأن ثلثي مبيعات التذاكر تأتي من خارج المنطقة. هناك أيضاً قاعدة شركات قوية، لكنها بحاجة إلى مزيد من الاستفادة.

«الشرق مليء بالبطولات. الغرب لديه إنديان ويلز. أما سينسيناتي، فلديها 125 سنة من التاريخ. لماذا ننتقل إلى مكان آخر ونحاول إعادة اختراع العجلة؟».

موران يعلم أن سينسيناتي لن تكون مدريد أو روما. لكنهم يعملون بجهد أكبر.

تنتشر المساحات الخضراء والزهور في أرجاء المجمّع (موقع دورة سينسيناتي)

«ما ميزتنا؟ اللمسات الشخصية»

يستأجرون ملعب الغولف المجاور خلال البطولة حتى يتمكن اللاعبون من اللعب متى أرادوا. كارلوس ألكاراس اختار ملعباً أفخم لكن هذا أسلوبه. موران يتناول العشاء مع اللاعبين، قبل البطولة جلس مع ماريا ساكاري ودونا فيكيتش ولاعبين آخرين ليلة الثلاثاء. اصطحب فرنسيس تيافو إلى مطعم ستيك فاخر في وسط المدينة بعد خسارته النهائي أمام سينر العام الماضي. ويمنح اللاعبين تذاكر لحضور مباريات البيسبول ومباريات إف سي سينسيناتي.

«نريد أن يشعر اللاعبون كأنهم في مكان مرح، وكأنهم في بيوتهم».

أما فينوس ويليامز، التي زارت كل ركن في عالم التنس خلال مسيرتها الممتدة لأكثر من 30 عاماً، فقد قدمت شهادة قد تكون الأهم صباح الأربعاء، حين قالت: «أعتقد أن هذه البطولة تمثل جوهر ما يجب أن تكون عليه رياضة التنس».

“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}

شاركها.
Exit mobile version