يحتفظ متحف البحرين الوطني بمجموعة متنوعة من التماثيل الصغيرة المنجزة بتقنية الطين المحروق، تشهد لحضور هذه الصناعة الحرفية في هذه الناحية من الجزيرة العربية على مدى قرون من الزمن. تحوي هذه المجموعة قطعةً تبدو فريدة من نوعها في هذا الميدان، وتتمثّل بحصان عُثر عليه في موقع يُعرف باسم الحجر خلال أعمال التنقيب التي قامت بها إدارة الآثار البحرينية في السنوات الأولى من تسعينيات القرن الماضي.

يحمل موقع الحجر اسم القرية التي تجاوره، وهي قرية من المحافظة الشمالية، تطل على شارع البديع، وتمتد بين قرية القدم وقرية أبو صيبع. يحوي هذا الموقع سلسلةً من المدافن الفردية والجماعية تعود إلى حقب متلاحقة، تمتدّ من الفترة التي شكّلت فيها البحرين ركناً مركزياً من إقليم عُرف في نقوش بلاد ما بين النهرين الكتابية باسم دلمون، إلى الفترة التي عُرفت بها هذه الجزيرة باسم تايلوس في المصادر الهلنستية. خرجت من هذه المدافن مجموعة كبيرة من اللقى المتنوعة، منها عدد من المجسمات الصلصالية الصغيرة. يبرز في هذا الميدان مجسّم يمثّل حصاناً، خرج من قبر حمل رقم 2 في المدوّنات التوثيقية الخاصة بحملة التنقيب التي أجراها فريق من المنقّبين المحليّين في هذا الموقع بين عام 1992 وعام 1993.

يبلغ طول هذا المجسّم 17 سنتمتراً، وعرضه 4 سنتمترات، وهو على شكل حصان منتصب على قوائمه الأربع، نُقشت على أعلى عنقه بضعة أحرف يونانية، تصعب قراءتها بسبب ذوبانها في المادة الطينية التي شكّلت أساساً لها. يعلو ظهر هذا الحصان سرج عريض يحدّه طرفان مقوّسان، غاب عنه الفارس الذي يحضر تقليدياً في هذا النسق من المجسّمات. يعود هذا التمثال الصغير إلى القرن الميلادي الأوّل على الأرجح، أي إلى المرحلة التي شهدت دخول الخيل إلى الجزيرة العربية من الخارج. ويتبع في صياغته أسلوباً يبتعد عن النسق اليوناني الواقعي، ويجنح نحو السكون والتحوير.

القوائم الأربع ثابتة وجامدة، وتخلو من أي حركة، وهي على شكل أربع مساحات أسطوانية عمودية مجرّدة من أي تفاصيل ثانوية. الساعد متصل بالحافر في كتلة واحدة غاب عنها أي أثر لمفصل الركبة ومفصل الرسغ والوظيف الذي يمتدّ بينهما. تتبع كتلة البدن صياغة مماثلة، وتتكون من كتلة أفقية عريضة، مع نتوءات بسيطة تُمثّل الصهوة والخاصرة والكفل. الذيل عريض وطويل، على شكل كتلة مقوّسة تنسدل دائرياً بين القائمتين الخلفيتين. تخرج حافة العنق العليا من طرف السرج الأمامي وتشكّل قوساً متجانساً غاب عنه شعر السيل. الجبهة متصلة بالناصية، تشكّل معها مساحة مسطّحة يحدّها أنف بارز طويل ومسطّح، يتميّز بمنخرين واسعين مجوّفين. الأذنان كتلتان عموديتان، رأساهما مروّسان. الفم ظاهر، مع شق مفتوح وواسع في وسط الحنك. العينان أسطوانتان ناتئتان، وفي وسط كل منهما دائرة غائرة تمثّل البؤبؤ.

يشكّل هذا الحصان في صياغته امتداداً لمجسمّات تعود إلى حقبة بين القرن العاشر والقرن السابع قبل الميلاد، أي إلى فترة دلمون المتأخّرة، وأشهرها مجسم صلصالي محفوظ في متحف قلعة البحرين، مصدره مقبرة المقشّع في محافظة الشمالية، ويمثّل رجلاً يمتطي حماراً من الحمير الوحشية التي تمّ ترويضها في صحاري الجزيرة العربية، وتشكّل صنفاً من الحمير عُرف لاحقاً بالأحقب وبالعَير. يماثل هذا الحمار في تكوينه مجسّماً وصل بشكل مجتزأ، دخل كذلك متحف قلعة البحرين، ومصدره موقع من مواقع قلعة البحرين الأثرية يُعرف باسم «قصر أوبيري»، نسبة إلى ملك من ملوك دلمون، تردّد اسمه في نقوش تعود إلى بلاد ما بين النهرين. وتمثّل هاتان القطعتان على تقليد محلّي استمرّ على مدى العصور، وبلغ زمن تايلوس، كما يشهد حصان مقبرة الحجر.

يبدو هذا الحصان فريداً من نوعه، غير أننا نجد ما يماثله في قطعة جزئية صغيرة من محفوظات متحف قلعة البحرين، تمثّل رأس حصان ضاع بدنه، وطولها 5.4 سنتمتر، وهي من الطين المحروق، ويغلب عليها اللون الأرجواني. التكوين واحد، ويتجلّى في عنق عريض، مع حافة مقوّسة غاب عنها أي أثر لشعر السيل. فقد هذا الرأس أذنيه للأسف، غير أنه حافظ على ملامحه بشكل كامل.

الجبهة بارزة وناتئة، وتظهر من فوقها الناصية بشكل واضح. العين غائرة، مع ثقب كبير مجوّف في الوسط يمثّل البؤبؤ. قصبة الأنف طويلة، ويعلو طرفها ثقبان واسعان مماثلان لثقب البؤبؤ، يمثّلان المنخرين. يرتسم الفك تحت هذين المنخرين. وتظهر فيه الجحفلتان، أي الشفتين، بشكل مجرّد، ويغيب شدقا الفم في هذه الكتلة المتقنة.

“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}

شاركها.
Exit mobile version