رغم الحديث المتكرر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن العمل على إيجاد حل لنزاع «سد النهضة» بين مصر وإثيوبيا، إلا أنه كان من اللافت أن وزير خارجيته ماركو روبيو أجرى اتصالا هاتفيا، مساء الثلاثاء، مع رئيس وزراء الإثيوبي آبي أحمد، لكن بيان الخارجية الأميركية خلا من أية إشارة صريحة لمناقشة القضية، كما أن أديس أبابا لم تصدر أية بيانات أو تقدم معطيات حول ما جرى في هذا الاتصال حتى الآن، وهو ما أثار تساؤلات حول حقيقة الدور الأميركي في التوسط لحل النزاع.
وتوقع خبراء من أميركا وإثيوبيا ومصر في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون الاتصال قد ناقش القضية، باعتبارها محور أي تواصل أميركي مع كل من إثيوبيا ومصر حاليا، لكن يبدو أنه لم يتم التوصل لشيء بشأنها، ومن ثم لم يتم الإشارة إليها في البيان بشكل مباشر، وإن كانت هناك إشارات غير مباشرة على أن المناقشة تمت بالفعل.
وأوضح بيان الخارجية الأميركية أنه وزير الخارجية ماركو روبيو «تحدث الثلاثاء مع رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد. وناقش الوزير ورئيس الوزراء الأهداف المشتركة المتعلقة بالاستقرار والنمو الاقتصادي في إثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقي. كما شدد الوزير على أهمية الحوار والاستقرار الإقليمي. وأشاد بالإصلاحات الاقتصادية في إثيوبيا»، مشيراً إلى ما تحمله من «إمكانات لتوسيع فرص التجارة والاستثمار الأميركي هناك».
وحاولت «الشرق الأوسط» الحصول على تعليقات من الخارجية الأميركية، أو من أديس أبابا بشأن هذا الاتصال، لكن لم يتسن ذلك.
وقال المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية، ديفيد دي روش: «أظن أن وزير الخارجية الأميركي ورئيس وزراء إثيوبيا فعلا ذلك، وناقشا أزمة السد، لكنهما لم يرغبا في إدراجه في البيان». مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن البيان «ناقش الاستقرار والأمن في المنطقة، وهو ما يعني أنهما ناقشا بالقطع قضية سد النهضة، التي يُدرك روبيو، ومن قبله ترمب، خطورتها، لكن يبدو أن حكومة الولايات المتحدة لم تصل إلى موقف بشأنها حتى الآن لإعلانه».
ويتفق مع هذا الطرح الكاتب الصحافي المختص بالشؤون الأميركية والمقيم بواشنطن، حسن عباس، بقوله: «أستطيع الجزم بأن الاتصال ناقش قضية سد النهضة وكيفية حلها، بدليل ما تضمنه البيان حول تناول الاتصال الحاجة إلى الاستقرار الإقليمي، وحينما نتحدث عن استقرار إقليمي في اتصال وزير خارجية أميركا مع رئيس وزراء إثيوبيا فالمقصود بالتأكيد هو سد النهضة، والأزمة مع مصر».
وأضاف عباس موضحاً لـ«الشرق الأوسط»: «ترمب ردد كثيراً أنه لا يريد اندلاع حرب جديدة في منطقة القرن الأفريقي، وأن واشنطن هي الضامن لعدم اقتتال مصر وإثيوبيا، وأظهر ميلاً لموقف مصر، وأهمية نهر النيل لها، وبالتالي من المتوقع أن تنشط الإدارة الأميركية لحل هذا الملف في القريب العاجل».
ومنتصف يونيو (حزيران) الماضي، خرج ترمب بتصريح مثير للجدل عبر منصته «تروث سوشيال»، قال فيه إن الولايات المتحدة «موّلت بشكل غبي سد النهضة، الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق، وأثار أزمة دبلوماسية حادة مع مصر». لكن أديس أبابا نفت ذلك بشدة، مؤكدة أن السد تم بناؤه بأموال الشعب الإثيوبي.
وفي 4 من يوليو (تموز) الجاري، كرر ترمب الحديث نفسه خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، في البيت الأبيض، قائلاً إن «الولايات المتحدة موّلت السد، وسيكون هناك حل سريع للأزمة»، وهو ما دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للإشادة بتصريحات ترمب، وبرغبته في حل الأزمة.
ومساء الثامن من يوليو الجاري، قال ترمب للمرة الثالثة في خطاب أمام أعضاء مجلس الشيوخ في واشنطن، في معرض رصده ما وصفها بجهود إدارته في حل الأزمات في العالم: «لقد تم التعامل مع مصر وإثيوبيا، وكما تعلمون فقد كانتا تتقاتلان بسبب السد، إثيوبيا بنت هذا السد بأموال الولايات المتحدة إلى حد كبير… إنه واحد من أكبر السدود في العالم»، مشيراً إلى أنه تابع بناء «السد» عبر صور الأقمار الاصطناعية، وأن إدارته تعاملت مع قضية «السد» بشكل جيد، مشدداً على ضرره بمصر، وأنه «ما كان يجب أن يحدث ذلك، خصوصاً أنه مموَّل من الولايات المتحدة»، منوهاً إلى أن الأمر «سيُحَلّ على المدى الطويل».
الكاتب الصحافي المختص في الشؤون الإثيوبية والمقيم بأديس أبابا، أنور إبراهيم، أكد من جانبه أنه «كان مستغرباً أن يخلو البيان الأميركي من الإشارة إلى أنه تمت مناقشة قضية سد النهضة، الذي يثير أزمة مع مصر، لكن البيان أشار إلى مناقشة قضية الاستقرار في المنطقة، وهذه هي أهم قضية في هذا الشأن، ومن ثم فأنا أعتقد أنه تمت مناقشتها خلال الاتصال بشكل كبير».
وأوضح إبراهيم لـ«الشرق الأوسط» أن البروتوكولات «تفرض أحياناً إخفاء بعض النقاط التي تمت مناقشتها بين المسؤولين، بغرض مزيد من النقاش، أو عدم الاتفاق بشأنها، ومن المتوقع أن يكون هناك مزيد من النقاش خلال الأيام المقبلة بين واشنطن وأديس أبابا، خصوصاً في ظل تصريحات ترمب المتكررة عن تمويل بلاده للسد، والرفض الإثيوبي لذلك، بينما تترقب مصر حل الأزمة قبل الاحتفال رسمياً في أديس أبابا باكتمال السد».
أما الخبير المصري في الأمن القومي والعلاقات الدولية، اللواء محمد عبد الواحد، فقال من جهته، إن عدم ذكر البيان الأميركي عن الاتصال بين روبيو وآبي أحمد لقضية سد النهضة «مقصود من إدارة ترمب كنوع من المناورة، التي يحترفها الرئيس الأميركي، فرغم حديثه الكثير عن الأزمة، وتأكيد رغبته في حلها، فإن البيانات الرسمية تتجاهل الأمر».
ونوه عبد الواحد في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن البيان تحدث عن مناقشة التنمية والشراكة مع إثيوبيا، وتحقيق الاستقرار دون الإشارة لسد النهضة، رغم أنه يتوقع مناقشته.
“);
googletag.cmd.push(function() { onDvtagReady(function () { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); }); });
}