في الوقت الذي يُحذّر فيه أهالي الأسرى الإسرائيليين من تهرب رئيس حكومتهم بنيامين نتنياهو، من التقدم في مفاوضات وقف النار وصفقة تبادل الأسرى، لم يبق لليمين المتطرف بقيادته سوى الأمل في أن ترفض قيادة «حماس» هذا التقدم، وأن تعرقل الجهود. ووفقاً لمقربين من نتنياهو، فإنه بات محصوراً في الزاوية التي فرضعها عليه الرئيس الأميركي جو بايدن، للدفع قدماً بمفاوضات وقف الحرب.

ويمارس اليمين المتطرف في حزب «الليكود» وحليفاه الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، على نتنياهو ضغوطاً شديدة لوقف المفاوضات، والاستمرار في الحرب، ويحاول هذا التيار إطلاق تصريحات وتسريبات للإعلام، لتستفز «حماس»، وتجعلها ترفض خطة بايدن لوقف الحرب.

وكانت عائلات الأسرى قد التقطت هذه المحاولات، وعدّت خطاب بايدن، يوم الجمعة، محاولة لإحراج نتنياهو، وكشف أوراقه حتى يمتنع عن مواقف للتخريب على الصفقة التي كان قد وافق عليها، وقالت إن الرئيس الأميركي أوضح أن هذه الصيغة للصفقة وافق عليها نتنياهو خطياً، وحذرت من التلاعب فيها، وأطلقت عليها اسم «صفقة نتنياهو».

ودعت هذه العائلات في بيان أعضاء الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) والحكومة إلى «الموافقة على صفقة نتنياهو»، كما أعلنت عن شروعها في «عملية طوارئ من أجل حصد غالبية في الحكومة والكنيست لإبرام صفقة نتنياهو، وإطلاق سراح جميع المختطفين»، وأشارت إلى أن «عائلات المختطفين ستصل في الساعات القريبة إلى أعضاء الكابنيت والحكومة والكنيست لمطالبتهم بالموافقة على صفقة نتنياهو الآن».

الشرطة تعتقل أحد المتظاهرين خلال احتجاجات ضد نتنياهو في تل أبيب (رويترز)

«لا تقتلوا الأمل»

كان المشاركون في مظاهرات السبت الأسبوعية قد بلغوا أعلى حد منذ بداية الحرب (نحو 130 ألفاً) انتشر معظمهم في تل أبيب، والبقية في 60 موقعاً في شتى أنحاء البلاد، مثل القدس وبئر السبع وحيفا وهرتسليا وقيسارية ونهلال ورحوفوت ورعنانا وكفار سابا وغيرها، وكان القاسم المشترك في كل المظاهرات الشعار الموحد الذي يشكر الرئيس بايدن على جهوده لفرض الصفقة، ويحذر نتنياهو من إفشالها. وقد جرى تفسير الزيادة الملحوظة في عدد المشاركين (105 آلاف قبل أسبوعين و90 ألفاً قبل أسبوع)، على أنه استجابة لدعوة الرئيس بايدن أن يخرج أنصار السلام إلى الشارع، ويسمعوا أصواتهم، وأنها جاءت بوحي الأمل الذي أشعله الخطاب، والقناعة بأن اتساع حملة الاحتجاج سيكون بممارسة ضغط جدي على الحكومة حتى تغلب موضوع إطلاق سراح الأسرى على هدف نتنياهو بتصفية حركة «حماس».

ورفع المتظاهرون شعارات تطالب بصفقة تبادل أسرى فورية، والاستجابة لنداء بايدن، وتحذر من إضاعة الفرصة الناشئة لإنهاء الحرب، وتحرير الأسرى وهم أحياء. وأجمع الخطباء في هذه المظاهرات على التحذير من خدع نتنياهو ورفاقه، وأكدوا أن بايدن اختار الإعلان عن الصفقة بتفاصيلها حتى يُلزم نتنياهو بها.

وأقام المتظاهرون عرضاً مبهراً أضاءوا فيه النور في هواتفهم، وأشعلوا الشموع، وراحوا يهتفون: «لا تقتلوا الأمل». وقام بعضهم بمحاولة إغلاق شارع إيلون في تل أبيب فاعتدت الشرطة عليهم بقسوة، وفرَّقتهم بالقوة، بواسطة الضرب وبقوة من فرسان الشرطة، الذين حضروا وهاجموا المتظاهرين حتى الأرصفة، واعتقلت الشرطة 6 منهم، وحررت مخالفات لعدد منهم.

الوزير بيني غانتس عضو مجلس الحرب الإسرائيلي (أ.ب)

غانتس سيبقى في الحكومة

ويرى مراقبون أن إحدى أهم النتائج لخطاب بايدن بشأن السياسة الداخلية في إسرائيل ستكون في بقاء أو اضطرار غانتس وآيزنكوت إلى البقاء في حكومة نتنياهو، علماً بأنهما كانا قد هددا بالانسحاب منها إذا لم تقبل شروطهما، وبينها تمرير الصفقة وإنجاحها. ويبدو أن هذا ليس قراراً إسرائيلياً فحسب، بل ينسجم كثيراً مع رغبة واشنطن؛ فإدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، القلقة من إقدام نتنياهو على إحباط الجهود الرامية للتوصل إلى صفقة بين إسرائيل و«حماس» تريد من غانتس أن يلقي بوزنه أولاً لإخراج الصفقة إلى النور، وثانياً لصيانتها وضمان تنفيذها.

ووفق ما كشف مسؤول أميركي رفيع تحدث لصحيفة «هآرتس»، فإن المطروح اليوم يختلف عن المقترحات السابقة؛ إذ ينص على استمرار وقف إطلاق النار مع تقدم المفاوضات بين الأطراف في كل مرحلة. وأكد المسؤول الذي وصفته الصحيفة بأنه «مطّلع» على المحادثات في هذا الشأن، أن المسؤولين في تل أبيب باتوا «يدركون أنه لن يكون من الممكن صياغة عرض أفضل على المدى القريب»، وأشار إلى وجود مخاوف في البيت الأبيض من المعارضة الكبيرة المحتملة للمقترح الجديد داخل ائتلاف نتنياهو.

والمخاوف الأساسية لدى إدارة بايدن هي أن ينقلب نتنياهو على المقترح، ويرفضه تحت ضغط من شركائه في الائتلاف، بقيادة الوزيرين اليمينيين المتطرفين بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين عارضا حتى الآن جميع العروض المقترحة؛ وهددا بإسقاط الحكومة.

وتعليقاً على ذلك، قال المسؤول الأميركي: «هذه مسألة خارجة عن سيطرتنا»، وأضاف أن إدارة بايدن رأت الرد الذي صدر عن مكتب نتنياهو في أعقاب خطاب بايدن «بمثابة إشارة إيجابية حول فرص التوصل إلى اتفاق»، واستدرك المسؤول الأميركي قائلاً: «لا يزال بإمكان نتنياهو أن يخلق صعوبات، لكن ردة فعله الليلة الماضية كانت مشجعة».

مدرسة مدمَّرة في مخيم جباليا بشمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

الدائرة المقربة من نتنياهو

استبعد المسؤول الأميركي أن يكون «المسؤول الإسرائيلي الرفيع» الذي قدم إحاطة لوسائل الإعلام الإسرائيلية ضد خطاب بايدن، من الدائرة المقربة من نتنياهو. ومع ذلك فإن مكتب نتنياهو عاد ونشر رداً جديداً باللغة الإنجليزية على مقترح الصفقة التي قدمها بايدن. وينص الرد الجديد على أن «إسرائيل ستواصل إصرارها» على هزيمة «حماس» قبل أي اتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، وأن أي اتفاق يتضمن وقفاً دائماً لإطلاق النار قبل استكمال تدمير قدرات «حماس» العسكرية، هو «غير قابل للتفاوض» بالنسبة لإسرائيل.

ولا يتضمن البيان الجديد الصادر عن نتنياهو تحفظاً صريحاً على الصفقة، لكنه «أقل إيجابية» مقارنة بالبيان الذي عممه مكتب نتنياهو من قبل، وجاء فيه أن الحرب على غزة لن تنتهي حتى «القضاء على حماس»، مضيفاً أنه «سمح لفريق التفاوض بتقديم مقترح من شأنه تمكين إسرائيل من مواصلة الحرب حتى تحقيق جميع أهدافها، بما في ذلك تدمير القدرات العسكرية والحكومية لـ(حماس)، وإعادة الأسرى»، وشدد على أن «المقترح الفعلي الذي تقدمت به إسرائيل، بما في ذلك الانتقال المشروط من مرحلة إلى أخرى، يسمح لإسرائيل بالتمسك بهذه المبادئ».

الرئيس الأميركي جو بايدن خلال خطابه الذي أعلن فيه خطته لغزة يوم 31 مايو (رويترز)

حشد الدعم الدولي للمقترح

نقل موقع «واللا» عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين قولهم إن «المقترح الإسرائيلي الذي عرضه بايدن في خطابه، يوم الجمعة، ربما استنفد قدرة إسرائيل على التحلي بالمرونة والتنازل». ووفق المسؤولين الأميركيين، فإن «خطاب بايدن كان يهدف إلى حشد الدعم الدولي للمقترح، وزيادة الضغط على (حماس) أيضاً لقبول الاتفاق».

ولفت المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون كذلك إلى أن «خطاب بايدن زاد الضغط على الحكومة الإسرائيلية للإسراع في المضي قدماً في إطار المقترح المطروح». وقال هؤلاء المسؤولون، وفق «القناة 12» إنه إذا رفضت «حماس» العرض، أو إذا تراجع نتنياهو عن قبوله، فإن «إمكانية التوصل إلى صفقة لن تكون مطروحة خلال الفترة المقبلة، ومن المرجح أن تتصاعد الأزمة في غزة». ورأى المسؤولون أن خطاب بايدن قد يكون «المحاولة الأخيرة لمنع مثل هذا السيناريو، وإيجاد استراتيجية للخروج من الحرب، والإفراج عن جميع الـ125 إسرائيلياً المختطفين».

“);
googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-3341368-4’); });
}

شاركها.
Exit mobile version