«هل يمكننا أن نتعس من نحبهم، وهل يمكن أن يجتمع الحب والتعاسة تحت سقف واحد؟» يشكل هذا التساؤل مدخلاً رئيسياً لكتاب «تحت سقف التعاسة – بيوت لا تفتقر إلى الحب» الصادر عن دار «بيت الحكمة» في القاهرة للباحث د. يحيى موسى، الذي يتضمن تأملات في جدل الحب والسعادة، الذات والآخر، استناداً إلى علوم النفس والاجتماع والتربية.
يشير المؤلف في البداية إلى أن ثقافة التدوين الرائج حالياً ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي تصور أن الحب حل لكل تعاسة، وهذا ما يجعلنا نشكك في صحة الحب إن تزامن مع التعاسة، فلو أنني تعيس في علاقة ما، إذن لا بد من أن الشعور المؤسس لهذه العلاقة ليس حباً أو ليس حباً «صحياً»، على الأقل على غرار ذلك التصنيف الدعائي «طعام صحي».
والحقيقة أن الحب بكل نقائه وذكائه وحنانه ومراعاته لا يزيل التعاسة بالضرورة، ولا يقي منها ولا يقدم ضمانة بعدم الاجتماع بها تحت سقف واحد. الحب لا يمكن أن ينبذك، متى تم نبذك فهذا ليس حباً. والنبذ قد يأتي بالهجر أو الانفصال والصد العاطفي، لأنه متى تم نبذك تحققت القطيعة وليس ثمة حب في القطيعة. الصلة هي جوهر الحب وروحه المحركة، يمكن أن تكون هذه الصلة ذات طبيعة جافة وسيئة، بل مشينة حتى، لكنها ما يحافظ على جوهر الحب وانقطاعها هو الخطر، وهو الموت الحقيقي للعالم والحب.
متى قمت بنبذ من معك فهذا ليس حباً، فالحب: عقل متفتح وقلب مفتوح ومرحب بالآخر. ربما لا يكفي الحب لئلا يكون المرء تعيساً، لكن الأكيد أنه لا توجد سعادة دون أن يكون الحب جزءاً منها ودون أن تكون الصلة بالآخر جزءاً منها.
إذا رأينا الآخر تهديداً ومنافساً، وإذا صنعنا من أنفسنا قبل ذلك آلات تنافسية تحاول أن تحقق سعادتها على حساب سعادة الآخرين لتصبح مصدر تهديد لهم، فلن يزيدنا هذا إلا تعاسة. وكي لا نكون تعساء، علينا أن نجد سبيلاً للتعاون على إيجاد السعادة معاً كأفراد مستعينين بالحب والصلة، لا بالبقاء في عزلة عن بعضنا البعض.
ومن تحليل المؤلف لجوهر مشكلة التعاسة، وصل إلى افتراض أن عجز الحب عن التعبير الحميم ينتج عن خرس لسانه الناطق، وهو «الانسجام» الذي أوصلنا غيابه في النهاية إلى فقدان الحس بالهم الاجتماعي والتحول إلى اللامبالاة الفردية. يمكننا أن نفتش عن علاج التعاسة في استكشاف أدوات تحقيق هذا الانسجام عبر كل من «التوافق» و«التناغم». يبدو للوهلة الأولى أن تحقيق «الانسجام» بيننا وبين الآخر يتطلب إدراكاً حقيقياً لذواتنا ورؤية حقيقية لطبيعة الآخر، إذ كيف نحقق الانسجام بين صورتين زائفتين أو خادعتين؟
يجب أن تشمل خريطة علاجنا إذن استكشاف أدوات رؤية الآخر وقبوله كما هو، فضلاً عن أدوات الاعتراف بالمستطاع من الانسجام دون ادعاء أو تلاعب. وحين نتأمل في هذه الخريطة نلاحظ أنها عبارة عن مجموعة من الاستكشافات تتطلب جميعها عقلاً متفتحاً ومنفتحاً على الآخر يتمتع بفضول الاستطلاع لا بالأحكام المسبقة ومستعداً للقبول، لا راغباً في التحكم والسيطرة.
“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}