لم يتوقّع رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور فضلو خوري، انتخابه عضواً في «الأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم»، لينضم بذلك إلى صرح عالمي عريق ضمّ بين مؤسسيه شخصيات تاريخية بارزة، منهم: الرئيسان الأميركيان بنجامين فرانكلين وجورج واشنطن. وقد نال خوري هذا التقدير ضمن فئة القيادة التعليمية والأكاديمية، ليُدرج اسمه بين قائمة الشخصيات العالمية المؤثرة.

وفي حديثه إلى «الشرق الأوسط»، يقول خوري: «فوجئت بهذا التقدير، خصوصاً أن الأكاديمية تُعد من الأقدم، إذ تأسست عام 1780. بالنسبة إليّ، يشكل هذا الاعتراف تقديراً لمكانة الجامعة الأميركية في بيروت، وهو بمثابة مكافأة لمسيرة من الإنجازات التي حققها رؤساء الجامعة المتعاقبون».

منذ توليه رئاسة الجامعة عام 2015، يرى الدكتور خوري أن هذا التقدير يحمّله مسؤولية إضافية، ويذكره بأن الطريق ما زال في منتصفه: «نتطلع مع مجلس الأمناء إلى إعادة إرساء الجامعة الأميركية بوصفها صرحاً إنسانياً بامتياز يحتضن جميع الشرائح الاجتماعية بلا استثناء. منذ تسلمت القيادة، وضعت رؤية طموحة للمستقبل، على أمل أن تستعيد الجامعة دورها الريادي والأساسي. وقد اخترنا شعار (العمل بالتفوق من أجل الأفضل) لنؤسس لمجتمع ووطن نفخر بهما».

يستمد خوري تفاؤله من طلّابه في الجامعة الأميركية (الوكالة الوطنية)

خوري، الطبيب والباحث في أمراض السرطان والإيدز، حمل معه مبادئ مهنته الإنسانية إلى موقع القيادة، متجاوزاً تحديات متلاحقة واجهته في لبنان: من الأزمة الاقتصادية، إلى جائحة «كورونا»، وانفجار مرفأ بيروت. «كل هذه الأزمات لم تُثنِ عزيمتنا، بل جعلتنا أكثر إصراراً على إبقاء هذا الصرح شامخاً، كأرز لبنان»، يقول.

ويضيف: «بعد الانهيار المالي وما تلاه من مصائب، غادر كثيرون البلاد بعدما فقدوا الأمل. لكنني كنت دائماً أومن بأنه بعد الشدة يأتي الفرج، والتاريخ يُتيح لنا فرصاً جديدة للنهوض. كنا نُحضّر لهذه اللحظة، مستعدّين لتجاوز العقبات. تماماً كما في أواخر القرن التاسع عشر، حين تخرج في جامعتنا رواد الفكر والسياسة بالمنطقة، وشكلت بيروت والقاهرة منطلقاً للتغيير».

إيمانه بقوة العلم لم يفارقه منذ أيام دراسته وممارسته الطب، وقد ترسّخ أكثر من خلال اكتشافات طبية غيرت حياة البشر. «في مسيرتي، شاهدت كيف تطور العلم ليوقف مرض الإيدز. ونحن اليوم على طريق إيجاد حلول جذرية للسرطان. هذه القناعة العلمية منحتني جهوزية عالية في مواجهة التحديات، سواء كانت جغرافية أو سياسية أو حتى عسكرية».

وعن تجربته في القيادة، يقول: «القيادة مهمة شاقة، لأن أهدافها صعبة المنال. الأهم كان توسيع تأثير الجامعة وتعميق دورها في المجتمع. وكنت أكرر على مسامع الأساتذة والطلاب والموظفين أن دورهم لا يقتصر على تحقيق أحلامهم، بل يتعداها إلى خدمة مجتمعهم».

يشيد خوري بالدور الحيوي الذي لعبه مجلس أمناء الجامعة، خصوصاً الدكتور جون واتربيري، خلال الأزمات التي عصفت بلبنان. «كنا نعي أن الخطر لا يهدد لبنان وحده، بل المنطقة بأسرها. فعملنا على مسارين: حلول قصيرة ومتوسطة المدى، وأخرى استراتيجية بعيدة الأمد».

ويتابع: «مع انهيار الليرة، واجهنا تحديات مالية هائلة، من تراجع الرواتب إلى تفاقم الإحباط بين أعضاء الجسم التعليمي والإداري. لكننا آثرنا الجهوزية بدل الحزن، واعتبرنا هذه المرحلة فرصة لإعادة البناء».

كانت الجامعة الأميركية سبّاقة في رؤيتها المستقبلية؛ إذ سمحت للنساء بالانضمام إلى صفوفها عام 1925، قبل أن يُسمح بذلك في الولايات المتحدة بـ25 عاماً. «نحرص دائماً على تمثيل كل مكونات المجتمع. واليوم، ربع طلابنا يتلقون التعليم مجاناً بفضل مساعدات الجامعة، رغم توقف بعض الدعم الأميركي إبّان عهد الرئيس دونالد ترمب. مع ذلك، لا نتوانى عن الاستمرار في تقديم المساعدات حفاظاً على التنوع والتكافؤ».

الحس الإنساني تغلَّب على قرارات الدكتور خوري (الوكالة الوطنية)

ولا يخفي خوري أنه شعر بوجود ثغرات كبيرة في النظام المالي اللبناني، ويكشف: «تشاركنا، أنا ورئيس الجامعة اليسوعية الأب سليم دكاش، هذا القلق، وأبلغنا الرئيسين نبيه بري وتمام سلام بضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط لإنقاذ الوضع. لكن، للأسف، تشكّلت حكومة سياسية بالكامل».

تغلَّب الحس الإنساني على قرارات الدكتور خوري، المستمدة من 30 عاماً في ممارسة الطب. «أومن بأن لكل إنسان قيمة، ويستحق الدعم. منذ لقائي الأول بزوجتي لميا طنوس، قبل 40 عاماً، وأنا أدرك أنني محظوظ. وعلينا ردّ الجميل كلّ بطريقته، وأنا اخترت أن أفعل ذلك من خلال خدمة الآخرين».

رغم سوداوية المشهد، يحتفظ الدكتور فضلو خوري بنظرة تفاؤلية تجاه مستقبل لبنان. «ورثت التفاؤل من والدي، لكنني أتعامل معه بواقعية. صحيح أن التحديات صعبة، خاصة مع دخول الذكاء الاصطناعي إلى معادلاتنا اليومية، لكنني أرى إشارات أمل، من تقلص المجاعة إلى اتساع رقعة الوعي الإنساني».

ويختم قائلاً: «أنا واثق بأننا سنتجاوز الأزمات. لم أنل شيئاً بسهولة في حياتي، وأومن بأن الجهد يقود إلى النجاح. طلابنا اليوم مصدر أملي الأكبر؛ فيهم أرى حب الوطن والإيمان بحقوق الإنسان. كلما راودني الشك، أجد الطمأنينة في أجواء الجامعة وبيتي. ومن هذين المكانين، أستمد الأمل والتفاؤل».

“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}

شاركها.
Exit mobile version